أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية

السبت 11 جمادى الآخرة 1440هـ 16-2-2019م

 

 

المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء: 1).{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(الأحزاب: 70-71)، أما بعد:
فإن لكل أمة من الأمم ثوابت تبنى عليها حياتها، هذه الثوابت تمثل القاعدة الأساسية لبناء الأمة. وفي طليعة هذه الثوابت تأتي الهوية باعتبارها المحور الذي تتمركز حوله بقية الثوابت، والذي يستقطب حوله أفراد الأمة. ولا تستحق أمة من الأمم وصف الأمة حتى تكون لها هويتها المستقلة والمتميزة عن غيرها من الأمم. فالأمة بنيان يتجمع فيه الأفراد حول هوية ثابتة، تكون هي الصبغة التي تصبغ الأمة، وتحدد سلوك أفرادها، وتكيف ردود أفعالهم تجاه الأحداث، ولا شك أنه كلما شعر أفراد الأمة بهويتهم، كلما تعمق انتماؤهم إلى أمتهم، وتأكد الولاء بينهم، وتيسر تعاونهم في سبيل حمل رسالة الأمة والدفاع عنها أمام هجمات الأمم الأخرى .
كما أنه من البديهي أيضاً، أن الأمة إذا فقدت هويتها، فقدت معها استقلالها وتميزها، وفقدت بالتالي كل شيء لأنها تصبح بلا محتوى فكري أو رصيد حضاري، فتتفكك أواصر الولاء بين الأفراد، وتنهار شبكة العلاقات الاجتماعية في الأمة، وتموت الأمة.
*والمشكلة تكمن في أن أكثر المسلمين لم يقتنعوا حتى الآن أن الأعداء من حولهم، على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم لا هدف لهم إلا استئصال شأفة الإسلام، وطمس الهوية الإسلامية، وصهرها في مواقد نار الأممية وإزالتها من الوجود؛ لأنها تعتبر الخطر الماثل أمام القوى الراغبة في الاستيلاء على العالم الإسلامي، والسيطرة عليه سيطرة فعلية ودائمة، قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: 217).
إن أيّ جماعة تفرّط في هويتها سيسهل ـ في عالم تحكمه شريعة الغاب ـ استقطابها والهيمنة عليها، وانحلال شخصيتها عن طريق تدمير المؤسسات والأفكار والثقافة في ذلك المجتمع التي تحفظ عليها شخصيتها، فيتحول الإنسان إلى كائنٍ فارغٍ تابع لغيره مقلد له. أما هذه الأمة فلا عزة لها بدون هويتها{وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} (المنافقون:8)
إنَّ محافظة الأمة المسلمة على هويتها الإسلامية، والاعتزاز بهذا الدين العظيم، يولِّد لديها الشعور بأنَّها الأمَّة التي اصطفاها الله بين العالمين لخيريتها وسمو تشريعاتها، ولكنَّا وللأسف نرى أناساً من المثقفين وغيرهم، ينسلخون من هويتهم، وينقلبون على واقعهم الإسلامي بالهمز واللمز، بل ويذوبون في المشروعات الغربيَّة المناهضة للإسلام([1]).
وفي مقابل ذلك يلزم كل من انشغل بدعوة الناس إلى الإسلام وبخاصة من يقومون بجانب الإفتاء أن يبينوا للناس مخاطر الانزلاق بالوقوع في أفكار الغرب المسمومة، وأن يبينوا للناس الهوية الإسلامية الصحيحة، وأن يدعوهم إلى المحافظة على هويتهم والاعتزاز بها، وأن يوضحوا للناس بعض الجوانب التي قد تأثر بها بعض المسلمين من غيرهم، وأن يحذروا الناس من ترك هويتهم الإسلامية ومن الانجرار وراء الأفكار الغربية المسمومة التي تفسد عليهم هويتهم .الهدف من البحث:
يتركز هدف البحث في التعريف بالهوية الإسلامية وبيان قيمة ودور الفتوى في المحافظة عليها سواء كان ذلك في الجانب العقدي أو الجانب السلوكي والأخلاقي مع تبصير المسلمين بالمؤامرات التي تحاك ضد هويتهم، وضرورة الحفاظ عليها في زمن الاضطراب الذي يشهده العالم اليوم، وصيانتها من الجهود المبذولة لطمسها وتغييرها، وذلك من خلال الفتاوى التي تتناول أسس الاعتصام بالهوية وتحذير المجتمع المسلم من الانزلاق في الهاوية، ودعوته إلى التمسك بالعقيدة وترغيبه في الاعتزاز بدينه وتحذيره من التشبه بأهل الباطل في عباداتهم وعاداتهم أيما تحذير.
سبب اختياري لهذا البحث:
وقد دعاني إلى الكتابة في أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية ما يلي:1 أن الهوية هي أحد المقومات التي تبنى عليها الأمم فشعب بلا هوية لا قيمة له في الوجود ومن هنا كان ولابد من تحصين الهوية والاعتناء بها وبخاصة في هذه الفترة التي تمر بها أمة الإسلام حيث اختلطت فيه المفاهيم وأصبح الكثير من المسلمين لا يعرف قيمة ما هو عليه من الإسلام، وهنا يبرز دور الفتوى إذ بها يحافظ المسلم على هويته الإسلامية في ظل تسلط العولمة المقيتة وبروز من يفتي لها بما يناسب أهداف وأغراض المناهضين لهذه الهوية.
2- أن الفتوى المبنية على أصول الشريعة في المجتمع المسلم وغير المسلم هي صمام أمان لأهل الإسلام من فتن الشبهات والشهوات، وسد منيع دون التأثر بالتيارات الضالة والمناهج المنحرفة والطرق المبتدعة، وخصوصاً في ظل هذه المتغيرات والتقنيات الحديثة التي قربت البعيد وأصبح فيها العالم كقرية واحدة وإن شئت فقل كأن العالم كله في غرفة واحدة ينهل من معين واحد بلا ضوابط يمكن من خلالها أن يحافظ المرء على عقيدته وسلوكياته وأخلاقه.
3- أن الفتوى على مر التاريخ الإسلامي كانت هي الرائدة وصاحبة الدور الكبير في الحفاظ على هوية المسلمين واعتزازهم بها ،يتمثل ذلك في تقديم الأجوبة الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم المعتبرين عند أهل السنة والجماعة بلا تفريط وإفراط ولا شطط ولا تهور كما سيتبين ذلك من خلال هذا البحث.
4 – أن أثر الفتوى في المحافظة على الهوية يكمن في بيان نصوص الشريعة للمستفتي وبخاصة إذا كان المستفتي يعيش في بلاد غير إسلامية حيث اختلطت عندهم الأمور والمفاهيم وأصبح الكثير ممن يعيشون في هذه البلدان لا يعرف عن الإسلام إلا النادر اليسر فتكون الفتوى لبعضهم الملاذ الآمن وطوق النجاة الذي يحفظ عليه هويته ويحميه من الانزلاق في أوحال الفكر العلماني وغيره من الأفكار المخالفة للإسلام.
5- ظهور بعض الآراء ممن يسمون أنفسهم* بالمثقفين حيث نجدهم يدعون إلى التجديد والتغيير حتى في الأحكام الشرعية التي وردت فيها نصوص قطعية، وقد يكون دافعه إلى ذلك اجتناب الانتقادات التي توجه إلى الإسلام من الكفار ، سواء من اليهود أو النصارى، أو يكون دافعه من وراء ذلك أغراض أخرى سيئة.وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد ومبحثين:
بينت في التمهيد تربص أعداء الإسلام بالهوية الإسلامية بين الماضي والحاضر وأن هدف أعداء الإسلام على مر العصور والأزمان هو إبعاد المسلمين عن هويتهم وأنهم بالفعل نجحوا إلى حد كبيرة في هذا الجانب.والمبحث الأول بعنوان: التعريف بالهوية الإسلامية وأهمية الحفاظ عليها وفيه ستة مطالب:المطلب الأول: تعريف الهوية.
المطلب الثاني: بيان حاجة المسلم إلى الهوية.
المطلب الثالث: مقومات الهوية الإسلامية.
المطلب الرابع: سمات وخصائص الهوية الإسلامية.
المطلب الخامس: التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية.
المطلب السادس: كيفية المحافظة على الهوية الإسلامية.
والمبحث الثاني بعنوان: أثر الفتوى في حماية الهوية الإسلامية، وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: العلاقة بين الفتوى وحفظ الهوية الإسلامية.
المطلب الثاني: أثر الفتوى في الحفاظ العقيدة .
المطلب الثالث: أثر الفتوى في الحفاظ على الأحوال الشخصية.
المطلب الرابع: أثر الفتوى في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمرأة.
المطلب الخامس: أثر الفتوى في المحافظة الهوية الإسلامية* في جانب العبادات.
المطلب السادس: أثر الفتوى في المحافظة على هوية الشباب المسلم.

وفي الختام أتقدم بالشكر إلى عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية فضيلة الدكتور / مزيد بن إبراهيم المزيد وزملائه في اللجنة التنظيمية واللجنة العلمية على دعوتي للمشاركة في مؤتمر (الفتوى واستشراف المستقبل)، سائلاً الله تعالى أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه المرجوة، كما أسأله سبحانه أن يحفظ علينا ديننا، وأن يرزقنا الثبات عليه حتى الممات إنه سبحانه وتعالى القادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
**أ . د . عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
*الأستاذ بكلية التربية بالزلفي ـ جامعة المجمعة

