السؤال رقم (3857) : كيف أرد على من من يستهزء أو يناقش ويتكلم عن أهل الدين ؟
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا مسؤل كبير في أحد المنتديات القوية والكبيرة والتي يتابعها في الثانية قرابة عشرة آلاف عضو وهناك من يستهزء أو يناقش ويتكلم عن أهل الدين ويؤسفني ذلك ولا أملك قوة في الرد على مثل هؤلاء أتمنى أن تفيدوني بكيفية الرد على مثلهم أو تتفضلون في الرد مشكورين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرد على الفتوى
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الله _تعالى_ أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3] وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21] وقال أيضاً: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31] وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36] وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال: 24] وقال _صلى الله عليه وسلم_: \”أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة…\” [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2/541 رقم 881].
فكل هذه الآيات والأحاديث وغيرها كثير _ تدل على دلالة قاطعة على أن الدين شاملٌ كاملٌ لكل شؤون العباد في حياتهم، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أوضحها لنا، والله _تعالى_ أمرنا بطاعته، وطاعة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ ورتب على ذلك محبته ومغفرة ذنوب عباده، ووعد بأن من استجاب لأوامره ونواهيه فقد نال السعادة في الدنيا والآخرة، وأن الأوامر والنواهي من رب العالمين فيها الخير العظيم لمن عمل بها، وأن الضلال لمن خالفها وردها.
والدين الإسلامي دين وسطية، ليس فيه إفراطٌ ولا تفريط؛ لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة: 143] فالمسلم الذي يحب الله _تعالى_ ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ عليه أن يتمسك بما أمراه به بقدر استطاعته، ويبذل الأسباب التي توصل إلى مرضات ربه، والدين ليس قشوراً ولباباً، بل هو ظاهر وباطن، فمن اقتدى بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ ظاهراً وعمل بما أمره به فقد جاء بظاهر الإسلام، ومن أصلح باطنه بمحبة الله والإخلاص له، ورجائه، وخشيته، والاستعانة به، والتوكل عليه _ فقد أتى بباطن الإسلام، والله _تعالى_ لم يفرق بين الظاهر والباطن في الدنيا، فمن كان ظاهره الإسلام فهو مسلم حتى وإن كان يبغض الدين، ويبغض الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أو يبغض الصالحين، أو يبغض العبادة؛ لأن هذا البغض في القلب ولا يعلم به إلا الله، ولقد انتشر في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ صنفٌ من الناس سماهم الله _تعالى_ بالمنافقين؛ لأنهم كانوا يبطنون ما لا يظهرون، فهم يصلون ويزكون ويحجون ويصومون ويفعلون الصالحات ولكن قلوبهم تبغض الدين ومظاهر الدين، وعندما كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ في سفر في إحدى الغزوات كان المنافقون يتكلمون في حق النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه، فقالوا عنهم: ما نرى هؤلاء إلا أرغب بطوناً، وأكذب ألسناً، وأجبن عند اللقاء، فنزل فيهم قول الله _تعالى_: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65_66] فماذا كان رد القائلين لهذا الكلام؟ قالوا: إنما كنا نخوض ونلعب، يعني: أننا لم نقصد الإساءة لكم، ولكن الله _تعالى_ من فوق سبع سماوات حكم عليهم بالنفاق والكفر، فما بال قومٍ في زماننا خرجوا على المسلمين بكلماتٍ معسولة، وألفاظٍ ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، يتكلمون في حق الدين، والمتمسكين بالدين، ويلمزن ويسخرون، أليس كل ما ذكرته في سؤالك من مظاهر إسلامية كان يعمل بها الرسول _صلى الله عليه وسلم_؟ أليس هذا من الدين؟ والله _تعالى_ أمر عباده بالاقتداء بنبيه _صلى الله عليه وسلم_ فما بال أقوامٍ يتطاولون بألسنتهم على الدين وأهله؟ أليست هذه سخرية؟ أليس هذا استهزاء؟ أيليق بالمسلم الذي يخاف الله _تعالى_ أن يجعل من تمسك بمظاهر الدين محل سخرية واستهزاء؟ ألا يخشى أن يكون ممن قال الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) [المطففين: 29_32].
فينبغي على المسلم العاقل ألا يتخذ مظاهر الإسلام سخرية واستهزاءً، بل ينصح ويرشد بما أمره الله به، ولا يكون كمن قال فيهم النبي _صلى الله عليه وسلم_: \”بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم\” [رواه مسلم] ولا بد من التعاون على الخير والبر والتقوى؛ كما أمر الله _تعالى_: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
ويجب على من ينصح لعباد الله أن يرفق بهم، وأن يبين لهم الحق وطريقه، ويعمل بتوجيه الله _تعالى_ لنبيه _صلى الله عليه وسلم_: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125] وقال _صلى الله عليه وسلم_: \”إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه\” [رواه مسلم].
وعلى من يقومون على هذه المواقع أن يتقوا الله _تعالى_ فيما يقومون ويكتبون، ولا يتركون المجال لمن يسخر بالدين وأهله؛ حتى لا يكونوا مشاركين لهم في الإثم، بل ينصحون ويذكرون الذين يشاركون في هذه المنتديات بالخير والتعاون عليه، ونبذ السباب والشتم والغيبة والنميمة وقول الزور؛ ليسلموا من المحاذير الشرعية.
والنقد الهادف البناء هو ما بني على أوامر الشرع الحكيم، وليس على هوى كل من أراد النقد، والجميع محل النقد، ولكن لكل مقامٍ مقال، فلا ينبغي التشهير ولا الإساءة، بل يتعاون الجميع على ما يرضي الله _تعالى_.
وأختم بقول الله _تعالى_: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103] فالأعداء متربصون بالأمة من كل حدبٍ وصوب.
أسأل الله _تعالى_ أن يهدي ضال المسلمين، وأن يأخذ بأيدينا جميعاً لما يحب ويرضى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.