السؤال رقم: (4964). عنوان الفتوى: حكم الألعاب الإلكترونية إذا احتوت على أمور شركية.
نص السؤال: عندي مسألة مشكلة وتحتاج إلى تحرير وبيان منكم وهي من شقين:
– تنتشر بين الشباب الآن الألعاب الإلكترونية والتي يمكن لعبها بشكل جماعي عبر جهاز الكمبيوتر بين أطراف متعددة من أنحاء العالم ، هذه الألعاب قد تحتوي أحيانا على صور شركية مثل الصليب أو لأشياء محرمة مثل الخمر والنساء العاريات “بشكل مرسوم وكرتوني” أو أن تقوم شخصية اللاعب التي بداخل اللعبة بعمل حركات معينة أمام صنم أو شيء من هذا القبيل، وهذه اللعبة قد تكون حربية قتالية بمعنى تقوم المجموعات بلعبها لهذا الغرض تحديداً وهو التنافس فيمن سيغلب أو سيكون صاحب الاستراتيجية الأفضل …إلخ لكن مع الأسف يوجد بعض هذه الأشياء التي تحتويها اللعبة ، فهل يحرم اللعب بهذه اللعبة بالكامل لمجرد توفر هذه الأشياء فيها ؟ بصراحة هناك عدم تقبل لهذه الفكرة بشكل كبير بين الشباب المراهق تحديداً لأنهم يقولون “أنا ألعب هذه اللعبة وأعي أن هذه الأشياء في حياتنا الحقيقية محرمة وأنا أنكرها حتماً ولا أوافق عليها جملةً وتفصيلاً لكن هنا بداخل اللعبة أنا مجرد لاعب ومستخدم ولا أستطيع التحكم بمنع ظهور هذه الأشياء، وقلبي ينكرها كلها ولا شك ولست متأثراً بها في حياتي الحقيقية، فلماذا تكون اللعبة كلها محرمة؟ اعتبر أني سافرت لدولة أوروبية كمبتعث أو حتى في دولتي الحالية سأشاهد هذه الأشياء كلها حقيقةً أمامي وأنا منكر لها فهل هذا يعني أنني الآن أفعل أشياء محرمة لمجرد تواجدي أو رؤيتي لهذه الأشياء؟”.
الشق الآخر لنفترض أسوأ الأحوال وهي أن اللاعب الذي بداخل اللعبة عندما يقف أمام صنم أو ما شابه يركع له أو يقوم بعمل حركات معينة ، بعض الألعاب تكون عبارة عن عالم مفتوح بمعنى أن اللاعب يستطيع تجنب الذهاب لهذه المنطقة بداخل اللعبة التي بها أصنام ، فهل أيضاً يحرم اللعب في هذه الحالة بهذه اللعبة بالكامل فقط لأنها تحتوي على هذا الأمر وحتى إن استطعت تجنبه ؟أجزل الله لكم المثوبة والأجر.
الرد على الفتوى
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فالذي يظهر من سؤال السائل أن هذه اللعبة المذكورة تشتمل على ألعاب شركية وبناء عليه يحرم على المسلم اللعب بها لأمرين:
أولاً: اشتمالها على منكر ولا يجوز للمسلم؛ لأنّ على المسلم أن ينكر هذا الشرك بما يستطيع، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم ( 49 ).
وأقل درجات هذا الإنكار هو الإنكار القلبي ، والإنكار بالقلب فرض على كل واحد لأنه مستطاع للجميع وهو بغض المنكر وكراهيته ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان لقول الله سبحانه : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام /68 ، وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ) النساء /140 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) الفرقان / 72 ، ومعنى لا يشهدون الزور لا يحضرونه … والزور يشمل كل منكر، ويدخل في ذلك الشرك والكفر وغيره من أنواع المعاصي.
ومن عودّ نفسه على مشاهدة هذه المشاهد قد يزيل من قلبه هذا الإنكار – والعياذ بالله تعالى من هذا. ومن علم حرمة مثل هذه النوع من اللعب واستمر في اللعب غير مستحل له، فهو ذنب من الذنوب عليه أن يتوب إلى الله منه ويقلع عنه.
ثانياً: أن اللعب بها وقوع في الشرك، وذلك بأن اللاعب أثنا اللعب بها يسجد أو يركع للصنم أو يدعوا الصنم كما هو مذكور في سؤال السائل، وهذا شرك صريح على سبيل اللهو واللعب وقد عدّه العلماء من الكفر – نسأل الله السلامة والعافية – .
قال الله تعالى :{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة / 65 – 66] .
قال القاضي أبو بكر بن العربي: ” لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدّا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمّة “.
انتهى من ” أحكام القرآن ” ( 2/543 ) .
لكن الحكم على اللّاعب المعيّن بهذه اللعبة بالكفر يحتاج إلى النظر في توفر شروط التكفير فيه وانتفاء موانعه، فليس كل فاعل للكفر كافراً.
وإن سلم الإنسان من اعتقاد ما بها من شرك، وكان قلبه مطمئنا بتوحيد الله، وتفرده بذلك: فإنه لا يكون مشركا، بل يكون مرتكبا للحرام.
فالحاصل أنه لا يجوز اللعب بمثل هذه الألعاب التي تشتمل على هذه العقائد الكفرية، فإن اللعب بها حرام بلا خلاف.
وينبغي توجيه الناشئة لغيرها من الألعاب السالمة من المحاذير، وهذه الألعاب كثيرة والحمد لله.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.