*التمهيد:
التربص بالهوية الإسلامية بين الماضي والحاضر وأثر الفتوى في مواجهة ذلك:
اتخذ القرآن الكريم منهجا واضحا في تبصير المسلمين بالمؤامرات التي تحاك ضد هويتهم، وإعلام كل مسلم بأن الأعداء يستهدفون هويته التي تميزه عن غيره ، وتشكل مصدر اعتزازه، وهذا بلا شك امتداد طبيعي للصراع بين الحق والباطل، قال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(التوبة : 32).
وقد ذكر القرآن مصادر تهديد الهوية الإسلامية الخارجية والداخلية، فالمنافقون في عهد النبوة كانوا يشكلون تهديدا للهوية الإسلامية، ويعملون على طمسها، وكذا كفار قريش كانوا يشكلون تهديدا للهوية الإسلامية، فقد وصفوا أعظم مصادر الهوية الإسلامية بأنه إفك مفترى وأعانه عليه قوم آخرون، وأنه أساطير الأولين اكتتبها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أهل الكتاب كانوا يشكلون تهديدا للهوية الإسلامية، فقد استباحوا حرمة المؤمنين، وزعموا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل ووصفوا الوثنية بأنها الأهدى سبيلا.
ذكر الإطار الزماني لقضية تهديد الهوية الإسلامية.
بين القرآن الكريم أن الجهود لطمس الهوية الإسلامية قديمة قدم البشرية ذاتها ، وهي تتصل بقصة خلق البشر، والاعتراض على تكريم البشر في شخص أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام ، واثبت كذلك أن هذه الجهود ستظل متصلة، ولن تنقطع حتى تصل إلى غايتها.*
أما في العصر الحاضر فالجهود التي تبذل اليوم لتذويب الهوية الإسلامية لا تختلف عن الجهود السابقة في المغزى ، وإن كان هناك اختلاف فهو في الوسائل ؛ فإن الجهود الحالية تسخر آلة الإعلام ، ووسائل الاتصال الحديثة ، وكل ما وصلت إليه التقنية في سعيها لطمس الهوية الإسلامية.
وتهم أعداء الإسلام لا تختلف كثيرا عن التهم السابقة فإنهم يتهمون الإسلام بأنه انتشر بالسيف والبطش، فهو دين يقوم على الإرهاب والإكراه، ويتهمونه بالعجز عن تقبل المدنية والتحضر،وعدم الصلاحية لكل زمان ومكان،ويتهمونه بظلم المرأة في الميراث وتعدد الزوجات، وانتهاك حقوقها المتعلقة بحريتها الشخصية، وغير ذلك من التهم التي تلصق بالدين الإسلامي.
وبناء الهوية الإسلامية مسئولية كل فرد من أبناء هذه الأمة وعلى رأسها المؤسسات التي أسستها الدولة وعلى رأسها دار الإفتاء* فالأمّة في حاجةٍ إلى الفتوى لإقامتها على منهج الله تعالى، وإذا لم يكن بُدٌّ من الأطبّاء في المجتمع لطب الأبدان ليقضوا على المرض وأسبابه أو مداواته لتخف وطأته على المريض ولا يمكن لغير الأطباء أن يحلّوا محل الأطباء في مراجعة كتب الطب لمعالجة أنفسهم أو غيرهم، فمن باب أولى ألاّ يطبب الناس في عباداتهم ومعاملاتهم ومناكحاتهم وكافّة أحوالهم الشرعيَّة إلا أهل الفتوى، فكما أن الإنسان إذا تُرك من غير علاج فإن المرض يؤذيه أو يهلكه فكذا إذا تُرك من غير إفتاء ولا توجيه في شؤون عباداته ومعاملاته وأنكحته وغيرها فإنه يضلّ ويهلك، فكان لا بدّ للمجتمع من الفتوى وأهلها لإقامة دين الله في المجتمع الإسلامي حماية للعقيدة وإيضاحًا للشريعة وحفظاً لهوية المسلمين وليس لأحد مزاحمة أهل الفتوى المتخصصين فذلك جناية على الأمة والمجتمع ومزلق خطير يقع فيه بعض من يسيئون لأنفسهم ودينهم وبلادهم وأمتهم.

*المبحث الأول:
التعريف بالهوية الإسلامية وأهمية الحفاظ عليها وأثر الفتوى في ذلك:
مدخل: إن مجال الإفتاء في عصرنا الراهن يشهد حالة من الاضطراب والفوضى، فكم نسمع من فتاوى في تحريف مبادئ الدين وتضليل الأفراد، ولاسيما الفتاوى التي ألقت بظلالها على الهوية الإسلامية* وكان لها دور في وجود أجيال لا تعرف معنى الإسلام الذي تدين إلى الله تعالى به مما كان له دور سلبي على واقع دول العالم الإسلامي، وعلى صورة الإسلام والمسلمين في الدول الأخرى التي ساهمت بعض الفتاوى في تشويهها وفي تنفير غير المسلمين من الإسلام، وخلق صور نمطية مفادها أن الإسلام ليس هناك فرق بينه وبين هذه الديانات الأخرى التي يمثل أصحابها الأكثر وجوداً في جميع دول العالم.
ولاشك أن هذه القضايا وغيرها، لها ارتباط وثيق بحالة الفوضى التي يشهدها مجال الإفتاء في كثير من بلاد المسلمين، فتغيرت المفاهيم والأصول والمبادئ، في عصر العولمة الذي اجتاح مجتمعاتنا بوسائله المتعددة، كتقنيات الاتصال وشبكة المعلومات العالمية ، التي جلبت معها “فتاوى الكترونية عابرة للقارات”، مما أدى إلى خروج الفتوى عن الضوابط والحدود التي سطرها العلماء ورسموها لها لتؤدي دورها الفاعل.
ولقد مثلت الفتوى في تاريخ الإسلام دورا كبيرا في الحفاظ على الهوية الإسلامية وفي تقديم الأجوبة الشرعية على الأسئلة التي تستجد في حياة الناس، ولا سيما الأسئلة الكبرى التي تثيرها حوادث الزمان وتعاقبه والمكان بأبعاده وخصوصياته.

وقبل الشروع في بيان دور الفتوى في الحفاظ على الهوية الإسلامية نقف وقفة نتعرف من خلالها على معنى الهوية وحاجة المسلم إليها ومقوماتها وسماتها وخصائصها والتحديات التي تواجهها وكيفية المحافظة عليها من خلال هذه المطالب الستة، وهي:

المطلب الأول: تعريف الهوية.
المطلب الثاني: بيان حاجة المسلم إلى الهوية.
المطلب الثالث: مقومات الهوية الإسلامية.
المطلب الرابع: سمات وخصائص الهوية الإسلامية.
المطلب الخامس:* التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية.
المطلب السادس : كيفية المحافظة على الهوية الإسلامية.

المطلب الأول: تعريف الهوية:
أولاً : الهوية في اللغة : من هَوَى: أي أحب. والهوى بالقصر هو: العشق يكون في الخير والشر. والهوى: المهوي، واستهوته الشياطين: أي ذهبت بهواه وعقله وحيرته:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}(إبراهيم: 37)، أي: تميل وتحن إليهم..
والهوية: بفتح الهاء هي البئر البعيدة المهواة، والموضع الذي يهوي ويسقط من وقف عليه، والمرأة التي لا تزال تهوى.
جاء في المعجم الوسيط أن الهوية: “حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره. وهي أيضا بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله وتسمى البطاقة الشخصية أيضا”([2]).
ثانياً : الهوية اصطلاحًا: بالنسبة للفرد هي العقيدة التي ينطلق منها والقيم العالية المطلقة التي يؤمن بها ويتمثل ذلك في أهدافه وأخلاقياته وسلوكياته الحياتية.
أما الهوية بالنسبة للأمة فهي ما تتميز به عن غيرها من الأمم كدينها ولغتها وقوميتها وتراثها([3]).
ثالثاً: مفهوم الهوية الإسلامية:
في المجتمعات الإسلامية يعد الدين الإسلامي الهوية الأساسية والرسمية لها، فهو الانتمــاء
الحقيقي والرمز ومحور حياة المجتمع، من خلاله يتفاعل أفراد المجتمع، وحينما يضعف التمسك بالدين والالتزام به في نفوس الأفراد يظل هو الهوية المفقودة التي نبحث عنها، وذلك بحكم أننا مسلمون أولاً وأخيراً، ولأنه ليس من الممكن أن نختار غير الإسلام هوية ونظل مع ذلك مسلمين، فنحن حينما ابتغينا الإسلام ديناً، فقد ارتضيناه هوية.
وهوية المسلم تتمثل في حفاظه على دينه، واعتزازه به وتمسكه بتعاليمه والتزامه بمنهجه في
صغير الأمور وكبيرها، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ}(آل عمران: 19)، والدين في المنظور الإسلامي هو النظام أو المنهج الذي يحكم جميع جوانب الحياة
وعليه فالهوية الإسلامية هي كل ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى، وقوام هويتهم هو الإسلام بعقيدته وشريعته وآدابه وتاريخه وحضارته المشتركة بين كل شعوبه على اختلاف قومياتها([4]).

المطلب الثاني: بيان حاجة المسلم إلى الهوية:
لابد للإنسان من هوية تميزه عن غيره، بل ينبغي أن يكون للمجتمع والأمة هوية مستقلة تتميز بها عن غيرها، وإلا تشابهت الأمم كالأسماك في الماء.
وإن من أعظم ما يلزم معرفته لدى من يتصدر للإفتاء أن يدرك مدى خطورة الإعراض عن الهوية الإسلامية وأن حاجتنا إلى هويتنا الإسلامية ضرورية وبخاصة في هذه الفترة التي تمر بها أمتنا الإسلامية حيث اختلطت الأمور والمفاهيم عند الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية.
وتكمن حاجتنا إلى هويتنا فيما يلي:
1- لأنها الثابت الوحيد الذي يواجه المتغيرات التي نعيش فيها.
2- حاجتنا إلى الهوية الإسلامية* لأنها مصدر أساسي في الحفاظ على العقيدة، والقيم الثابتة في الإسلام والأخلاق، وهي أمور ربانية أمرنا الله بتطبيقها في جميع أمور حياتنا.
3- حاجتنا إلى الهوية الإسلامية لأنها تساعد على تقوية البناء النفسي عن طريق تعليق الإحساس بالله، وجعل حب الله ورسوله وطاعتهما أحب إلينا من كل ما في الكون وبما فيه من مغريات.

المطلب الثالث: مقومات الهوية الإسلامية:
مقومات الهوية الإسلاميـة هي العناصر التي تجتمع عليها الأمة بمختلف أقطارها من وحدة
عقيدة، ووحدة تاريخ، ووحدة اللغة، والموقع الجغرافي المتميز المتماسك، وأعظمها بلا شك هي
العقيدة التي يمكن أن تذوب فيها بقية العناصر.
وهويتنا الإسلامية تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة تجمع تحت لوائها جميع المنتمين إليها فيحيون لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم وتحريرهم من عبودية غيره. وفي القرآن مدح وتعظيم لهذه الهوية، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }(فصلت: 33).
ولقد رسم القرآن مفهوم الهوية عند المسلمين، فجعل العقيدة هي معيار الولاء والبراء والحب والبغض، وهي المنظار الذي يرى المؤمن من خلاله القيم والأفكار والمبادئ ويحكم على الأشخاص وينزلهم منازلهم([5]).
وإن من أهم ما يلزم العلماء وطلاب العلم ومن يتصدر للإفتاء وهو يرى هذا الكم الهائل من الانحراف العقدي والأخلاقي والسلوكي* أن يتعرف على أبرز مقومات الهوية الإسلامية، ومن أهم هذه المقومات ما يلي:
1ـ الاعتزاز العام بالهوية الإسلامية وبهذا الدين الذي يحمله معتنقوه والمجاهرة به ونشره في الآفاق.
2ـ صناعة المنظمات والمؤسسات المعنية بالمحافظة على الهوية الإسلامية والدفاع عنها ، وتصحيح الصورة النمطية المسيئة في أذهان الكثير من الكفار سواء في الشرق أو في الغرب عن نظرتهم للإسلام وتجلية صورة الإسلام بصفته السمحة النقية الخالدة.
3ـ إبراز شهادات الغرب والشرق المنصفة والمحايدة التي تدلل على عظمة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان واستيعابه لجميع الأمور الدنيوية.
4ـ مجادلة ومناقشة المتشككين بدينهم والرد عليهم، وإبراز مصادر الخلل في التلقي والاستدلال عندهم وهؤلاء أصبحوا يتكاثرون يوماً بعد يوم ولهم انتشار ظاهر خصوصاً في وسائل الإعلام العربية والإسلامية.

