الاستراحات توجيهات وتنبيهات خطبة الجمعة 2-11-1440هـ جامع العذل بالزلفي
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: جاءَ الإسلامُ مراعيًا متطلباتِ النفسِ البشريةِ، فلم يضيقْ واسعًا، ولم يمنْع مباحًا، بلْ أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فهو دينٌ يراعي حقَّ النفسِ والجسدِ.
وربُّنَا جلَّ وعلا خَلقَ الإنسانَ، ويعلمُ ما ينفعُه وما يضُّرهُ، وما يُريحُه وما يسعدُه، {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[المُلك:14]. ويعلمُ جلَّ وعلا أنَّه يُريحُ الإنسانَ ويُسعدُه، المكانُ الفسيحُ، والخضرةُ النَّاضرةُ، والزُّهورُ الجميلةُ، والرِّفقةُ الصَّالحةُ، وقد كان نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، يدخلُ بستاناً لأبي طلحةَ الأنصاريِّ رضي اللهُ عنه، يُسمَّى: بَيْرُحَاءَ، فَيشربُ من مائِهَا الطيِّبِ، ويجلسُ في ظلالِ نخيلِها وأشجارهِا.
ولقد أكرمنَا اللهُ جلَّ وعلا بنعمٍ عظيمةٍ وكبيرةٍ ومنهَا الاستراحاتُ المهيئَةُ للاجتماعِ والترفيهِ. وقد استفادَ من هذهِ الاستراحاتِ والشاليهاتِ كثيرٌ من الأسرِ والعائلاتِ من الاجتماعِ فيها، والتلاقي والتزاورِ، وإقامةِ الأفراحِ، سواءٌ في الأعيادِ أو غيرِهَا من المناسباتِ، وقضاءِ وقتٍ طيبٍ، محافظينَ فيهَا على الصَّلواتِ، بعيدينَ عن المنكراتِ.
وأصبحَ بعضُ الشبابِ يستأجرونَها للاجتماعِ فيها بحثًا عن الراحةِ والهدوءِ والترويحِ عنِ النفسِ، بحيثُ أصبحتْ جزءًا لا يتجزأُ من حياتِهم.
عبادَ اللهِ: وبسببِ الاستخدامِ السيِّء لتلكَ الاستراحاتِ ظهرتْ سلبياتٌ كثيرةٌ أضرَّتْ بالأسرةِ والمجتمعِ من تقصيرٍ في الحقوقِ والواجباتِ، ومن ذلك:
أولاً: ما يحصلُ فيها من أمورٍ خطيرةٍ من سهرٍ حتَّى الفجرِ ونومٍ عن الصلواتِ، ومشاهدةِ الأفلامِ والمسلسلاتِ والمواقعِ الإباحيةِ، والوقوعِ في الغيبةِ، وشربِ الشيشةِ، وربَّما يصلُ الأمرُ إلى أكثرَ من ذلك، وكلُّ إنسانٍ يتأثرُ بمنْ يصاحبُ، كما في الحديثِ (المرءُ على دينِ خليلهِ)، وكذلك ينجذبُ إلى منْ يشاكلُه، ويكونُ مناسباً له، فيميلُ إليهِ طبعُه، ويحصلُ بينهما من المواطأةِ والتوافقِ والألفةِ الشيءُ الكثيرُ، فإذا صَحِبَ الشخصُ أو أحبَّ أهلَ الخيرِ والفضلِ فإنَّ ذلكَ يدلُّ على أنَّ نفسَه تنجذبُ للخيرِ؛ بخلافِ مَنْ يَصْحَبُ الأشرارَ فإنَّهم يؤزُّونه أزًّا إلى المعصيةِ والمنكرِ، ويُقعدونَهُ عن طاعةِ اللهِ.
ثانياً: تحولتْ بعضُ الاستراحاتِ إلى أماكنَ للتسترِ وأوكارٍ للرذيلةِ والفواحشِ، ومأوى للفئةِ الضَّالةِ التي تقومُ بالتخطيطِ فيها للعملياتِ الإرهابيةِ وتصنيعِ وإعدادِ المتفجراتِ.
