السؤال رقم (3506) : من نوقش الحساب عذب. فهل معنى العرض أن الله يخبر العبد بكل أعماله ثم يغفر له ذنوبه ؟

من المؤمنين من لا يحاسب فيدخل الجنة بلا حساب و عذاب، و منهم من يحاسب حسابا يسيرا و هو العرض، و منهم من يناقش الحساب و من نوقش الحساب عذب.
فهل معنى العرض أن الله يخبر العبد بكل أعماله ثم يغفر له ذنوبه ؟
و ما هو مناقشة الحساب ؟ هل معناه يخبر العبد بأعماله مثل في العرض لكنه لا يغفر له
وبالتالي يعذب ؟ أفيدوني بارك الله فيكم. و السلام عليكم و رحمة الله

الرد على الفتوى

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركته . أما بعد:
فأولا : الأصل أن الله تعالى يحاسب الناس كلهم في موقف القيامة فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ :{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ قَالَ “إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ” حسنه الألباني في” صحيح الترمذي ” .
ومعنى قوله تعالى{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ} أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته.
وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ” . رواه الترمذي وصححه وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
فهذه الأدلة تدل صراحة على أن الناس كلهم في موقف القيامة سيحاسبون .
لكن هناك صنف من الناس ، يتفضل الله عليهم ، فيدخلهم الجنة من غير سبق حساب ، ولا عذاب فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. ”
ثانيا :الحساب يوم القيامة نوعان :
النوع الأول : حساب عرض ، وهذا يخص المؤمن ، يُسأل عن عمله وعلمه ونعمة الله التي منّ بها عليه ، فيجيب بما يشرح صدره ويثبت حجته ويديم نعمة الله عليه ، وإذا عرضت عليه ذنوبه أقر بها فيسترها الله عليه ويتجاوز عنه . فهذا لا يناقش الحساب ولا يدقق عليه ولا يحقق معه ، ويأخذ كتابه بيمينه ، وينقلب إلى أهله في الجنة مسرورا ؛ لأنه نجا من العذاب وفاز بالثواب .فعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ ” قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } ؟ قَالَ : ” ذَلِكِ الْعَرْضُ ” .رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ رحمه الله : ” قَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَى قَوْله ” إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ ” أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ ” انتهى .
وعن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قالت : ” سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ ؟ فَقَالَ : “الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ ” . رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :” إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ . وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ” رواه البخاري ومسلم
والخلاصة أن المؤمن يحاسب ولكنه ليس حساب مناقشة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب هلك -أو قال- عذب) لكنه حساب عرض .
النوع الثاني :
حساب مناقشة ، وهذا حساب الله للكفار ، ومن شاء من عصاة الموحدين ، وقد يطول حسابهم ويعسر بحسب كثرة ذنوبهم . وهؤلاء العصاة من الموحدين هم تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم فيدخل منهم النار من شاء إلى أمد ، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة إلى أبد .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ” قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : ( هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ : ( فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ )؟ قَالُوا لَا قَالَ : ( فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا ) ،قَالَ ( فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ بَلَى قَالَ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ : لَا فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ : بَلَى أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ ؟ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي ، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ ، فَيَقُولُ هَاهُنَا إِذًا قَالَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِي ، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ ” رواه مسلم .
والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.