المطلب الرابع: سمات وخصائص الهوية الإسلامية.
لا يخفى ما تميزت به هويتنا الإسلامية من سمات وخصائص جعلت أعداءها يحقدون عليها ويعملون بكل ما أُوتوا من قوة في إبعاد المسلمين عن هويتهم لكن من تمام فضل الله تعالى أنه *سخر لهذه الأمة من يحمي لها هويتها وذلك من خلال أهل العلم المعتبرين الذين لم يألوا جهداً في بيان هذه الخصائص والسمات من خلال فتاويهم ودروسهم وخطبهم وغير ذلك .
ولما كان معرفة خصائص وسمات الهوية الإسلامية هاماً لدى الداعية والمفتى فسأذكر بعض الجوانب الخاصة بسمات وخصائص الهوية الإسلامية ليكون الجميع على بصيرة منها** فمن أعظم خصائص وسمات الهوية الإسلامية ما يلي:
1 ـ العقيدة: فينضوي تحتها كل مسلم أيًّا كان مكانه أو شكله أو لغته؛ فلأهل الإسلام مميزاتهم الخاصة بهم، والتي تجعلهم كلهم تحت مسمى واحد ومعتقد واحد هو سماكم المسلمين من قبل. {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:92).
2 ـ أنها لازمة لكل مسلم: لا يجوز لمسلم الخروج عنها، فهي فرض لازم.
3 ـ أنها متميزة عمَّا عداها: وهذا التميز هو الذي يعطي كل قوم مقومات بقائهم، ويحفظ عليهم ثقافتهم وأفكارهم وتصوراتهم، فلا يذوبون في غيرهم ولذا شمل هذا التميز كل جوانب الحياة بداية من العقيدة* ونهاية بالشكل الظاهر في الملبس والهيئة.
4 ـ أنها تستوعب حياة المسلم كلها وكل مظاهر شخصيته: فهي تامة الموضوع محددة المعالم تحدد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفه ووظيفته وغايته في الحياة: قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِــكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام:162، 163).
5 ـ أنها مصدر العزة والكرامة: قال تعالى في معرض توبيخه للمنافقين {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}(النساء:139). وقال عمر رضي الله عنه: “إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله”([6]).
6 ـ أنها تربط بين أبنائها برباط وثيق: فتجعل الولاء بين أتباعها والمحبة بين أصحابها وتربط بينهم برباط الأخوة والمحبة والنصرة والموالاة، فهم جسد واحد قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات:10)،{فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(آل عمران:103)،وقال أيضاً{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}(الحجرات:11)، وقال صلى الله عليه وسلم:” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى “([7]). ” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ”([8])([9]).

المطلب الخامس: التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية:
إنَّ المتأمّلَ في واقعنا المعاصر وما آلت إليه الهوية الإسلامية. فإنه يُصاب بالذّهول وهو يرَى هذا الانحراف في العقيدة والسلوك والآداب والأخلاق وغير ذلك مما تقوم عليه هوية الأمم والشعوب.
ومن نظر بعين البصر والبصيرة إلى أهم* الأسباب والعوامل التي تسعَى إلى تقويض هويتنا وزعزَعة أركان أمتنا يجد أن أخطرَ تلك الأسباب ما يلي :
1 ـ التقصير في جوانب العقيدة وتطبيق الشريعة .
2 ـ عدم الرجوع إلى المتخصصين في مجال الفتوى مؤسسات وأفراد.
3 ـ البث الفضائي المرئي والمسموع وظهور شبكة الإنترنت : بما فيها من السلبيات والإيجابيات مما جعل مصادر التلقي في مجال الفكر والتربية متعددة ومتنوعة ولم تعد محصورة في المدرسة والمسجد والأسرة ، إضافة إلى تسويق الانحرافات السلوكية والأخلاقية.
وإذا تمعنَّا في* هذه الأسباب نجد أن من أعظم التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية ما يلي:
1- الغزو الفكري العقائدي والاقتصادي والثقافي والأخلاقي بشتَّى أنواع الغزو الإعلامي والدعائي.
2- التقليد لغير المسلمين في جميع شؤون الحياة في العقيدة والسلوك في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك مما يكون خاصاً بالهوية الإسلامية .
3- ضعف عناية الناس وتمسكهم بفقه السلف الصالح ومنهجهم وإعجابهم بتقاليد أخرى.
4- إعجاب الشباب بالنماذج التي لا تخدم أمَّتنا بل تفسد عقيدة وأخلاق الأمة المسلمة، وما تقوم به من فساد أخلاقي بل عقائدي.
5 ـ تغلغل المبادئ المنحرفة والمذاهب الساقطة وبعض الأفكار المتطرفة.
6- الهيمنة الإعلامية، فقد أصبحت وسائل الإعلام من أكبر الوسائل في طمس الهوية الإسلامية.
7 – إثارة الشبهات حول الهوية الإسلامية من خلال التشكيك فيها ومحاولة طمس حقيقتها.
8 – الترويج لقوى عولمة الثقافة والتركيز على نشر الثقافة الغربية وجعلها الأسلوب الثقافي السائد بنشر مبادئه وقيمه من أجل النيل من خصوصية ثقافتنا العربية الإسلامية وتدمير هويتها.
9 – الترويج للقيم والثقافات والسلوكيات التي ذوبت خصوصيتنا الثقافية وهويتنا.
وهنا يرد سؤال : كيف يمكن أن نهيئ الجيل والنشء القادم ونؤكد هويته في عالم اليوم.
إن الواجب على الدعاة والمفتين أن يربطوا الناس بالواقع الذي يعيشون فيه وأن يبينوا للأمة ما يحاك بها ولهويتها وأن يبينوا للناس هذه التحديات التي تواجه الأمة وبصفة خاصة هويتها التي هي عنوان البقاء لها.

المطلب السادس : كيفية المحافظة على الهوية الإسلامية:
إن مما يجب أن يهتم به كل فرد من أبناء أمتنا الإسلامية المحافظة على هويته الإسلامية وأن يدعو غيره إلى المحافظة على هويته لأنها تعد طوق النجاة من الفتن بعد توفيق الله تعالى وهي وقاية من السقوط الحضاري، وصيانة للذات، وتعزيز للقدرات التي يمكن التصدّيّ بها لضغوط
التحدّيات مهما تكن.
ولا يكون ذلك إلا بتوعية شبابنا وتحصين أفكارهم وتوعيتهم التوعية الصالحة وتبصيرهم بالحق وتحذيرهم من الباطل وطرقه وأن نشخص الداء الذي وقعوا فيه ونأتي بالدواء الشرعي ليجتث ذلك الداء الخبيث وذلك الفكر السيئ المنحرف الذي لا يعتمد على دليل ولا خير وإنما هي الأهواء المضلة والطاعة العمياء لأعداء الأمة.
إن الحفاظ على هويتنا أمر في غاية الضرورة فلابد لجميع شرائح المجتمع أن تهتم به ،وأخص بالذكر من هذه الشرائح من يتعرضون للفتوى فإن لهم السبق في الحفاظ على هوية الأمة.
ومن أبرز الأساليب للحفاظ على الهوية الإسلامية الذي ينبغي للمفتي أن يراعيها حال إفتاءه ما يلي :
1 ـ تعميق الإيمان بالله تعالى فإنَ له أثراً كبيراً في تحصين القلب ضدَّ الأفكار الهدَّامة.
2ـ التعلُّق باللَّه ـ عزَّ وجل ـ والاستعانة والاستعاذة به، وسؤاله الهداية والثبات والممات على دين الإسلام من غير تبديل ولا تغيير.
3ـ الثِّقة بمنهج الله ووعده وحكمه وأوامره، واليقين به ومراقبته، والشعور بالمسؤوليَّة عن حفظ الدين من شبهات المغرضين، وعدم خلطه بالباطل.
4ـ تلقِّي العلم عن العلماء الربَّانيين، وإرجاع المسائل المشكلة إليهم ليحلُّوها ويوضِّحوا ما أبهم على صاحبها، فلا يستعجل في قبول فكرةٍ أطلقها من لا يؤمن فكره، ولا يبقي تلك الشُّبهة في صدره حتَّى تعظم، بل ينبغي عليه أن يضبط نفسه بالرجوع للراسخين من أهل العلم.
4ـ البناء الذاتي بمعرفة مصادر التَّلقي، ومناهج الاستدلال الصحيحة، وملء القلب بنور الوحي من الكتاب والسنَّة، مع ملازمة إجماع أهل السنَّة والجماعة.
5ـ التعلَّق بكتاب الله قراءة وفقهاً وتدبراً وعملاً.
6ـ أن تقوم وسائل الإعلام بواجباتها في الحفاظ على الهوية ودعمها، فضلاً عن عدم استيراد البرامج التي تهدم الهوية دون نظر أو تحميص، كما أن على الدول والعلماء وقادة الرأي ورجال الأعمال الضغط على وسائل الإعلام الخاصة كل بما يستطيع لمراعاة هوية الأمة وقيمها.
7ـ إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المعنيَّة برصد الانحرافات الفكريَّة، والتعقيب عليها بتفنيد الشُّبه، والجواب عن الشكوك والإثارات التي تخرج من بعض المارقين من قيم الإسلام ومبادئه.

المبحث الثاني: أثر الفتوى في حماية الهوية الإسلامية:
المطلب الأول: العلاقة بين الفتوى وحفظ الهوية الإسلامية:
إن العلاقة بين الهوية والفتوى علاقة تلاحم وتلازم، فمتى كانت الفتوى لها أصولها الراسخة وقواعدها المتينة كان لها أثر ولا شك في محافظة *الناس على هويتهم وتمسكهم بدينهم.
فالفتوى المبنية على أصول الشريعة في المجتمع المسلم وغير المسلم هي صمام أمان لأهل الإسلام من فتن الشبهات والشهوات، وسد منيع دون التأثر بالتيارات الضالة والمناهج المنحرفة والطرق المبتدعة، وهي أيضاً تُكوِّن الشخصية المسلمة كما أرادها الإسلام، متكاملة متزنة، ترتكز على الصلة الدائمة بالله تعالى، تعبده وحده دون سواه، وتصرف له سبحانه جميع أنواع العبادة، ولا تشرك معه أحداً، قال تعالى:{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(الكهف: 110).
ومن العلاقة ـ أيضاً ـ بين الفتوى والهوية أن الفتوى من أعظم الوسائل التي تحافظ على هوية المسلم وبخاصة في جانب التعامل مع غير المسلمين* فالعلاقة بين المسلم وغيره يجب أن تكون مضبوطة بالضوابط التي حددها الشرع، وخاصة في هذا الزمان الذي التبست فيه الأمور وكثر الجهل بالدين واختلط الحابل بالنابل وأصبح المسلمون لا يتميزون عن غيرهم في مظهرهم العام أو مخبرهم الخاص.
ثم إن العلاقة بين الفتوى والمحافظة على الهوية لا يكمن في بيان نصوص الشريعة للمستفتي وبخاصة إذا كان المستفتي يعيش في بلاد غير إسلامية بل تراعي الفتوى إيجاد بعض الحلول المناسبة التي تتناسب مع روح الشريعة مع الأخذ بالقواعد العلمية الشرعية والانضباط بحدود المباح والمشروع، حتى لا تواجه بعد ذلك الفتوى بنوازلَ فقهية وانحرافاتٍ تطبيقية، ثم يتهافت الناس على دور الفتوى بحثاً عن مخارج فقهية لنوازل غريبة عن عقيدتنا ومنهجنا وشريعتنا.

