الحوثيون غدر وخيانة – خطبة الجمعة: 11- 10- 1440هـ جامع العذل بالزلفي
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: الغدرُ والخيانةُ أمرانِ مذمومانِ في الإسلامِ، وتنكرهما الفطرةُ السويّةُ، وهاتانِ الصفتانِ تجمعانِ كلَّ معاني الذمِّ والسوءِ.
فهما نقضٌ لكلِّ ميثاقٍ أو عقدِ سواءٌ كانَ بين اللهِ تعالى وخَلْقِه، أو بينَ النَّاسِ بعضِهم مع بعضٍ، وهما من سماتِ المنافقينَ. قال عليه الصلاةُ والسلامُ: (آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذَا حدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعْدَ أَخْلَفَ، وإذا أُؤتُمِنَ خَانَ)(متفق عليه).
وقد ذمَّ اللهُ جلَّ وعلا كلَّ مَنْ اتْصفَ بصفةِ الغدرِ والخيانةِ في كتابِه الكريمِ، وعلى لسانِ رسولِه صلى اللهُ عليه وسلم. جاءَ في حقِّ من اتَّصفَ بصفةِ الخيانةِ قولُه تَعالى: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ][الأنفال: ]. وقال تعالى: {وأَنَّ اللهَ لا يَهْدي كَيْدَ الخَائِنِينَ}[يوسف: ].
وجاءَ في صفةِ الغَدرِ الحديثُ القدسيُّ فيما يرويه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ عن ربِّهِ تَبَاركَ وتَعالى: قال اللهُ تعالى: (ثلاثةٌ أنَا خصمُهم يومَ القيامةِ: وَذَكرَ منهم: رجلٌ أَعطَى بي ثُمَّ غَدرَ)(رواه البخاري).
وأشدُّ النَّاسِ فضيحةً يومَ القيامةِ هُم الغَدَّارون، قال صلى اللهُ عليه وسلم: (لُكلِّ غَادرٍ لواءٌ يومَ القيامةِ، يُقالُ هذهِ غدرةُ فلانٍ)(متفق عليه).
عبادَ اللهِ: والغَدرُ والخِيانةُ صفةٌ خسيسةٌ من صفاتِ الحُوثيينَ، نشروا سُمومَهم وعقيدتَهم الباَطلةَ في مواقعَ عديدةٍ. وهم من أخطرِ الأعداءِ على المسلمين، ولا سيَّما بلادَ التوحيدِ، قلعةِ الإيمانِ – بلادِ الحرمينِ الشريفينِ – المملكةِ العربيةِ السعوديةِ -.
ولقد تحمَّلت بلادُنا الأذَى منهم، وصبرتْ عليهم ولكنَّهم يتمادونَ في عداوتِهم ويزيدُ شَرُّهم وكيدُهم، ولا أدلَّ على ذلك من تلكَ الصواريخِ التي يطلقُونها، والتي من آخرِها إطلاقُ المقذوفِ الذي سَقَطَ في صالةِ القدومِ بمطارِ أبهَا الدولي، واستهدفَ مدنيينَ من جنسياتٍ مختلفةٍ، وهذه المقذُوفاتِ تستهدفُ الآمنينَ الأبرياءَ، وفيها الاعتداءُ على النساءِ والأطفالِ، وفيها انتهاكٌ للمواثيقِ الدوليةِ والقوانينِ التي تُجرِّمُ مثلَ هذه الاعتداءاتِ، وهمْ لا يُراعونَ الحُرماتِ، ولا يكترثونَ بما يَترتَّبُ على هذهِ الجرائِم، ويجدونَ الدَّعمَ التَّامَ من نظامِ الملالي في إيران التي تُزودهم بالصواريخِ وغيرِهَا من الأسلحةِ المتقدمةِ.
عبادَ اللهِ: الحُوثيُّونَ ليس في عقيدتِهم أصولٌ تمنعُهم من المحرماتِ من استهدافِ المدنيينَ وقتلِ الأبرياءِ والاعتداءِ على المنشآتِ والمجمعاتِ السكانيةِ.
