السؤال رقم (5625) كيف نرد على غير المسلمين شبهه رضاع الكبير وكيف أرضعت سهلة، بنت سهيل هذا الرجل؟ وهل يجوز أن تكشف عورتها أو ترضعه؟

الجواب: روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ” أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ ، فَأَتَتْ – تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ – النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ. فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ “. رواه البخاري (4000) ، ومسلم (1453) ، زاد مسلم في روايته : ” قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ ”  .

وقد جاء أنها كانت قد أفرغت من لبنها في قصعة فشربه ، وفعلت ذلك خمس مرات .أورد ذلك ابن سعد في “الطبقات” (8/271) .

وقد أثار أعداء الإسلام الشبه حول هذا الحديث منها ما ذكره السائل ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي:

 أولاً: الرضاع الذي تثبت به الحُرمة؛ أي الرضاع الذي يكون به الطفل ابنًا للمرأة التي أرضعته من الرضاعة هو وصول اللبن إلى جوف هذا الطفل وهو رضيع، بما يوازي خمْسَ رضعاتٍ مشبعاتٍ, وليس بمجرد التقام الثدي.

والتقام الثدي لا تثبت به أي حُرمة على الإطلاق, بمعنى أنه إذا التقم طفلٌ رضيعٌ ثَدْيَ امرأةٍ ليس فيه لَبَنٌ؛ فلا تكون هذه المرأة أُمًّا له حتى لو ظل يَرْضَع منها لمدة سنة, طالما أن ثديها ليس فيه لَبَن، أو لم يصل لَبَنُهَا إلى جَوفه.

قال الإمامُ ابنُ قُدَامَةَ في المغني (9 /196):” وَلَنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِشُرْبِ الصَّبِيِّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَرِّمُ ، وَلِهَذَا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ رَضَاعٍ ، وَلَوْ ارْتَضَعَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى فِيهِ ، ثُمَّ مَجَّهُ ، لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ”.

ثانياً : لو أنَّ امرأةً حَلَبتْ لَبَنًا في إناءٍ ثُمَّ شربه طفلٌ رضيعٌ على خَمس مرات بما يوازي خَمْسَ رضعات مشبعات منفصلات, تكون هذه المرأة أُمًّا لهذا الطفل من الرضاع.

وهذا يعني أن العبرة عندنا في دين الإسلام العظيم بوصول لبن المرأة إلى جوف الطفل الرضيع خمس مرات مشبعات، وليس مجرد التقام الثدي.

   قال العلّامة عليّ بن خلف المالكيُّ المصريُّ في كفاية الطالب الرباني(3 /241)

الرَّضَاعُ وُصُولُ اللَّبَنِ لِجَوْفِ الرَّضِيعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَا ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ عَلَى مَحِلِّ خُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ لِطَلَبِ خُرُوجِهِ }.

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين (1 /270):

“رَضِعَ الصَّبِيُّ رَضَاعاً ورَضاعةٌ أيْ : مصَّ الثدي وشرب. وأرضعته أمّه أيْ : سقته فهي مرضعة بفعلها”.

قال بنُ نُجَيْمٍ في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3 /238): ” وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا أَفَادَهُ ( قَوْلُهُ : هُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ الْآتِيَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا حَلَبَتْ لَبَنَهَا فِي قَارُورَةٍ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِإِيجَارِ هَذَا اللَّبَنِ صَبِيًّا ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَصُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّبَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصِّ، وَالصَّبِّ، وَالسَّعُوطِ، وَالْوَجُور”.

ثالثاً : رَضَاع سالِم مولى أبي حذيفة والذي يُطلق عليه اسمُ “رضاع الكبير” كان بأنْ حلبت سهلة بنت سهيل اللبن في إناء وشربه سالم حتى صارت أمًّا له من الرضاع كما ذكرنا في رواية ابن سعد في الطبقات. 

قال الإمام أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (8 / 257): “هكذا إرضاع الكبير كما ذُكر ، يُحلب له اللبن ويُسقاه ، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا ، لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء)

وقال أيضًا في التمهيد (8 / 255): “انكشاف الصَّدْرِ من الحُرَّة لا يجوز أن يُضَافَ إِلَى أهل الدين عند ذي محرم، فَضْلًا عن غير ذي مَحْرَمٍ، لأن الْحُرَّةَ عَوْرَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى ذلك منها إلا وجهها وكفيها”.

   قال الإمام ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص (308) : “فقال لها (أرضعيه) ولم يُردْ ضعي ثديك في فيه كما يُفعل بالأطفال, ولكن أراد احلبي له من لبنك شَيْئًا ثم ادفعيه إليه ليشربه.

ليس يجوز غير هذا لأنه لا يَحِلُّ لِسَالِمٍ أن ينظر إِلَى ثدييها إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له وما لا يؤمن معه من الشهوة”.

قال الإمامُ زينُ الدين بنُ نُجَيْمٍ الْحَنَفِيُّ:

رابعاً : هذه الحالة كانت خاصةً بسالم كما نصَّ على ذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهن من العلماء من التابعين والعلماء.

أو تكون هناك حالة تنطبق عليها حالة سالم وسهلة وأبي حذيفة تماما.

قال الإمام النَّوَوِيّ في شرحه لصحيح مسلم (10 /31 ط ) : “قَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى الْآنِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِإِرْضَاعِ مَنْ لَهُ دُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثِ سِنِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ سَنَتَيْنِ وَأَيَّامٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنَ لِمَنْ أراد أن يتم الرضاعة وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَبِأَحَادِيثَ مَشْهُورَةٍ وَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلَةَ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا وَبِسَالِمٍ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُنَّ خَالَفْنَ عَائِشَةَ فِي هَذَا”.

خامساً : سبب ذهاب سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هي أنها كانت ترى الكراهة أي (الضيق) في وجه أبي حذيفة من دخول سالم إلى بيتهما. فهل سيقبل أبو حذيفة بالتقام سالم لثدي زوجته, وهو الذي كان يتضايق من مجرد دخوله إلى البيت.