المطلب الثاني: أثر الفتوى في الحفاظ على الهوية في جانب العقيدة:
أولاً : العلاقة بين الهوية والعقيدة:
تقوم الهوية الإسـلامية على أسس أربعة هي (العقيدة ـ التاريخ ـ اللغة ـ الأرض) ومتى
تكونت هذه العناصر الأربعة في الأمَّة المسلمة عبَّرت بمجموعها عن الهوية الإسلامية.
وإن أهم مقومات وأركان الهوية هي العقيدة وهويتنا الإسلامية تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة تجمع تحت لوائها جميع المنتمين إليها فيحيون لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم وتحريرهم من عبودية غيره([10]).
ولقد اعتبرت الشريعة الإسلامية العقيدة أهم المقاصد التي جاءت لحمايتها، والمحافظة عليها، وإن أكبر خطر يواجه المسلمين، وخصوصا الذين هاجروا إلى الغرب، هو انصهار العقيدة الإسلامية في العقائد الأخرى، بحيث يختلط على المسلم تمييز ما هو من الإسلام مما هو دخيل عليه من العقائد الأخرى، كالاحتفال بأعياد المجوس أو أعياد النصارى، واليونان القدماء، وغيرهم، أو الاعتقادات الشركية والوثنية.
ثانياً : أثر الفتوى في المحافظة على العقيدة:
إن قضايا ومسائل المعتقد من أهم المسائل التي يجب على من تصدر للإفتاء أن يراعيها عندما يتعرض للإفتاء بخصوصها ؛ لأن أثرها ينسحب إلى علاقة الإنسان مع ربه وإيمانه بعدد من القضايا الخطيرة، وكل كلمة تخرج من فم المفتي، بل كل حكم يصدره مفتٍ؛ يصبح منهجًا ينتهجه المقلدون، وسلوكًا يسلكه السائرون، ليس تقديسًا لهذا المفتي أو ذاك فهو في نظرهم غير معصوم وإنما للعلم الذي يحمله؛ ولما جبل عليه عامة المسلمين من توقير العلماء وتقدير أقوالهم، وطاعةً لأمر الحكيم الخبير في قوله المبين:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43).
فهؤلاء العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين بسببهم يهتدي الناس للحق والنور؛ إذا ادلهمت الخطوب، وتنازعتهم الأهواء، وتفرقت بهم السبل، فما أعظم أمانتهم، وما أخطر تأثيرهم!.
وتتضح أهمية الفتوى في هذا الجانب العظيم أي جانب العقيدة الذي هو أعظم جوانب الهوية الإسلامية فيما يلي:
1 ـ أن حماية جناب التوحيد وصحة المعتقد من أولى الواجبات، بل هو أهم الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها، والضروريات كما عرفها الإمام الشاطبي رحمه الله هي: “ما لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين”([11]).
وهذه الضروريات خمس، هي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب.
فحفظ الدين من أهم مقاصد الشريعة، فلا يمكن أن تترك الشريعة هذا المقصد عرضة للضياع أو التحريف، ففي ضياعه ضياع للمقاصد الأخرى، وخراب لنظام الحياة بأسرها.
وعن دور «الفتوى والمفتين» في حماية المعتقد الذي هو من أهم ما يلزم المسلم المحافظة عليه في هويته نقول : قد جاء الأمر في كتاب الله بالدعوة إلى هذا الدين وبيان حقيقته، وأعظم قضية تناولها القرآن وجاهد من أجلها أنبياء الله ورسله وعلى رأسهم* محمداً صلى الله عليه وسلم قضية (التوحيد): قال تعالى عن دعوة رسله إلى التوحيد: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل : 56) وقال تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: 108).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة، وبالنسخ أخرى، وهذا الدين لا ينسخ أبدًا، لكن يكون فيه من يدخل من التحريف، والتبديل، والكذب، والكتمان ما يلبس به الحق من بالباطل، ولابد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفًا عن الرسل، فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فيحق الله الحق، ويبطل الباطل ولو كره المشركون”([12]).
ويقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في سياق بيانه لوجوب الذب عن حياض الحق بالفتوى الصحيحة والكلمة المقنعة: “ويزداد الأمر شدة حينما يكون مع صاحب الهوى: حق يلبس به بدعته وهكذا! حتى إذا طفحت الكأس: هب من شاء الله من حملة الشريعة ينزعون من أنوارها بذنوب وافرة، يطفئون بها جذوة الهوى والبدعة، فهم مثل العافية في الناس لدينهم وأبدانهم، بما يقيمونه من حجج الله وبيناته القاهرة، فتهب بذلك ريح الإيمان، وتقوم سوق الانتصار للكتاب والسنة”([13]).
ومن نظر إلى تأثير الفتوى في مثل المسائل الإيمانية والعقدية المهمة يجد ذلك جلياً من خلال هذه الفتاوى . ومن تلك الفتاوى التي كان لها أثر في المحافظة على الهوية الإسلامية وبخاصة في حماية العقيدة الصحيحة في نفوس وعقول المكلفين ما يلي:
ا ـ فتوى إمام دار الهجرة مالك بن أنس؛ رحمه الله، حينما* سئل عن مسألة عقدية تتعلق بصفات الله تعالى، كما نقل ذلك الإمام الذهبي رحمه الله بسنده إلى جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه: 5) كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: “الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج”([14]).
فهذه فتوى عظيمة الشأن كثيرة النفع شافية كافية في المسألة ذاتها، إلا أن أثرها تعدى خصوص المسألة لتكون منهجًا علميًّا ينسحب على هذه المسألة ومثيلاتها من مسائل الصفات أو الأمور الغيبية التي يعجز العقل عن إدراكها.
ب ـ ومن ذلك أيضاً فتوى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، حينما ظهرت بدعة خلق القرآن وهي من البذور الأولى لبدعة الجهمية في تقديم المعقولات على الوحي، وامتحن الناس بها، وفتحت السجون من أجلها، فتصدى الإمام أحمد لهذه الفتنة التي كادت أن تفسد على الناس دينهم لولا أن ثبته الله لبيان الحق.
ج ـ ومن ذلك أيضاً فتاوى الشيخ العالم الفقيه صاحب الفتاوى المشهورة أبو العباس تقي الدين شيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، فقد برز هذا العالم المجتهد في أمور كثيرة، من أهمها وأظهرها: جهاده العظيم في الذب عن حياض المعتقد الصحيح؛ وحمله لواء البيان عن الله ورسوله؛ فقد كرس حياته ووظف علمه في بيان الحق ومناظرة أهل الأهواء والبدع، ولقد تميزت حياة ابن تيمية بهذه الميزة العظيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، فلم يكن العالم القابع في بيته، المتفرغ للإفتاء والتدريس والتأليف؛ وإنما كان رحمه الله رابطًا العلم بالعمل؛ فعلمه يدفعه إلى تحمل مسئوليته فيبادر إلى القيام بالحق والجهاد في سبيل الله وردع أهل الباطل([15]).
والمتأمل لحياته رحمه الله يجد أنه عني كثيرًا بإرسال الفتاوى المحققة والمؤصلة المبنية على القواعد المنهجية والشرعية لمن يسأله ويراسله مستفتيًا وطالبًا للحق، فرسائله العلمية المشهورة المسماة بالعقيدة الحموية أو التدمرية أو الواسطية؛ إنما هي في أصلها فتاوى عقدية صدرت منه رحمه الله بناءً على أسئلة وردت إليه من أهل حماة أو تدمر أو واسط تتعلق بمسائل عقدية عظيمة.
2 ـ* ومن آثار الفتوى في جانب العقيدة أن حفظ الدين يحصل بالأمر بالتوحيد والإيمان وإظهار أحكام الشريعة، ومنع الارتداد عن الدين والسخرية منه، والذب عنه بكشف شبهات أهل الزيغ والضلال والأهواء والبدع. واستحضارًا لهذا الأصل العظيم، فإن المفتين يردون فروعًا كثيرة لا تحصى، تجتمع كلها على حفظ هذا المقصد.
فإذا دخل على بعض المكلفين إشكال في فهم كـ(حرية المعتقد أو الرأي) بحسب مبلغ فهمه من قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}(البقرة: 256) وفهم أن حرية الدين مطلقة، بحيث يسوغ للمكلف أن ينحل من أي دين أو معتقد متى ما شاء! فإنه يفتى ويبين له من خلال الرد لهذا المقصد المحكم (حفظ الدين)، وبيان ذلك: أن الشريعة كفلت لأهل الأديان الأخرى؛ إذا كانوا تحت ولاية المسلمين (أهل ذمة) حرية البقاء على ما هم عليه، أو اتباع الإسلام، وهذا الحق مشروط بشروط ذكرها الفقهاء في كتبهم، ومنها: أن لا تؤدي هذه الحرية للإخلال بحفظ الدين، فيمنع الإلحاد، وتسد جميع الوسائل المفضية إليه، وكذلك منع الإباحية ووسائلها، ونشر الخرافة والضلالات.
وكذلك فإن في منع المسلم من الانتقال من الإسلام للكفر حفظاً لهذا الدين من الانتقاص من قدره وتهوين شأنه في نفوس أهله وغيرهم.
وبذلك يرد كل ما أشكل فهمه في هذه المسألة إلى هذه المحكمات، فتكون الفتوى حينئذ من وسائل حماية المعتقد وبيان الشريعة.
3 ـ* ومن آثار الفتوى في جانب العقيدة أنها تكون الحصن الحصين بعد الله تعالى في الرد على أعداء الله من اليهود والنصارى والوثنين الذين يحاربون عقيدة المسلمين بالتشكيك فيها، ووسائل التنصير، والهجوم المباشر عليها ورمي أصحابها بأنواع من تهم التطرف والإرهاب مستعينين في ذلك بتيار المستغربين اللذين استخدموا كلَّ وسيلة تمكنوا منها لنفث سمومهم بأساليب متنوعة .
وهي أيضاً يعني (الفتوى) الحصن الحصين بعد الله تعالى لما تدعو إليه منظمات حقوق الإنسان العالمية المسلمين إلى تغيير موقفهم من حرية الاعتقاد من خلال إلغاء حد الردة، الذي هو أحد الحدود الإسلامية، بحجة أن حرية الاعتقاد مكفولة لأي إنسان، دون منعه من الانتقال من دين إلى آخر.
وإنه وللأسف مع وجود هذه الأمور الخطيرة على العقيدة والسلوك يوجد من لا يقوم في فتاويه بالتركيز على العقيدة، زاعماً بأنها أمور مسلمة في بلاد المسلمين، مما أدى إلى وقوع الانحراف وتنوعه وهم عنه غافلون أو متغافلون([16]).
ثالثاً : ضوابط للمفتي حينما يفتي في جانب العقيدة:
1- ضبط الفتوى، وذلك بردها إلى أصول محكمة هي محل إجماع بين أهل العلم، فلا يستطيع المفتي تجاوز هذه الحدود؛ وإلا كانت فتواه بعيدةً عن الصواب بقدر ابتعاده عن هذه الحدود.
2- تقليل دائرة الاضطراب في الفتوى قدر الإمكان، ومرد ذلك إلى توحيد جهة الرد ، فإذا استحضرت هذه المقاصد الضرورية عند تحرير الفتوى، وراعاها المفتي حق رعايتها، فإن كثيرًا من المسائل المتعلقة بالاعتقاد والقضايا الكلية التي تهم مجموع الأمة ستكون محل اتفاق؛ أو على الأقل فإن دائرة الخلاف ستكون ضيقة إلى حد كبير، مما سيؤدي إلى جمع الأمة على رأي واحد قدر الإمكان في القضايا والمسائل الكلية لاسيما المتعلقة بباب الاعتقاد.
3- من آثار هذا الحفظ على المكلفين منع الفساد في الأرض، وإبراز المنهج الرباني الذي
يقدم التصور الصحيح لقضايا الدين والدنيا؛ ومنه: تحريم الشرك والأهواء المضلة لمعارضتها لأصل التوحيد، وكذلك تحريم الاعتداء على النفوس، والأعراض ماديًّا أو معنويًّا، وتحريم ومنع كل الوسائل المفضية إلى الانحلال الخلقي والإباحية، واستحلال المحرمات، وتحريم كل ما يضر بالعقل من أفكار ضالة وأهواء منحرفة وخرافات ساقطة([17]).
رابعاً: صور المخالفة للهوية الإسلامية في جانب العقيدة التي ينبغي للمفتي أن يحذر المستفتي منها:
1 ـ موالاة الكفار بأي نوع من أنواع الموالاة وهناك صور شائعة لأنواع من موالاة الكفار ومنها :
– التعلق بهم ومحبتهم، خاصة مع كثرة الاختلاط بهم في بلادهم، أو في بلاد المسلمين في العمل ونحوه .
– السفر إلى بلادهم لغير حاجة أو ضرورة ، وربما البقاء في بلادهم أزمنة طويلة.
– التعلق ببعض الكفار لغرضٍ معين كلاعب كرة أو ممثل ونحوه .
– الثناء على الكفار وتلميع أحوالهم ونظمهم وقوانينهم بما يؤدي إلى احتقار المسلمين وشريعتهم .
2 ـ التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم،وشمل هذا البلاء الرجال والنساء والفتيان والفتيات، والأطفال، كما أنه تعدى إلى أمور كثيرة من حياة الناس في ألبستهم وأزيائهم ومساكنهم وكلامهم وسلامهم، وأعيادهم وحفلاتهم
3 ـ تهنئة ومشاركة الكفار بأعيادهم كعيد الكريسمس وأعياد رأس السنة الميلادية.
4 ـ الذهاب لكنائس النصارى للمشاركة في أعيادهم.
5 ـ الاحتفال بأعياد الميلاد.
6 ـ التهنئة بشعائر الكفر المختصة.
والواجب على المفتي أن يحذر المستفتي من الوقوع في مثل هذه الأمور وأن يبتعد عنها وأن
يحقق عقيدة الولاء والبراء، وأن يعتز بدينه وعقيدته الصحيحة.

