السؤال رقم: (5093) ما المقصود بعبارة النووي رحمه الله؟

نص السؤال: السلام عليكم يا شيخ لأنه من المعلوم عند أهل العلم أن الذمة لا تعمر إلا باليقين، وأنَّ الْحُكْمَ -كما قال الحافظ في الفتح نقلًا عن النووي -: إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُنْضَبِطٍ عَامٍّ، دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، مِمَّا لَا انْضِبَاطَ لَهُ.)

لم أفهم هذا الكلام ما المقصود فيه. وجزاك الله خير وبارك في علمك ووقتك.

الرد على الفتوى

الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد.

فأولاً: من القواعد المقررة عند العلماء أن الأصل براءة الذمة، فلا تعمر إلا باليقين، هذه القاعدة فرع عن قاعدة “اليقين لا يزول بالشك ” لأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ولأن اليقين ثابت فلا يلغى إلا بمثله، ومن ذلك إذا شغلت الذمة بيقين في مقتضى حكم شرعي، أو بحق من الحقوق، فلا تبرأ من ذلك إلا بيقين يثبت براءة الذمة.

ومن الأمثلة على هذه القاعدة: من شكّ في عدد ركعات ما صلى، أو في عدد الأشواط في الطواف، أو السعي، بنى على الأقل، طرحًا للشك، واستصحابًا لليقين في تعمير الذمة، لأن المعتد به في إتمام العبادة هو اليقين، أو الظن الغالب الذي تسكن إليه النفس ويطمئن إليه القلب، فلا تبرأ الذمة مما عمّرت به إلا بيقين.

ومن ذلك من شك في إخراج ما عليه من الزكاة، أو الكفارات، أو قضاء رمضان، أو الهدي، أو أداء ما عليه من الصلاة، أو الدَّين، فالواجب عليه الأداء، وطرح الشك، لأن ذمته عمرت بهذه المأمورات بيقين، فلا تبرأ منها إلا بيقين، ويلغى الشك استصحاباً للحال.

ومن ذلك أيضاً الأب إذا قتل ابنه لا يقتص منه؛ لأن شرط القصاص القتل العمد العدوان، والعداوة في قتل الأب مشكوك فيها، لما جُبل عليه الأب من الرأفة والشفقة، فحصل الشك في الشرط فلا يترتب المشروط.

ثانياً: قول النووي: لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له.

يحتج بها في المتلفات والاختلاف في جريان القصاص كما لو أتلف العائن شيئا فهل يضمنه، ولو قتل فهل عليه القصاص أو الدية.

فقد منع الشافعية القصاص في ذلك وقالوا: إنه لا يقتل غالبًا ولا يعد مهلكا. قال النووي في “الروضة”: ولا دية فيه ولا كفارة، كيف ولم يقع منه فعل أصلا؟ وإنما غايته حسد وتمن لزوال النعمة. وأيضا فالذى ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلك الشخص، ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين. اهـ

والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.