السؤال رقم (3470) : حكم منع توزيع الميراث من أحد الورثة لباقي الورثة

السلام عليكم .سؤالي قسمين: الأول: نحن ست أولاد ثلاث بنات وثلاث أولاد وكلنا متزوجين .مات والدي منذ 20 عام وترك لنا منزلاً سعره خيالي وأمي ترفض بيعه مع أن هناك ثلاثة من اخوتي بأمس الحاجة للمال ومع العلم أن حصة والدتي من هذا المنزل يمكنها من شراء منزلاً خاص بها في موقع محترم وعندما نكلمها في هذا الموضوع ترفض. وأصغر واحد من أخواتي أصبح عمره 42 عام أي لسنا صغاراً.
ثانياً: في ظل ظروف الحرب حالياً سافر اخوتي الشباب مع عوائلهم خارج القطر وبقينا في القطر ثلاث بنات. وأمي أصبحت في المنزل وحيدة بعد ما كان أخي الأصغر مع زوجته يعيشون معها. فقررت أنا أن أترك منزلي مع زوجي الذي وافق على ذلك(ليس لدي أولاد)وأن أعيش مع أمي رأفةً بها حتى لاتقضي عمرها بين بيوت أخواتي الثلاث من بيت لأخر وحتى تبقى في بيتها وفي غرفتها وتشعر بالاستقرار وتكفلت بمصروف المنزل من كهرباء وماء وأطباء وأدوية وكل شيء مع العلم أن أمي لديها راتب ولكنه قليل في ظروف الغلاء. وأحد اخوتي يبعث لها بالمال ولكنها تدخره لنفسها حتى ولو كنا في ضائقة مالية. وعمر أمي 76 عاماً. المشكلة أن أمي مهما فعلت لها لايعجبها أنا موظفة دوامي من الصبح وحتى المساء وأطبخ في الصباح أو في المساء وأعمل أعمال المنزل على قدر المستطاع وزوجي يأخذ أمي الى الأطباء ويشتري لها الدواء وأمي لايعجبها ولامرة قالت لي كلام جميل تعبر فيه عن امتنانها لنا حتى نستمر في ذلك يعني نوع من التشجيع. والمشكلة الكبرى أنها تنقل أخبارنا وأسرارنا الى اخواتي البنات وأزواجهم وأولادهم حتى أصبحوا جميعاً يكرهوننا وخاصة بعد أن قلت لهم أني لا أستطيع أن أستقبلهم هم وأزوجهم وأولادهم يوم السبت من الصباح الى المساء مثلما اعتادوا سابقاً لأن هذا اليوم هو يوم عطلتي أنا وزوجي وثانياً لأسباب مادية فهم يأتون وينتظرون مني أن أطبخ لهم أو أن يطبخوا هم وأنا أشتري اللحم والخضراوات وظروف الحياة صعبة في ظل الحرب. وأنا عندي من الأعمال والأشغال الكثير مما تراكم علي في الأسبوع. وقد طلبت منهم أن يأتوا زيارة عادية ما بعد الظهر فهذا يناسبني أنا وزوجي. بدلا أن يشكرونني لأنني تركت منزلي واستقلالي وراحتي وحياتي الخاصة من أجل أمي وأمهم فصاروا يعاملونني بجفاء ولا يسألوا عني وأمي لا تدافع عني بالعكس دائماً تتكلم عني بالسوء ولم أشعر يوماً بحنان الأم أو لهفتها أو حنينها أو خوفها علي دائماً تجعلني أشعر أنها ليست أمي (وهذا الشعور قديم قبل أن أنتقل للعيش معها)دائماً أشعر أنني يتيمة وأمي على قيد الحياة. هذا كله سبب لي متاعب صحية ذهبت الى المشفى على اثرها ثلاث مرات بحالة اسعاف وأصبحت عصبية جداً وعندي حالة كآبة واضحة وأخاف على علاقتي بزوجي أن تتأثر بذلك خاصة أن أمي دائماً تراقبنا وتنظر الينا باستمرار وتنقل ما تسمع وما ترى أي أننا فقدنا حريتنا. وخاصة أنا وزوجي كنا نعيش حياة جميلة لا نتدخل بأحد ولا نسمح لأحد أن يتدخل بنا ولا أحد يدري ما يحصل بيننا فهي أسرار عائلية. لا أدري ماذا أفعل فحالتي الصحية تسوء وقد اقترح زوجي أن نعود لبيتنا وأنا أتمنى ذلك ولكن لا أريد أن أكسر بخاطر أمي مع أنها لا تحبني ولا تخاف علي . بدلاً أن تقرب أخوتي مني وخاصة ليس لي أولاد مع العلم أني في السابق ساعدت جميع اخوتي مادياً ومعنوياُ .أفيدوني أفادكم الله.
السائلة : nada