المطلب الثالث: أثر الفتوى في الحفاظ على الأحوال الشخصية:
أولاً: المسلم القويم لا يبني شخصيته على الانبهار بما في أيدي غيره لأنه يعلم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: فهو لا يعطي الدنية في دينه ولا يرضى بغير درر الإيمان وسلسبيل اليقين وعزة التوكل على مولاه وجميل الإنابة إليه بديلاً.قال تعالى:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}( آل عمران : 139) .
والإنسان المسلم متميز بهذه الشخصية الملتزمة التي وضحها رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله:”مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الأُمَـمِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَبْيَضِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الأَسْوَدِ”([18]).
فالمسلم إنسان متميز بعقيدة لا تتزعزع ورسوخ في الأخلاق لا يتهاوى مع مباهج الحياة المادية الخداعة والهدامة، ورباطة جأش لا تلين أمام رياح الشهوات ومنهج قويم لا تحركه أمواج الملذات الجارفة.
وإن مما يؤسف له* أن نجد كثيرا ممن يسمون أنفسهم* بالمثقفين ممن تخلى عن هويته الإسلامية نجدهم يدعون إلى التجديد والتغيير حتى في الأحكام الشرعية التي وردت فيها نصوص قطعية، وتناسى أنه “لا اجتهاد مع نص” وقد يكون دافعه إلى ذلك اجتناب* الانتقادات التي توجه إلى الإسلام من الكفار ، سواء من اليهود أو النصارى، أو من غيرهم فهو يريد أن يدافع عن الإسلام- في ظنه- ولكنه يحارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويكون عوناً لأعداء الإسلام.
ثانياً: دور الفتوى في الرد على بعض الشبهات التي تثار حول الأحوال الشخصية:
من أهم القضايا التي يتناولها هؤلاء النفر ممن يسمون أنفسهم بالمثقفين في الأحوال الشخصية ما يلي:
1- تعدد الزوجات:
تعدد الزوجات من المسائل التي أكثر أعداء الدين الخوض فيها زعماً منهم أن في التعدد انتهاكاً لحقوق المرأة وهدراً لكرامتها، وهم خلال ذلك يستشهدون ببعض ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه لدعم ما يذهبون إليه، فيحملون هذه الأدلة على غير محملها، ويفسرونها تفسيرات شاذة، حرصاً منهم على دفن كل فضيلة ونشر كل رذيلة في المجتمع المسلم.
ومما يؤسف له أن هؤلاء الأعداء وجدوا من المسلمين من يستجيب لآرائهم، ويؤمن بمعتقداتهم وأفكارهم.
ومن التهم التي يثيرونها إباحة الإسلام لنظام تعدد الزوجات بلا ضوابط، ويتخذ هؤلاء الأعداء من هذا التعدد ذريعة للطعن في الإسلام وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتهمون الإسلام بأنه أهدر مكانة المرأة، ونال من آدميتها، وحط من إنسانيتها.
وهذا الاتهام قد يستهوي بعض العقول القاصرة، بل ربما يتأثر به بعض من ينتسبون إلى الإسلام، فيذهبون إلى ترويجها وإشاعتها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ونسي أو تناسى هؤلاء أن الإسلام لم يكن أول من شرع نظام تعدد الزوجات، وإنما كان موجودًا في الأمم القديمة كلها تقريبًا، عند الصينيين والهنود والبابليين والآشوريين.
إن دور المفتي في المحافظة على هوية المسلم تجاه ما يثار حول قضية التعدد دور مهم جداً وذلك من خلال ما يعرض عليه من الأسئلة حول هذا الموضوع ويكون ذلك بإبراز الجوانب الإيجابية حول تعدد الزوجات وبيان أن الطاعنين في التعدد إن كانوا من أبناء المسلمين فهم على خطر عظيم وأن الطعن في أصل قضية التعدد اتهام للإسلام لإجماع العلماء على ردة من أنكر شيئا من كتاب الله تعالى أو كرهه، فالذين ينكرون التعدد أو يرون فيه ظلما للمرأة أو إهدارا لحقوقها لا شك أنهم على خطر عظيم فليراجعوا حساباتهم وليتبينوا أمرهم.
ومما يجب على المفتي كذلك أن يبين للمستفتي أن الذي يتولى كبر الفتنة فيها أعداء الإسلام ممن دأبوا على وصف الإسلام بالرجعية والتخلف ووصف المسلمين بالتأخر والتخلف، فتراهم يتهمون المسلم بالظلم للمرأة حين يتزوج بأكثر من واحدة، وهم يبيحون لأنفسهم اتخاذ العشيقات والخليلات، بل نراهم يتجرءون على حامل الرسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف استحل لنفسه الزواج من تسع نساء ناسين أو متناسين أن الرسول صلى الله عليه وسلم*إنما ينفذ ما أمر الله به.
2- دعوى السماح للمسلمة بالزواج من أهل الكتاب:
مما يشيعه أعداء الإسلام القول بزواج المسلمة من غير المسلم حتى وجد من بين المسلمين من يأخذ بآراء أعداء الملة والدين فزوجوا بناتهم لغير المسلمين وروجوا لهذا الفكر المنحرف.
ولا شك أن غياب الحكم الشرعي عن المسلمين في هذا الجانب راجع إلى فقد الهوية الإسلامية عند هؤلاء النفر الذين ينتسبون للإسلام.
إن دور المفتي حينما يسأل عن مثل هذه القضية لابد أن يربط المستفتي بدينه وبرسالته وأن يبين للمستفتي خطر الانصياع إلى أصحاب هذا الفكر الخبيث وأن إجماع المسلمين انعقد على حرمة هذا الأمر وأن يبين خطورة الوقوع فيه قال تعالى:{وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} (سورة البقرة: آية 221) .وقال تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}(سورة الممتحنة: آية 10).
وعليه كذلك أن يبين للمستفتي الآثار المترتبة على مثل هذا النكاح فمتى عقد له عليها وجب الفسخ فوراً فإن علمت بذلك الزوجة وعرفت الحكم استحقت التعزير، وكذا يعزر الولي والشهود والمأذون إذا علموا ذلك، فإن ولد لهما أولاد تبعوا أمهم في الإسلام، فإن أسلم الزوج بعد العقد جدد له عقد النكاح .
وكذلك ينبغي للمفتي أن يبين للمستفتي الحكمة من منع زواج المسلمة من غير المسلم من أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فالزوج له قوامة على زوجته وهذا ممنوع في حق الكافر، قال تعالى: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء :141).
ثم أن المرأة قد تتأثر بزوجها إذا دعاها لدينه، وكذلك لا يؤمن على الأولاد أن يتابعوا أباهم على كفره، ولهذا منع هذا الزواج ابتداء. فهذا هو الواجب على المفتي تجاه هذا الأمر.
3- دعوى مساواة الأولاد الذكور والإناث في الميراث:
ومما يروج له أيضاً أعداء الإسلام دعوى مساواة الرجل بالمرأة في جانب الميراث زعماً منهم
أن الشريعة الإسلامية هضمت حقوق الأنثى في عدم مساواة المرأة بالرجل في الميراث.
وهنا يأتي دور المفتي تجاه هذه الشبهة حينما يسأل عن مثل هذه القضايا* التي تأثر بها بعض المسلمين وبخاصة من يقيم في بلاد غير إسلامية أن يبين للمستفتي خطورة هذه الدعوى أعني (دعوى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث) وأن القول بها خروج عن ملة الإسلام لأنها في الحقيقة طعن في التشريع الإلهي وكفر به ومخالفة لما أجمعت عليه الأمة وإنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة ثم يبن أن القول بعدم مساواة المرأة* للرجل في الميراث ليس مطلقا في جميع الحالات وإنما يجري في بعض الحالات لأسباب أساسية تتعلق بإقامة العدل نفسه بين الذكور والإناث وقد نص القرآن الكريم على ما يأتي:
أولاً : المساواة في الإرث بين الأم والأب من ولدهما فيما إذا كان لولدهما أولاد ذكور.
ثانيا : المساواة في الإرث بين الأخت والأخ لأم إذا لم يكن لأخيهما أصل من الذكور ولا فرع وارث وفي ذلك مساواة في الإرث بين الرجال والنساء.
غير أن هذا المبدأ قد يعدل عنه في حالات حددها القران وذلك كما في حالة وجود أولاد للمتوفى فتكون القاعدة عندئذ بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين والعلة في عدم المساواة في الإرث بين أولاد المتوفى وفي أمثالهم من الحالات المشابهة لها من حالات التعصيب هي مسئولية الإنفاق عندا الاقتضاء على من تبقى من أسرة المتوفى ونحو ذلك وهذه المسئولية تقع على عاتق الذكور دون الإناث ولذلك يرث الذكور عندئذ على أساس قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين وليس من العدل أن تعطى الأنثى مثل حصة الذكر وهو يتحمل الإنفاق والأنثى لا تتحمل منه شيئاً.
وكذلك في حالة الزوجية فالزوج يرث من زوجته ضعف ما ترثه هي منه وذلك لأن الزوج يكون مسئولا عن الاستمرار في الإنفاق على الأولاد بينما الزوجة غير مسئولة عن الإنفاق على الأولاد بل تكون نفقتها عند الاقتضاء قائمة على مسئولية الأولاد الذكور فيما ملكوه أو ورثوه من أبيهم، ويتضح من كل ذلك أنه ليس صحيحاً الزعم القائل بعدم مساواة المرأة للرجل في الميراث مطلقا وأن هذا المبدأ إذا لم يعمل به مباشرة أحيانا فذلك عملا بمبدأ العدالة والمساواة في حالات المسئوليـة في الإنفـاق الملقـاة على عاتـق الذكـور دون الإنـاث وفقـا للقاعـدة الشـرعية الغنم بالغرم، أو الغرم بالغنم أي أن الإنسـان إنما يعطي على حسـب
مسئوليته.

