السؤال رقم (3678) : أسئلة حول مشكلة الفقر…

نص الفتوى:
المكرم فضيلة الشيخ: عبد الله بن محمد الطيار.. وفقه الله .. لقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من الفقر، ومن ذلك يتبين لنا أن الفقر قد يكون مشكلة تحتاج منا للنظر فيها ومعرفة أسبابها والحلول المثلى لها.. فنرجو من حضرتكم الإجابة على هذه الأسئلة..
ما هي الأسباب التي تؤدي لهذه المشكلة من وجهة نظركم؟
ما هي التحديات أو النتائج التي سوف تترتب على هذه المشكلة؟
ما الحلول المستقبلية المناسبة لهذه المشكلة؟ وما هو الحل الأمثل برأيكم؟ولكم منا جزيل الشكر..

الرد على الفتوى

الإجابة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الفقر مشكلة كبيرة يعاني منها الكثير من الناس، وهو من المصائب التي قدرها الله تعالى على بعض عباده، ومعلوم أن له أثاراً سيئة على العقيدة والأخلاق،فبعض جهات التنصر تستغل فقر المسلمين في دعوتهم إلى دين النصرانية، ومع وجود الفقر وبسببه تنتشر الأخلاق الرذيلة من سرقة وقتل وزنا وبيع للمحرمات وأخذ للرشاوى، والدليل على أن الفقر له أثر في وجود تلك الأخلاق قوله تعالى [وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..](الأنعام)، والمرأة التي احتاجت للمال وضاقت عليها الأرض فلم تجد إلا ابن عمها الذي راودها عن نفسها مقابل إعطاءها المال وهو ثابت في الصحيحين.
فكل بلية غالبها وجود الفقر لذا فأسبابه كثيرة منها ما ذكرنا ومنا ما يأتي:
احتكار الأغنياء للمال واستبدادهم به دون الفقراء.
غلاء الأسعار مع ضعف الرواتب.
البطالة وقلة أبواب العمل.
عدم إخراج زكاة المال من بعض الأغنياء وأصحاب الأموال.
عدم وصول الزكاة العامة وزكاة الفطر للمحتاجين.
وثانياً: النتائج التي تترتب على مشكلة الفقر:
ظهور الأخلاق السيئة مثل السرقة والرشوى والزنا وغير ذلك.
ضعف الإيمان والتوكل على الله، قال صلى الله عليه وسلم (لو توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً)(رواه أبن ماجة والترمذي وأحمد).
انتشار الظلم لأن الأغنياء إذا لم يخرجوا زكاتهم وصدقاتهم للفقراء أصاب الفقراء ظلم عظيم وترتب على ذلك ضرر بالغ بهم وبأسرهم.
ثالثاً: الحلول المستقبلية لهذه المشكلة ـ بإذن الله ـ:
الإقبال على العمل الذي يتكسب منه المسلم، قال تعالى[هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ](الملك). فالعمل يعتبر السلاح الأول لمحاربة الفقر، وهو السبب الأول في جلب المال، وهو العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان وأمره أن يعمرها وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده)(رواه البخاري)، وقال أيضاً (ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم.قالوا: وأنت يا رسول الله، قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)(رواه البخاري).
وهذه الأدلة وغيرها خير دليل على أهمية العمل وأثره في حياة الناس.
إخراج الزكاة: فقد أمر الإسلام الأغنياء بإخراج زكاة أموالهم لإيصالها إلى إخوانهم الفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكرهم الله تعالى في آية الزكاة، وهذه الزكاة تجب في حق الأغنياء وليس تفضلاً منهم، والدليل على ذلك قوله تعالى [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ](التوبة)، وقوله صلى الله عليه وسلم حينما بعث معاذاً إلى اليمن فقال له (..وأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم..)(متفق عليه). وهذه الزكاة تصرف لمن أمر الله لهم بها، وهم الذين لا يستطيعون العمل أو أصابتهم الحاجة، أو من عجز بسبب الإعاقة، وهي أيضاً للأرامل واليتامى وغيرهما.
كفالة الموسرين لأقاربهم الفقراء: وهذه الوسيلة من الوسائل الناجحة إذا قام بها أصحاب الأموال في حق أقاربهم، فلو بحث كل غني عن أقرب الناس إليه وسأل عن حاجتهم ثم قام بسدها فبذلك ينفي عنهم الفقر وله من الأجر والثواب ما الله به عليم، وقد أشار المولى جل وعلا إلى ذلك في آيات كثيرة ومن ذلك قوله جل ذكره [فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ..](الروم)، وقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)(متفق عليه).
والكفالة أبوابها كثيرة يمكن العمل بأي باب منها بحسب حاجة القريب الفقير.
إيجاب حقوق غير الزكاة: كحق الجوار الذي أمر الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكحق الكفاية للفقير والمسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)(رواه البخاري)، ومعنى يسلمه: أي لا يخذله ويتركه يعاني الخطر لشدة وحده.
الصدقات الاختيارية والإحسان الفردي: فالإسلام حث المسلمين على بذل الصدقات والإحسان إلى الناس، فالمؤمن الصادق مع ربه وأعطاه الله من فضله حريص على البذل من كافة أنواع العطاء ولا يفرح إلا إذا أدخل السرور على مسلم بمال أو بكسوة أو بطعام أو غير ذلك، وقد بشر الله هؤلاء بقوله [مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ](البقرة).
ومن أنواع الصدقات الاختيارية الوقف الخيري؛ وهي الصدقة الجارية التي يضعها المسلم للنفع الجاري للمسلمين في شتى أنواع المنافع كتعليم القرآن، وتعليم العلم الشرعي وبناء المساجد وغير ذلك من برادات الماء السبيل وغيرها.
فتح مجالات العمل بشتى أنواعه للتقليل من البطالة والفقر.
والحل الأمثل هو تعاون الجميع لحل مشكلة الفقر بوضع تلك الحلول محلها الصحيح، فلا يمكن الاستغناء عن بعضها، ومعلوم أن الناس لا يستطيعون كلهم الحصول على العمل الذي يسد فقرهم، لذا فالإسلام حث الأغنياء على إخراج الزكاة وبذل الصدقات لسد حاجة إخوانهم الفقراء، فلابد من تضافر الجهود، وحث الأغنياء على إخراج زكاة أمواله ولا يبخسونها، ويكثرون من البذل والعطاء لكي يعيش المجتمع خالياً من هؤلاء الفقراء. أسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع،وصلى الله وسلم على نبيا محمد.