السؤال رقم (3609) : موضوع الفتوى: لماذا العلماء في فتاواهم يستنبطون أحكامهم من أحاديث ضعيفة؟

نص الفتوى: بارك الله فيكم على موقعكم الرائع وزاد الله لكم في علمكم، شيء يحيرني أنا أعلم أن العالم عندما يفتي أولا: يستند إلى القرآن والقرآن كله صحيح ، أو حديث نبوي بشرط صحة الحديث وثبوته.
ثانياً: صحة الفهم أقصد صحة الحكم الشرعي المستنبط من الحديث الصحيح، فهناك أحاديث ضعيفة أستند إليها علماء يشهد لهم بالعلم، بل من الممكن تجد بينهم من هم من الفقهاء أو علماء الأصول، فلماذا هؤلاء العلماء في فتواهم يستنبطون أحكامهم من أحاديث ضعيفة؟ مثل حديث ( لا صغيرة مع الإصرار, ولا كبيرة مع الاستغفار) فهو ضعيف، أو حديث أبي هريرة في النهي عن الخضب بالسواد هو ضعيف للغاية أو حديث ابن عباس “المشهور” في النهي عن الخضاب بالسواد أيضاً وهو ضعيف للغاية، أتمني أن تكون الإجابة واضحة بأكثر مما يمكن؛ بالتوفيق والسداد والنجاح.

الرد على الفتوى

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيجوز للعالم أن يفتي بما يترجح له أخذاً بالدليل الذي يظهر عنده ويعتمد عليه في كل مسألة، وهذا يعتمد على قوة علمه وفهمه وإدراكه واستنباطه.

أما بالنسبة للأخذ بالحديث الضعيف فقد بين جمهور العلماء أنه لا يجوز الاحتجاج به في العقائد ولا في الحلال والحرام، وإنما جوَّز بعض أهل العلم العمل به في فضائل الأعمال بشروط وهي:
1ـ أن يكون الحديث في فضائل الأعمال.
2ـ أن يكون ضعفه غير شديد.
3ـ أن يندرج تحت أصل معمول به.
4ـ أن لا يعتقد ثبوته عند العمل به، بل يعتقد الاحتياط.
يقول الإمام النووي في المجموع: “قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام”. ا.هـ
وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: “والذي قطع به غير واحد ممن صنف في علوم الحديث حكاية عن العلماء أنه يعمل بالحديث الضعيف في ما ليس فيه تحليل ولا تحريم كالفضائل، وعن الإمام أحمد ما يوافق هذا”. ا.هـ
وقال محمد الحطاب المالكي في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: “اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال”. ا.هـ

وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما : (يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة)(رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، وصححه الألباني).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وإسناده قوي إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه، فمثله لا يُقال بالرأي، فحكمه الرفع. ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يُكره كراهية تحريم، وعن الحَلِيمي: أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء، فيجوز ذلك للمرأة، لأجل زوجها. وقال مالك: الحناء والكتم واسع، والصبغ بغير السواد أحب إليّ. ويُستثني من ذلك المجاهد اتفاقا .
والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ولكن رُدّ عليه .

قال الحافظ ابن حجر في القول المسدد: وأخطأ في ذلك، فإن الحديث من رواية عبد الكريم الجزري الثقة المخرّج له في الصحيح، وقد أخرج الحديث المذكور من هذا الوجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وغيرهم. اهـ .
والحديث حسّنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء .
وفي هذا الحديث التغليظ والتشديد على الصبغ بالسواد خلافاً لمن يتساهل فيه .
وأحاديث الوعيد تُترك على ظاهرها أبلغ في الزجر والردع .

وبناء على ذلك فإذا اجتهد العالم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر كما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهذا من تيسير الله على عباده. فله الحمد في الأولى والآخرة، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.