المطلب الرابع: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة:
أولاً : دور المرأة في حماية هوية المجتمع:
المرأة هي إحدى صمامات الأمان للمجتمع الإسلامي وهي عنصرٌ فعال في مسيرة الأمة الإسلامية لا يمكن إغفال دورها ومكانتها أو تجاهله فهي الأم وهي الأخت وهي الزوجة وهي الابنة وهي الخالة وهي العمة فهي تمثل نسبة كبيرة من المجتمع الإسلامي ولها دور فعال في إصلاح المجتمع أو إفساده، وقد ترسخ في عقول أعداء الإسلام ضرورة استغلال هذا العنصر الفعال في مجتمعاتنا فانطلقوا يتبارون في سبيل نخر الأساس وتشويه المفاهيم وبث الشبهات والسموم.
وقد حاول أعداء الإسلام تجريد المرأة المسلمة من أسلحتها الدفاعية ومنطلقات عزتها التي هي خير عون لها في سبيل الإصلاح .
فتارة نجد الأعداء يصولون ويجولون لأجل إخراج المرأة من قلعتها الحصينة التي أمرها الله عز وجل بلزومها فقال سبحانه {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}(الأحزاب: 33). وتارة يثيرون الشبهات حول حجابها وهم يريدون الخلوص إلى عفتها وطهرها.
وبالرغم من تمسك الموحدات بحجابهن وقيم الإسلام العظيمة فإن أعداء الإسلام لا يفتئون عن حربهن من خلال وسائل الإعلام والمجلات ودور التعليم وغيرها.
ومما يحزن له قلب الموحد وينشغل به لب العاقل تأثر بعض المنتسبين إلى الإسلام من رجال ونساء بتلك الشبهات التي يثيرها الأعداء وبتلك السموم التي يدسونها في معسول المقال . ولذلك لابد من المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة.
ثانياً: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة.
ذكرنا فيما سبق جملة من المخالفات التي أثرت سلباً على هوية المرأة المسلمة وهنا لابد من وجود الفتوى التي يكون لها أثر إيجابي على المرأة المسلمة لكي تحافظ على هويتها سواء كان في جانب الاعتقاد أو جانب العبادات أو جانب السلوك والأخلاق.
ولقد أثرت الفتوى في جانب محافظة المرأة المسلمة على هويتها وهذا أمر محسوس وملموس رغم هذه الحملة الشرسة والمنظمة تجاه هوية المرأة المسلمة فكم كان للفتوى أثر بالغ في عودة الكثير من المسلمات إلى أحضان هويتهن الإسلامية .وكم كان للفتوى أثر فعال في صيانة المرأة المسلمة لعقيدتها ولعفتها وطهارتها.
ومن آثار الفتوى على هوية المرأة المسلمة أنها تغرس فيها الاعتزاز بدينها والشعور بقوة الحق الذي تدين به، وهي أمام هذه التيارات الجارفة التي تعصف بالمجتمعات الغريبة لا تلين ولا تضعف ولا تذوب في أي بيئة تعيش فيها بل بهذه الفتاوى الرصينة المبنية على نصوص الوحيين نجد المرأة المسلمة بإيمانها القوي تدافع عن عقيدتها وتحارب التيارات الفكرية والانحلال الخلقي والفساد الاجتماعي.
ولم يكن أمر الفتوى مقصوراً على ما سبق بل لها دور فعال في تحذيرها من الفتاوى التي تضرها في عقيدتها وأخلاقها وسلوكياتها وذلك من خلال كشف عورات هؤلاء المفتين وتساهلهم في كثير من الفتاوى وتمييع الدين ومحاولة تقريبه من حياة الغرب بحجة فقه التيسير أو الفقه المرن أو فقه معرفة ومراعاة أحوال الناس كما هو مشاهد من هذه الفتاوى التي نقرأها أو نسمع عنها كفتاوى جواز كشف وجه المرأة وإباحة عمل المرأة في التمثيل وجواز زواج المسلمة من الكافر *وغير ذلك من الفتاوى التي تفتح أبواباً من الشر على حياة المجتمعات الإسلامية.
وبالجملة فإن أثر الفتوى في إصلاح هوية المرأة المسلمة أثر فعال لاسيما في هذه الفترة التي أصبحت الهوية منعدمة عند الكثير من نساء المسلمين.

المطلب الخامس: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية* في جانب العبادات:
أولاً: مفهوم العبادة في الإسلام:
مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع شامل ، ذكرها الله سبحانه وتعالى في معرض بيان وظيفة الإنسان في هذه الحياة، فحصر فيها حياته، وجعلها الغاية من خلقه، فقال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات آية : 56.)
ولهذا كانت حياة المسلم كلها – كما أرادها الله – عبادة خالصة له سبحانه في جميع جوانبها الخاصة والعامة ، والاعتقادية والعملية .
فالمسلم عبد لله في كل تحرك وسكون{ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ }( الأنعام آية : 163-164.).
ومن هنا عرف شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – العبادة بأنها : ” اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، *وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك من العبادة لله. وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له التي خلق الخلق لها كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات آية : 56) ([19]).
ثانياً: العبادة بين الماضي والحاضر:
عرف المسلمون الأولون حقيقة معنى العبادة، فكانوا عبادًا لله حقًا، وكان وصف العبودية جليًا في حياتهم وجميع أعمالهم، بل كانت عاداتهم عبادات. إذ كانوا لا يتحركون تحركًا ولا يسكنون سكونًا إلا ويستشعرون رضا الله عن ذلك التحرك والسكون، حتى أصبح هذا الشعور محور تحركهم، ومبعث سلوكهم، لا تشوبه شائبة، ولا يغفلون عنه لحظة .
ولما ضعف هذا المفهوم في نفوس من بعدهم، وخفت ذلك الشعور في تصرفاتهم، بعدوا عن حقيقة العبادة تدريجيًّا حسب بعدهم عن ذلك المحور، وانقلبت كثير من عباداتهم إلى عادات.
ولقد كان هذا التحول والبعد متنوعًا فيهم ، ومتفاوتًا بينهم فهناك من المسلمين من انحصر مفهوم العبادة عندهم في جانب من جوانب الحياة، ففصلوا بين علاقة الإنسان بربه وبين علاقته مع نفسه ومع غيره. وحصروا معنى العبادة في علاقتهم مع الله فخرجوا بذلك عن الجادة.
وهناك من المسلمين من انفصل شعورهم عن سلوكهم في أداء هذه الشعائر التعبدية، فخضعوا لله بجوارحهم، ولم يخضعوا له بمشاعرهم وقلوبهم، بل تصور كثير منهم تعبده لله نقمة عليه، وقيدًا لسعادته وحريته في هذه الحياة، فتراه لا يخضع عن طواعية ورضا، أو يخضع لله فيما خضع له مجتمعه، أو اعتاد الخضوع فيه من بيئته، وهو لا يجد لهذا الخضوع معنى، ولا يحس له في نفسه أثرًا مما شوه صورة العبادة في نفوس الأجيال، وأدى إلى تركها والاستكبار عنها فخرج الناس عن وظيفتهم الحقيقية في هذه الحياة، وخبطوا خبط عشواء. مما أجهد الدعاة والوعاظ، وأوقعهم في الحيرة من أمرهم، لا يعرفون لهذا التحول الكبير سرًا، ولا يجدون منه مخرجًا.
ثالثاً: العلاقة بين العبادة والهوية:
الإسلام هو المكون الأول من مكونات الهوية، وبعده مرتكز الولاء والبراء ، فهو دثار الهوية الإسلامية وشعارها، وجعل القرآن الكريم لهذا العنصر سمات تصون الأمة عما آلت إليه الأمم الأخرى، التي وحدها الدين في ظل هوية واحدة؛ ولكنها ما لبثت أن اختلفت، فالدين كل لا يتجزأ، فهو يعني أن تكون الصلاة والنسك والمحيا والممات لله رب العالمين، وأن من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه .
*وقد جعل الإسلام شعائر الدين الحسية والغيبية والأصلية والفرعية من مرتكزات الهوية الإسلامية التي تميز الفرد والمجتمع، وهي من عوامل التميز من حيث المصدر والزمان والمكان والترتيب والحكمة والثواب، فهي تختلف عن الشرائع السماوية المحرفة وعن ما ابتدعته المذاهب الفكرية الأرضية،وبناء على ذلك فإن المسلم هو من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، ورضي بالله ربا،* وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا.
رابعاً: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية في جانب العبادات:
الإسلام هو دين الأمّة، وهو عقيدة وعبادة وأحكام وآداب، فالإيمان ليس بالتمنّي ولا بالتحلّي ولكن ما وقر بالقلب وصدّقته الجوارح، والتزام الأمّة المسلمة بهدي الكتاب والسنّة يجعلها في انسجام مع دينها ومحافظة على هويَّتها .
وقد كانت حياة المسلمين وشخصيَّة الأمّة المسلمة بارزةً في عقيدتها وعباداتها وفي حياتهــا
الاجتماعيَّة، وفي نشاطها الاقتصاديّ، وفي الحكم والتقاضي وجميع تشريعاتها .
والفتوى من وراء ذلك تسدّده وتؤيّده، فمتى كانت الفتوى على وفق النهج الصحيح ملتزمة
بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم*جارية على سنن الاستنباط السليم على طريقة السلف الصالح كان لها الأثر الإيجابيّ في محافظة المجتمع الإسلاميّ على هويَّته ، ولا زال العلماء الربّانيّون الملتزمون بالنهج القويم يدركون ذلك من خلال فتاويهم وهم بذلك يسدّدون مسيرة الأمّة ويصحّحون ما عسى أن يقع فيها من انحرافات تبعاً لمنهج النبيّ صلى الله عليه وسلم*والخلفاء الراشدين وسائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد حذّر الفقهاء من التساهل في الفتوى على غير سنن الشرع، وحذّروا من المفتي الماجن الذي يفتي بهواه، وما ذلك إلا لضرر ذلك وخطره على الفرد والأمّة، وكم في الأمّة اليوم ممن يسعى بفتواه إلى إخراج الأمّة من تميّزها والتزامها بدينها عَلِم ذلك أم لم يعلمه، كحال أصحاب فتاوى الإرجاء في الإيمان ممن يقولون : إن العمل ليس من الإيمان ، بل يكفي فيه مجرّد التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط ولو مع التمكّن من العمل، والأعمال عندهم شرط كمال فيه فقط وليست منه وكحال الذين يهوّنون مسائل الحكم بغير ما أنزل الله أو يسوّغون تعلّم السحر والرجوع إلى السحرة بحجّة حلّ السحر بسحرٍ مثله ضرورةً، ومن يبرّرون للمجتمعات الإسلاميَّة الاختلاط والسفور، ومعارضة آيات المواريث بتسوية المرأة بالرجل في الميراث مما جعل الله لها فيه النصف من نصيب الرجل، ومنع تعدّد الزوجات، وإباحة الخنزير بحجّة أن المحرّم كانت خنازير سيئة التغذية، وكفتاوى تحليل الربا بحجّة الضرورة، وكلّ ذلك إفكٌ من القول وزورٌ.
فهذه الفتاوى وأشباهها التي يقوم المفتون فيها بالدور السلبيّ بمخالفة الكتاب والسنّة وسلب الأمّة من هويَّتها الإسلاميَّة، وإخراجها من وسطيَّتها التي أراد الله لها ([20]).
فللفتوى الملتزمة بهدي الكتاب والسنّة أثرها الإيجابيّ في محافظة الأمّة على هويَّتها الإسلاميَّة فعلى المفتي أن يربط المستفتي بالأدلة الواردة في القرآن والسنة، وإعطاءه التوجيهات التي من شأنها أن تصلح من عبادته وسلوكه ومظهره، وتوضيحه للمستفتي شمولية الإسلام، وأنه ليس مقصوراً فقط في الصلاة والصوم، بل إن الإسلام يجب أن يحكم في كل صغيرة وكبيرة. فدين الإسلام دين جماعي، نظام حياة وحكم وتشريع، وعقيدة وأخلاق، ودولة، وأمة واحدة، وأن المسلم لا يمكن أن يكون آخذاً للإسلام من جميع جوانبه إلا إذا فهم هذا الفهم السليم. فإذا فهمنا هذا الفهم السليم للإسلام، فإنه سيملي علينا مسئوليات وواجبات يجب أن نقوم بتأديتها امتثالاً لأمر الله حتى يقوم المجتمع على القواعد الصحيحة للإسلام في جميع النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