الرد على الفتوى

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . وبعد،،،
فأولاً : المال الذي يتركه الميت حق لورثته جميعا، بعد سداد ما كان عليه من الديون ودفع ما أوصى به من الوصايا في حدود ثلث التركة ، قال تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} {النساء:7 }. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ترك مالا فلورثته).
ولا يجوز لأحد أن يمنع الوارث من المطالبة بحقّه من التركة. لكن إذا رضي الورثة جميعاً بترك التقسيم فلا حرج في ذلك.
والذي ننصح به أن يتدخلّ بعض العقلاء ذوي المروءة ليقنعوا الأمّ ببيع العقار وتقسيم التركة، فإذا رفضت، فإن الأمر يرفع إلى المحكمة الشرعية لتقسيم التركة وضمان حقوق الورثة، مع الحرص على إرضاء الأم.
ثانياً : أيها الأخت الفاضلة : من المعلوم أن الأصل شفقة الأم على أبنائها وحرصها على مصلحتهم، وهذا أمر مركوز في فطرتها، ولذا فمن الغريب ما تذكرين عن أمك في تعاملها معكم، ومن أولى ما نوصي به الصبر عليها، فإن الصبر من أفضل ما يتسلى به المؤمن عند حلول البلاء، فعاقبته خير.
واحرصي على دفع كل سيئة ترد عليك منها بالحسنة، فذلك من أسباب تغيير الأحوال، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } {فصلت:34}.
واعلمي أيتها الأخت أن حق الوالدين هو من آكد الحقوق بعد حق الله تعالى، وحقهما يكون في البر والطاعة والاحترام والإكرام والإنفاق عليهما إن احتاجا ورعايتهما والقيام بشأنهما، وإنما كان حقهما بعد حق الله مباشرة، لأنهما السبب في الوجود بعد الله عز وجل، ولأنهما بذلا في سبيل تربية الولد من الجهد ولقيا في ذلك من المشقة مالا يعلمه إلا الله، فلهذا قال جلا وعلا:{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا} [النساء:36]. وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا} [الإسراء:23].
وهذا حق تنادي به الفطرة ويوجبه العرفان بالجميل، ويتأكد ذلك في حق الأم فهي التي قاست من آلام الحمل والوضع والإرضاع والتربية… ما قاست، ولهذا قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال : ثم من ؟ قال : أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك.
وعليك أيضا بالدعاء لها بأن يلهمها ربها الرشد والصواب، فإن القلوب بيد علام الغيوب، والدعاء يحقق به المسلم ما لا يخطر له على بال، والرب عز وجل قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} {غافر:60}.
وقد أحسنت بحرصك على بر والدتك والجلوس معها لخدمتها ، وهو واجب عليك مهما قصرت في حقك، وكوني على حذر من التقصير في حقها أو الإساءة إليها بأي إساءة ولو كانت صغيرة، فتقعين بذلك في العقوق فتخسرين دنياك وأخراك.
أما عن خدمتك لأمك ورعايتك لها فهو واجب على أولادها جميعاً، فإما أن يتبرع أحدكم بالإقامة معها وهذا ما فعلتيه وجزاك الله خيرا على صنيعك ، ولكن إن كان في بقائك معها لخدمتها أمور قد تؤثر على حياتك الزوجية فيمكنكم جميعاً أن توفروا لها من تقوم بخدمتها، وأن تقوموا بخدمتها بأنفسكم بالتناوب فيما بينكم، فإنه على كل حال لا يجوز لكم أن تتركوا أمكم بمفردها على وجه يضر بها. والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.