ثالثاً: تضييعُ الأوقاتِ في غيرِ فائدةٍ مرجوةٍ، وقد قالَ رسولُنا صلَّى الله عليهِ وسلَّم: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ)(رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني).
رابعاً: التقصيرُ في الواجباتِ في حقِّ الأهلِ والزوجةِ والأولادِ، مما يترتَّبُ عليه ضعفُ قوامةِ الرجلِ بسببِ تغيُّبهِ عن بيِّتِه، وضياعِ الأبناءِ وانجرافِهم مع أصدقاءِ السوءِ، وكثرةِ المشاكلِ بينَ الزوجينِ، وتقاعسِ الأبِ عن دورهِ المناطِ بهِ وإسنادهِ إلى زوجتهِ بسببِ تغيِّبِه، وانعدامِ الثِّقةِ بين الأولادِ ووالدِهم بسببِ تقصيرهِ في حقِّهم، مما يُفْقدُهم الأمانَ الأسريِّ الذي يحتاجونَه.
خامساً: التقصيرُ في حقِّ العملِ الخاصِ أو الحكومي لمنْ يعملُ موظفاً، مما يترتَّبُ عليهِ التقصيرُ في حُقوقِ المراجعينَ وأصحابِ الأعمالِ.
أعوذُّ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب}[آل عمران:14]. باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين، أما بعد:
فاتقوا اللهّ عبادَ اللهِ: واعلموا أنَّ الوقتَ هو رأْسُ مالِنا، وهو نعمةٌ من نعمِ اللهِ على عبادِه، وهو سريعُ الانقضاءِ، وإذا ذهبَ لا يعودُ، وهو أنفسُ ما يملكُه الإنسانُ، ومن فرّطَ في وقتهِ فقد فرَّط َفي أعزِّ ما يملكُ. وقد نبَّه على ذلك نبيُّنَا صلَّى الله عليهِ وسلَّم فقالَ:(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ)(رواه البخاري)، فالمفرِّطُ في وقتِه المضيعُ له هو المغبونُ؛ وسوف يُسْأل عنهُ يومَ القيامةِ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّم: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ..) (رواه الترمذي). فعلى المسلمِ أن يحرصَ على استغلالِه فيمَا ينفعُ، وخاصةً فيمَا يتعلَّقُ بحقوقِ اللهِ، ثم حقوقِ الوالدينِ، والزوجةِ، والأولادِ، وغيرِ ذلكَ من الحقوقِ.
وكذلك عليه الاستفادةُ منه في أعمالِ الخيرِ، والأعمالِ الدنيويَّةِ المفيدةِ التي تجرُّ على صاحبِهَا النفعَ والمالَ الحلالِ.
ورسالتي إلى الآباءِ والأمهاتِ: أقول لهم أُوصيكم بأنْ تنتبهوا لأولادِكم، فَهمْ أمانةٌ في أعناقِكم، لا تقصِّروا في حقِّهم، ولا تتركوهُم نهبًا لهذهِ الاستراحاتِ، أو الشوارعِ، أو أصدقاءِ السوءِ، فقد أوصاكم نبيُّكم صلَّى اللهُ عليهِِ وسلَّم بهم فقال:(كُلُّكُم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتهِ..) (متفق عليه). فكونُوا معهم، صَاحِبُوهُم، رافِقوهُم إلى الأماكنَ التي يجدونَ فيها سعادتَهم دونَ الوقوعِ في المعاصي والمنكراتِ، أعينُوهُم، ذَكِّروهُم بحقِّ اللهِ عليهم، كونوا نعمَ القدوةُ لهم حتى تسعدُوا بُرؤيتهِم صالحينَ، محفوظينَ بإذنِ اللهِ تعالى من شرورِ الفتنِ، ينفعون أنفسهم ويخدمون بلادهم، ويحافظون عليها قدر استطاعتهم.
هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 2- 11- 1440هـ