المطلب السادس: أثر الفتوى في المحافظة على هوية الشباب المسلم:
أولاً: دور الشباب في حفظ الهوية الإسلامية:
دور الشباب في حفظ الهوية عظيم، فهم في كل زمان ومكان عماد أُمة الإسلام وسر نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملو لوائها ورايتها، وقادة مسيرتها إلى المجد والنصر.
والإسلام لم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولم يمتدَّ على الأرض سلطانه، ولم تنتشر في العالمين دعوته إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تربَّت في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم*وتخرَّجت في جامعته الشاملة.

فالشباب في أي أمة من الأمم، هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة والحيوية إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمة من الأمم غالبا إلا على أكتاف شبابها الواعي وحماسته المتجددة .
ولقد استمر الشباب المسلم في عطاء الخير المتجدد في الحروب الصليبية في الشام والأندلس وغيرها من المواقف التي يتصادم فيها الحق بالباطل، فغاظت تلك الحماسة أعداء الإسلام، حيث سعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاههم، إما بفصلهم عن دينهم أو إيجاد هوة سحيقة بينهم وبين أولي العلم، والرأي الصائب في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفرة منهم، أو وصفهم بصفات ونعوت غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعاتهم، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم .
إن دور الشباب المسلم الذي يسير وفق تعاليم الإسلام،دور عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه
المجتمع والمحافظة على سلامته وأمنه، وهذا الدور لا ينكره إلا أعداء الإسلام، الذين يدركون مكانة الإسلام، وسموه في استجلاب من يرغب، منصفا في طريق العدالة، والأخلاق الكريمة والاستقامة والتوازن في البيئة، والأمن والاستقرار في المجتمع. ولا يُمكن للشباب أن يقوموا بدورهم، ويَنهضوا بمسؤوليَّاتهم، ويؤدُّوا رسالتهم إلاَّ بالمحافظة على هويتهم ولذا لابد من التركيز على جانب الهوية لدى الشباب المسلم.
ثانياً : الآثار السلبية للتيارات المعادية للشباب المسلم:
تترك التيارات المعادية عن طريق قنواتها المختلفة (المسموعة ـ والمقروءة ـ والمرئية) آثارًا سلبية في قيم الشباب وممارساتهم، وهي تتخذ في ذلك أشكالاً ومشارب شتى ومختلفة ولكنها في النهاية تستهدف الإساءة لتفكير الشباب ووحدتهم وقيمهم وتراث أمتهم.
لقد حاولت هذه التيارات تكريس وشيوع شعور الانبهار بالغرب بين الشباب من خلال تقديم صور مشرقة وبأساليب مشوقة ومتنوعة عن النظام الغربي وأساليب الحياة وأنماط المعيشة في مجتمعاته وصيغ ومجالات العمل في مؤسساته المختلفة، ولهذا الانبهار آثاره السلبية في المجتمع المسلم، إذ تنجم عنه مظاهر اجتماعية معوقة للتغير الاجتماعي والثقافي المخطط، ذلك أنه يؤدي بالمجتمع المنبهر إلى أن يصبح في ثقافته وأسلوب تفكيره وسلوكه أسيرًا للمجتمع الآخر حيث تضمر قابليته على الإبداع ويميل إلى الاستكانة والخنوع وتتردى مكانته وتنخفض قيمته بين المجتمعات.
إن هذه التيارات تظهر في أوضح صورها من خلال تأثيراتها السلبية في قيم شبابنا وممارساتهم* وشخصياتهم.
إن الهدف الأول للتيارات المعادية هو حمل الشباب على التخلي عن هويته الإسلامية التي يتميز بها، والتأثير سلباً في أخلاقه ومثله ومبادئه ومعتقداته، وهي تقوده إلى القيم الضارة والهجينة والدخيلة كالكذب والنفاق والنميمة والتزوير والتعصب والتحيز والطائفية والتبرج والتعالي والغرور وغير ذلك من القيم السلبية التي تصدع شخصيات الشباب وتقتل طموحاتهم وتسيء إلى تكيفهم واستقرارهم في المجتمع وتعرضهم إلى جملة مشكلات اجتماعية وحضارية ليس من السهولة بمكان مواجهتها والتصدي لسلبياتها وتناقضاتها .
فالتخلي عن القيم الإيجابية كالصدق والأمانة والعفة والنزاهة والشجاعة والثقة العالية بالنفس والتعاون والصراحة والعدالة وغيرها هو الطريق إلى طمس الهوية الإسلامية.
ومما لا شك فيه أن هذه التيارات عندما تؤثر في قيم الشباب ومبادئهم ومعتقداتهم فإنها حتمًا ستؤثر في سلوكهم تأثيرًا سلبيًا ومن أبسط هذه الرموز التي اكتسبها الشباب هي موديلات الملابس وإطلاق شعر الرأس ومظاهر الطعام وأساليب الكلام المصطنعة. وكثير من المظاهر التي تبدو غريبة للكبار وغير متفقة مع قيمهم الإسلامية. وهكذا نرى أن شبابنا قد تأثروا بهذه التيارات بحيث أخذوا يجمعون بين التيارين الإسلامي والغربي.
ثالثاً: أثر الفتوى في المحافظة على هوية الشباب المسلم:
من خلال هذا العرض الذي ذكرناه آنفاً حول هذا التأثير السلبي المعادي لهوية الشباب المسلم لا بد أن يكون للفتوى أثر في حماية هوية الشباب المسلم وإلا كانت النتيجة هي وجود شباب لا يعرف من الإسلام إلا اسمه فقط وهذا أمر مشاهد بلا ريب وبخاصة في الجاليات المسلمة التي توجد في الدول غير الإسلامية.فالكثير ممن يعيشون بين ظهراني الكفار لا يتميزون عن غيرهم في شيءٍ* اللهم إلا اسم الديانة فقط.
ولذلك لا بد للفتوى أن تتناول معتقدات أهل الإسلام وأخلاقهم وسلوكياتهم ولا بد لها أيضاً أن تتناول جانب الهوية وتمييز الهوية الإسلامية عن غيرها وتحذير المستفتي من الانجرار وراء دعوى الانسلاخ من الدين ودعوى ذوبان المجتمعات المسلمة في مجتمعات الكفر التي لا تعرف رباً تعبده وليس لها قيم أخلاقية تحصنها من الوقوع في الرذائل والمنكرات.
ومن آثار الفتوى على هوية الشباب المسلم، أنها تدعوه إلى التصور الصحيح للإسلام وتبين له الأخطار التي تحيط به متى ما تجرد عن هويته وتحذره من الانزلاق في الهاوية وتدعوه إلى معرفة الله، وتعظيمه، وتعظيم أمره ونهيه، والتمسك بالعقيدة والحرص على كتاب الله والسير على هدى النبي صلى الله عليه وسلم*اللذين هما من أهم ما يحفظ للأمة هويتها وخصوصيتها، ونخوفه بالله واليوم الآخر، وأن الغاية التي من أجْلها خلق الله الإنسان، هي العبادة المُطلقة لله تعالى، والتي من معانيها إخلاص النيَّة لله في القول والعمل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء والبراء لله ورسوله، واتِّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، ظاهرًا وباطنًا، في الأمر والنهي، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.
ومن آثار الفتوى أيضاً على هوية الشـباب المسلم أنها ترغبه في الاعتزاز بدينه وأن يرفع به
رأسه أينما كان لا تأخذه في الله لومة لائم فلا يجوز للمسلم أن ينظر إلى أهل الضلال نظرة احترام وإكبار وإعظام وتحذر هؤلاء الشباب من مشاركة أهل الباطل في أعيادهم ومناسباتهم التي يقيمونها ويحتفلون بها وكذلك تحذره من التشبه بهم في عباداتهم وعاداتهم التي هي من خصائصهم أيما تحذير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخاتمة
بعد الانتهاء من هذا البحث في الفتوى وأهميتها في المحافظة على الهوية الإسلامية أُلخص أبرز نتائجه في النقاط التالية :
1- ضرورة تبصير المسلمين بالمؤامرات التي تحاك ضد هويتهم ، وإعلام المسلم بأن الأعداء يستهدفون هويته التي هي مصدر اعتزازه وتميزه عن غيره.
2 – ضرورة* الحفاظ على الهوية الإسلامية في زمن الاضطراب الذي يشهده العالم اليوم، وصيانتها من الجهود المبذولة لطمسها وتغييرها، وذلك من خلال الفتاوى التي تتناول أسس الاعتصام بالهوية.
3 – الهوية الإسلامية هي كل ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى، وقوام هويتهم هو الإسلام بعقيدته وشريعته وآدابه وتاريخه وحضارته المشتركة بين كل شعوبه على اختلاف قومياتها.
4- على المفتي الالتزام في فتواه بمنهج أهل السنة والجماعة وأن يحذر تمييع الفتوى وبخاصة في جانب العقيدة التي لا يمكن المساومة عليها وأن يحافظ من خلال فتاويه على وسطيَّة الأمّة في دينها وهويَّة مجتمعها المسلم والتزامهم بأحكام الشرع وأن يدرك مدى خطورة الإعراض عن الهوية الإسلامية وأن حاجتنا إلى هويتنا الإسلامية ضرورية وبخاصة في هذه الفترة التي تمر بها أمتنا الإسلامية حيث اختلطت الأمور والمفاهيم عند الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية.
5 – أن خصائص وسمات الهوية الإسلامية هام لدى الداعية والمفتى وأهم هذه السمات والخصائص العقيدة التي ينضوي تحتها كل مسلم أيًّا كان مكانه أو شكله أو لغته؛ وأن هذه الهوية لازمة لكل مسلم: لا يجوز لمسلم الخروج عنها فهي التي تميزه عمَّا عداها وتحفظ عليه ثقافته وكل مظاهر شخصيته بل هي مصدر العزة والكرامة له.
6 – أن قضايا ومسائل المعتقد من أهم المسائل التي يجب على من تصدر للإفتاء أن يراعيها عندما يتعرض للإفتاء بخصوصها؛ لأن أثرها ينسحب إلى علاقة الإنسان مع ربه وإيمانه به وأن كل كلمة تخرج من فم المفتي، بل كل حكم يصدره مفتٍ؛ يصبح منهجًا ينتهجه المقلدون، وسلوكًا يسلكه السائرون.
7 – على المفتي أن يعمل على تقوية الإيمان عند المدعو، وأن يربط المستفتي* بالأدلة الواردة في القرآن والسنة، وإعطاءه التوجيهات التي من شأنها أن تصلح من عبادة المستفتي وسلوكه ومظهره، وتوضيحه للمستفتي شمولية الإسلام، وأنه ليس مقصوراً فقط في الصلاة والصوم، بل إن الإسلام يجب أن يحكم في كل صغيرة وكبيرة.
8 أن من أعظم آثار الفتوى على هوية المرأة المسلمة أنها تغرس فيها الاعتزاز بدينها والشعور بقوة الحق التي تدين به، لا سيما إذا كانت هذه الفتاوى مبنية على نصوص الوحيين.
9- للفتوى أثرها القوي في المحافظة على هوية الشباب المسلم، فهي تبين له الأخطار التي تحيط به إذا ما تنكر لهويته وانحرف عنها وتحذيره من الانزلاق في الهاوية وتدعوه إلى التمسك بالعقيدة وترغبه في الاعتزاز بدينه وتحذيره من التشبه بأهل الباطل في عباداتهم وعاداتهم التي هي من خصائصهم أيما تحذير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس المراجع
1 – الجامع الصحيح: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256هـ) الناشر : دار الشعب – القاهرة
2 – المعجم الوسيط : النشر : دار الدعوة تحقيق : مجمع اللغة العربية.
3 – الردود، للشيخ د. بكر أبو زيد، ط: دار العاصمة الطبعة الأولى 1414هـ.
4 – الموافقات، للإمام الشاطبي، تحقيق : مشهور بن حسن بن سلمان، الناشر: دار ابن عفان، ط: الأولى، 1417هـ.
5 – دَعْوة أهل السُّنة والجمَاعة على طريق إحياء الأمَّة ـ عبد المجيد بن يوسف الشاذلي الطبعة الإلكترونية الأولى . أبريل 2007.
6 – سير أعلام النبلاء المؤلف : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي.مؤسسة الرسالة
7 – صحيح مسلم : أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري الناشر : دار الجيل بيروت، ودار الأفاق الجديدة ـ بيروت
8 صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، لأحمد بن حمدان الحنبلي، ط: المكتب الإسلامي، دمشق.
9 – لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور، ط: دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت.
10 – مباحث في أحكام الفتوى عامر: سعيد الزيباري . دار ابن حزم ـ بيروت
11 مجلـة البحوث الإسلاميـة الأعـداد (الثـاني، والثـامن عشر، والثمانـون، والثامن والثمانون).
12 – مجلة البيان الأعداد (الرابع والخمسون، ومائة وثلاثة، ومائة وثمانية وعشرون).
13 – مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بالكويت، العدد الخمسون.
14 – مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد السابع عشر.
15 – مجلة جامعة الملك سعود، المجلد السادس عشر.
16 مجموع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، مطابع الرياض، ط: الأولى، 1405هـ.
17 – معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس. ت: عبد السلام هارون، ط: دار الجيل، بيروت، ط: الأولى، 1411هـ.
18 – موقف ابن تيمية من الأشاعرة . د. عبد الرحمن المحمود، مكتبة الرشد، الرياض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس الموضوعات