وصدقَ اللهُ العظيم: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون* الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُون* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون* وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِين}[الأنفال:58].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين، أما بعد:
فاتقوا اللهّ عبادَ اللهِ: واعلموا أنَّ الأعداءَ يحرصونَ كلَّ الحرصِ على التشويشِ على بلادِنا، وخلخلةِ صفِّنَا، ولكنْ هيهاتَ لهم، ولذا لابدَّ من الاسهامِ الفاعلِ في التوعيةِ وتعريةِ أصحابِ المذاهبِ الضَّالةِ والأفكارِ المنحرفةِ، أمثالِ جَماعةِ الحُوثِّي.
وهذهِ التوعيةُ مسؤوليةُ الآباءِ والأمهاتِ مع أبنائِهم وبناتِهم، ومهمةُ المعلمينَ والمعلماتِ مع الطلابِ والطالباتِ، ومهمةُ العلماءِ والدعاةِ والخطباءِ والإعلاميِّين كلٌّ حَسْبَ جهدهِ وطاقتِه.
عبادَ اللهِ: وإنَّ منْ أعظمِ الجهودِ التي نُقدِّمها لمدافعةِ شرِّ هَؤلاءِ الماكرينَ هو اجتماعُ الكلمةِ، وتوحيدُ الصَّفِ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ..}[آل عمران: 103]. ويقولُ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: (عليكم بالجماعةِ فإنَّها حبلُ اللهِ الذي أمرَ بهِ، وأنَّ ما تكرهونَ في الجماعةِ والطاعةِ خيرٌ مما تُحبونَ في الفرقةِ).
لقد شَرعَ اللهُ الاجتماعَ في معظمِ الطَّاعاتِ والعباداتِ، وهو عُنوانُ صلاحِ النَّاسِ واستقامَتِهم، ألا ترونَ اجتماعَكم في صلاةِ الجمعةِ، وسائرِ الصلواتِ المكتوبةِ، والعيدينِ، واجتماعِ النَّاسِ في الحجِّ، كُلُّ ذلكَ تأكيدٌ على أهميةِ الاجتماعِ وأنَّه حجرُ الزاويةِ لقوةِ المجتمعِ ودحرِ أعدائِه.
أيُّها المؤمنونَ: ومما تقرَّر عندَ أهلِ السنةِ والجماعةِ (أنَّه لا دينَ إلا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلا بإمامةٍ، ولا إمامةَ إلا بطاعةٍ)، فاحرصوا على الاجتماعِ، والزموا طاعةَ وليِّ الأمرِ، وليحرسْ كلُّ منَّا الثغرةَ التي هو عليها لئلا يتسلَّل منها المجرمونَ الآثمونَ المعتدونَ.
ولقد أصدرتْ الأمانةُ العامةُ لهيئةِ كبارِ العلماءِ في بلادِنَا بيانًا جاءَ فيهِ: (إنَّ إطلاقَ هذهِ المقذوفاتِ باتجاهِ المنشآتِ المدنيةِ يؤكِّد الطبيعةَ الإجراميةَ لجماعةِ الحُوثِّي الإرهابيةِ المدعومةِ من نظامِ إيران، وتهديدَها الأمنَ الإقليميِّ والسلمَ الدَّولي. مؤكِّدةً في هذا الصددِ أنَّ جماعةَ الحوثيِّ الإرهابيةَ لا تختلفُ عن داعشَ والقاعدةِ الإرهابيتَينِ في استهدافِ المدنيِّينَ، وقتلِ الأبرياءِ، وتجنيدِ الأطفالِ، والاحتماءِ بالتجمعاتِ السكنيةِ.
ودعت الأمانةُ العامةُ لهيئةِ كبارِ العلماءِ العالمَ الإسلاميَّ، ولاسيما مؤسساتِه الإفتائيةِ والعلماءِ، إلى إدانةِ هذا العملِ العدواني العشوائي من قِبلِ جماعةِ الحوثي المدعومةِ من إيران، التي تزوِّد هذه الجماعةَ الإرهابيةَ بقدراتٍ نوعيةٍ.
أسألَ اللهَ تعالى بمنِه وكرمِه أن يحفظْ علينَا ديننَا وأمننَا واجتماعِ كلمتنَا ووحدةِ صفنَا، وأن يردَّ كيدَ الأعداءِ في نُحورهِم إنَّه وليَّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.
هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 11/10/1440هـ