السؤال رقم (3534) : من وقع فى الذنب ثم تاب إلى الله منه …. بتاريخ 2 / 2 / 1437هـ

أنا شاب أحسب نفسي ملتزماً وفي لحظة ضعف وقعت ضحية ذئب بشري، فصور لي مقطعاً مخلا، وهددني بنشره على النت ووعد بحذفه مقابل مبلغ مالي.. فلقلة تجربتي ساومته وحاورته حتى أصبح المبلغ بسيطاً ودفعته خلال ثلاثة أيام، وقبل دفعه أعلنت توبتي وتوجهت إلى ربي ثم كررت حسبنا الله ونعم الوكيل بمساعدة أهل القرآن.. ولعل حرارة هذا السلاح وصلت إلى نفس المبتز، فبعد استلامه المبلغ ظل يطلب مني المسامحة، ودفعاً لشره قلت له لا بأس وقطع الاتصال. فأغلقت الهاتف وعطلت حساباتي على النت، ولم أترك له مجالاً لمعاودة الاتصال، والحمد لله أصبحت مداوماً على الصلوات في الجماعة وعلى الأذكار.. ولكن هاجس الخوف من الفضيحة ما زال يراودني وفقدت قسطاً كبيراً من ثقتي بنفسي أمام الناس، فبماذا تنصحونني ولكم مني أسمى عبارات الشكر والتقدير. السائل : التائب إلى الله.

الرد على الفتوى

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فما فعلته أخي السائل من التوبة إلى الله تعالى ومداومتك على الصلوات في جماعة وعلى الأذكار وغير ذلك من أنواع الطاعات فهي أمور تحمد عليها وتستحق منك شكر الله تعالى على ذلك حيث وفقك للتوبة والاستغفار وطاعته سبحانه وتعالى.
ثم اعلم أيها الأخ الكريم أن ” كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون” . رواه أحمد والترمذي, وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وحسنه الألباني . فحصول الخطأ لابد منه لكن التمادي فيه هو الخطأ الحقيقي فما دمت وفقت للتوبة فأبشر بالخير فقد قال الله تعالى : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } [الفرقان: 63-77]. فقد وعد الله تعالى التائب من ذنوبه بأن يبدل سيئاتهم حسنات فأبشر بالخير.
أما عن كونك تخاف من الفضيحة فاعلم بأن الله تعالى ستير يحب الستر على عباده , وهذا من كمال رحمته سبحانه ومن تمام فضله , قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} سورة الشورى : 25.
وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِىِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أي رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). رواه البخاري ومسلم .
فكما أن الله سترها عليك ولم يعلم بها أحد إلا من أغواك بالوقوع في المعصية وبذلت من المال إليه لكي يسترها عليك فاعلم بأنه سبحانه سيسترها عليك من خلقه ، فلا تجعل للشيطان عليك سبيلاً واحذر من الإحباط وعدم الثقة في نفسك فكم من أناس وقعوا في المعاصي ثم أصبحوا عباد زاهدين بل علماء بسبب هذا الذنب الذي وقعوا فيه.
فعليك بالاجتهاد في الطاعات وعمل الصالحات ، والابتعاد عن الوساوس الجالبة للهموم ، وعليك بتعلم العلم النافع ، فإنه يقيك بإذن الله من أنواع الفتن والشبهات . والله أعلم.