المقدمة:
الهدف من البحث:
سبب اختياري لهذا البحث:

تمهيد: التربص بالهوية الإسلامية بين الماضي والحاضر وأثر الفتوى في مواجهة ذلك:

المبحث الأول: التعريف بالهوية الإسلامية وأهمية الحفاظ عليها:

المطلب الأول: تعريف الهوية:

أولاً: الهوية في اللغة:

ثانياً: الهوية اصطلاحًا:

ثالثاً: مفهوم الهوية الإسلامية:

المطلب الثاني: بيان حاجة المسلم إلى الهوية:

المطلب الثالث: مقومات الهوية الإسلامية:

المطلب الرابع: سمات وخصائص الهوية الإسلامية:

المطلب الخامس: التحديات التي تواجه الهوية الإسلامية:

المطلب السادس: كيفية المحافظة على الهوية الإسلامية:

المبحث الثاني: أثر الفتوى في حماية الهوية الإسلامية، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: العلاقة بين الفتوى وحفظ الهوية الإسلامية:

المطلب الثاني: أثر الفتوى في الحفاظ على الهوية في جانب العقيدة:

أولاً: العلاقة بين الهوية والعقيدة:

ثانياً : أثر الفتوى في المحافظة على العقيدة:

ثالثاً: ضوابط للمفتي حينما يفتي في جانب العقيدة:

رابعاً: صور المخالفة للهوية الإسلامية في جانب العقيدة التي ينبغي للمفتي أن يحذر المستفتي منها:

المطلب الثالث: أثر الفتوى في الحفاظ على الأحوال الشخصية:

أولاً: المسلم القويم لا يبني شخصيته على الانبهار بما في أيدي غيره:

ثانياً: دور الفتوى في الرد على بعض الشبهات التي تثار حول الأحوال الشخصية:

1- تعدد الزوجات.

2- دعوى السماح للمسلمة بالزواج من أهل الكتاب.

3- دعوى مساواة الأولاد الذكور والإناث في الميراث.

المطلب الرابع: أثر الفتوى في حماية الهوية الإسلامية للمرأة المسلمة:

أولاً: دور المرأة في حماية هوية المجتمع:

ثانياً: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة:

المطلب الخامس: أثر الفتوى في المحافظة الهوية الإسلامية* في جانب العبادات:

أولاً: مفهوم العبادة في الإسلام.

ثانياً: العبادة بين الماضي والحاضر.

ثالثاً: العلاقة بين العبادة والهوية.

رابعاً: أثر الفتوى في المحافظة على الهوية في جانب العبادات.

المطلب السادس: أثر الفتوى في المحافظة على هوية الشباب المسلم:

أولاً: دور الشباب في حفظ الهوية الإسلامية.

ثانياً: الآثار السلبية للتيارات المعادية للشباب المسلم.

ثالثاً: أثر الفتوى في المحافظة على هوية الشباب المسلم.

خاتمة البحث:

فهرس المراجع:

فهرس الموضوعات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

([1]) انظر : هوية الأمة الإسلامية ـ محمد محمد بدري ـ* مجلة البيان العدد (54).
*([2])المعجم الوسيط (2/998).
*([3])انظر : كتاب دَعْوة أهل السُّنة والجمَاعة على طريق إحياء الأمَّة ـ عبد المجيد بن يوسف الشاذلي ـ ص (27).
*([4])انظر : د. سليمان العقيل، بعض مؤشرات الحفاظ على الهوية، مجلة جامعة الملك سعود، المجلد 16، ص243).
*([5])انظر : هويتنا الإسلامية بين التحديات والانطلاق . مجلة البيان العدد مائة وثمان وعشرون.
*([6])أخرجه الحاكم في مستدركه (1/62) كتاب الإيمان . وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه .
*([7])رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (6011)؛ ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (2586) (66).
*([8])رواه البخاري في المظالم/ باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ (2442) ومسلم في الأدب/ باب تحريم الظلم (2580) عن ابن عمر رضي الله عنهما
*([9])هويتُنا أو الهاوية: محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم ص (9). ، وانظر مقال: قضية الهوية .. صراع الهويات وحقيقته بقلم : د . محمد يحيى مجلة البيان ع (103)ص (94).
*([10])انظر : هويتُنا أو الهاوية: محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم ص (6).
*([11])الموافقات ص (2/8).
*([12])مجموع الفتاوى (11/435).
*([13])كتاب الردود ص (15 ـ 16).
*([14])سير أعلام النبلاء (9/100).
*([15])انظر: كتاب موقف شيخ الإسلام بن تيمية من الأشاعرة، د .عبد الرحمن المحمود* (1/159).
*([16])انظر مبحث “الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية” للدكتور : فهد بن سعد الجهني ، مجلة البحوث الإسلامية ع (80) ذو القعدة إلى صفر لسنة 1427هـ 1428هـ.
*([17]) المرجع السابق، وانظر أيضاً أثر الفتوى في تأكيد وسطية الأمة لمعالي الشيخ : عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين
مجلة البحوث الإسلامية (الجزء رقم : 88، الصفحة رقم: 226)
([18]) رواه البخاري كتاب الرقاق ـ باب كيف الحشر (6163) ، ومسلم في الإيمان باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة رقم (221).
*([19])مجموع الفتاوى (10/149).
([20]) انظر : مجلة البحوث الإسلامية (ع/ 18، ص/ 258)