السؤال رقم (5986) حدثت عندي شبهة أتعبتني حول تطليق سعد بن الربيع زوجته ليتزوجها غيره، وصار الشيطان يوسوس أن الأمر أشبه بسلعة يبيعها لغيره، ويستعملها بحجة الإيثار، وأنا أعلم خطأ ما أقوله أتمنى أن يتم الرد على الشبهة؟

الجواب: أولًا: أخرج البخاري في صحيحه (3781) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: “قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَهْيَمْ) قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ (مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟). قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ).

وهذه القصة دليل على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الحب لهذا الدين، وتقديمه على المال والأهل والنفس، وما كان من الإيثار من جانب الأنصار الذين قال الله فيهم: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، والتعفف من جانب المهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم في مكة، وهاجروا لله ورسوله، وأبَوا إلا العمل والكسب الحلال.

ولكنّ أعداء الإسلام تأبي نفوسهم المريضة أن تَظهر هذه المعاني السامية، فيغضون الطرف عن هذا النوع النادر من الإيثار الذي قلّ نظيره، وقد وقع فعلًا من الصحابة، ويتساءلون عن أمر لم يقع أصلًا، ويعتبرونه إهانة للمرأة، وما هذا والله إلا لما وقر في نفوسهم من الكُره لهذا الدين.

ثانيًا: للرد على هذه الشبهة الزائفة أقول:

– هذا الأمر وهو تطليق سعد بن الربيع لزوجته؛ ليتزوجها عبدالرحمن بن عوف، لم يقع أصلًا.

-قياس حال المسلمين الأوائل وما كان عليه العرب وقتها على حالنا الآن مع ما فينا من الشحّ، قياسٌ خاطئ، فلقد كانوا فوق ما نتصوره بمراحل، ثم إن العرب كانوا لا يأنفون من ذلك، أي أن يطلق الرجل امرأته، ثم تنكح غيره، وكان أمر الطلاق والنكاح عندهم يسيرًا، بدليل أن المرأة إذا طُلّقت أو مات عنها زوجها؛ تسارعوا للزواج منها، بخلاف حالنا اليوم.

-غفل من يثيرون هذه الشبهة أن المرأة في الإسلام لا تتزوج إلا بإذنها ورضاها، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْكَحُ البِكْرُ حتّى تُسْتَأْذَنَ، ولا الثَّيِّبُ حتّى تُسْتَأْمَرَ فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ إذْنُها؟ قالَ: إذا سَكَتَتْ) البخاري (٦٩٦٨)، فلو كانت المرأة سلعة كما يثير المشككون، فإن السلعة لا تُستأذن قبل بيعها.

لكنّ ظلمة الجهل إذا وافقت الهوى كانت النتيجة عمى البصيرة، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)

وأخيرًا أنصحك بكثرة الاستعاذة من الشيطان، وترك هذه الخطرات التي تضرّك في دنياك وأخراك.