السؤال رقم (633) : حكم التأخر عن الصلاة، وتعدد الجماعات في المسجد الواحد؟
نص الفتوى: فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن محمد الطيار .. حفظه الله ونفعنا والمسلمين بعلمكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كثرت في الآونة الأخيرة المساجد التي يكثر فيها تعدد الجماعات وربما حصل منهم الصلاة قبل الوقت وبعضهم يؤخرها إلى قرابة نهاية الوقت أو خروجه ويتعمد البعض وضع المنبه بعد الأذان بوقت طويل لاعتماده على هذه المساجد ويستمر البعض في عمله أو التجول في سيارته لأنه سيدرك الجماعة بزعمه بمثل هذه المساجد وهذا يؤثر على عملنا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن مثل هؤلاء إذا نبهناهم قالوا سنصلي في المسجد الفلاني. فما الحكم في مثل هذه الظاهرة.. جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الرد على الفتوى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأولاً: الصلاة فريضة افترضها الله عز وجل على عباده، وهي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارق بين المسلم وغيره، وهي من أعظم العبادات وأحبها إلى الله، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
وصلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين، لقول الله تعالى: [وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ..](النساء: 102)، وقوله صلى الله عليه وسلم (وَالّذي نَفْسي بيدَهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بحَطَبٍ فيحتطب ثُمَّ آمُرُ بالصَّلاةِ فَيُؤذَّنُ لهَا ثُمَّ آمُرُ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النّاسَ ثُمَّ أُخَالِفُ إلى رجَالٍ فأُحَرِّقُ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالّذي نَفْسي بيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أَوْ مِرْمَامتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ)(رواه البخاري)، وقوله صلى الله عليه سلم (إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)(رواه مسلم).
وهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين إذا سمعوا النداء.
ثانياً: لا يجوز لإمام المسجد أن يصلي بالناس قبل دخول وقت الصلاة، وإذا صلاها بهم وجب إعادتها لأنها لا تصح، فالصلاة قبل وقتها تعتبر نافلة وليست فريضة.
ثالثاً: لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر شرعي مانع من الصلاة، بل يصلي المسلم حسب حاله مهما كانت الظروف والأحوال.
رابعاً: الذين يتأخرون عن صلاة الجماعة دون عذر شرعي على خطر عظيم، وبعض الناس يتأخر عنها حتى تقام، أو يبقي منها ركعة أو ركعتان، وربما يتأخر عنها حتى تنتهي ثم يأتي المسجد ويصلي في جماعة ثانية، وهذا لا يجوز ومن فعله فهو آثم ما دام غير معذور، وقد وصف الله المنافقين بمثل هذه الصفات قال تعالى: [وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً](النساء: 142).
وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها)(رواه مسلم وأحمد وغيرهما)، ومعنى خيرها أي أكثرها أجراً، ومعنى شرها: أي أقلها أجراً. وقال صلى الله عليه وسلم (ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)(رواه مسلم)، وفي هذا الحديث وغيره الحث والترغيب في المبادرة إلى الصلاة والمسابقة إلى الصف الأول وذمَّ اعتياد الصلاة في الصفوف المتأخرة.
وإني أوصي إخواني المسلمين بالحرص على صلاة الجماعة وخاصة الجماعة الأولى، وعدم التهاون في الحضور، وعدم التأخر عن الصفوف الأولى، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)(رواه مسلم)
وإذا تعمد المسلم وضع المنبه على وقت متأخر يصلي قبله من حوله من المساجد اعتماداً على صلاته في مسجد تقام فيه جماعات متعددة، أو اتفق مع مجموعة على أن يصلوا في المسجد الفلاني بعد صلاة الناس فيه بساعة أو أقل أو أكثر فهؤلاء آثمون، ومثل هذه المساجد الأولى أن يعتني بها وتفتح إذا كانت على الطرق للمسافرين خاصة.
وكلما حرص المسلمون على صلاتهم وأداءها على الوجه المطلوب، كان ذلك خيراً لهم، وأما إذا فرطوا وضيعوا فهذا نذير شؤم على الجميع. وهذه النعم التي نتقلب فيها تحتاج إلى شكر المنعم، وشكر المنعم يتأتى بأداء ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه، وأن يرى الله منا الحرص على كل ما يرضيه والبعد عن جميع مساخطه،وصدق الله تعالى إذ يقول[لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] (إبراهيم:8) أسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.