زكاة التمور – خطبة الجمعة 14- 1- 1441هـ
الخطبة الأولى :
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، الرّحمنِ الرّحيمِ، مالكِ يومِ الدّينِ والعاقبةُ للمتقينَ ولا عُدوانَ إِلّا على الظالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا, أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].
عبادَ اللهِ: إنَّ مما أنعمَ اللهُ بهِ علينَا في بلادِنا – حرسَها اللهُ – ما رَزقَهَا من أنواعِ التمورِ الكثيرةِ والمتنوعةِ في اللونِ والشكلِ والطعمِ، وإنَّ من الواجبِ علينَا أن نشكرَه جلَّ وعلا عليها، وأن نؤديَ حقَّه الذي أمرنَا فيهَا. وإنَّ من أعظمِ حقوق هذهِ النعمةِ إخراجَ زكاتِهَا، ومن المسائلِ المتعلقةِ بإخراجِ زكاةِ التمورِ ما يأتي:
المسألةُ الأولى: وجوبُ زكاةِ التُّمورِ: قال تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام: 141]، قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهُما: (حقُّه الزّكاةُ المفروضةُ)، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ)(رواه مسلم).
وقد انعقدَ الإجماعُ على وجوبِ الزكاةِ فيهَا، ومن تلكَ الأصنافِ وأبرزِها: التُّمور.
المسألةُ الثانيةُ: وقتُ وجوبِها: وذلك بأنْ تُخرجَ وقتَ الجذاذِ (والجذاذُ هو قطعُ الثمرةِ)،
فلا يراعى حولانُ الحولِ فيها، بل يراعى الموسمُ والمحصولُ، فمتى ما حُصدَ المحصولُ وجبتْ الزكاةُ فيهِ، ولا تجبُ قبلَ ذلك إلا إذا قُطفَ قبلَه لمصلحةٍ؛ كأنْ يَبيعَه رُطَبًا.
المسألةُ الثالثةُ: نصابُ الزكاةِ فيهَا: ونصابُها خمسةُ أوسقٍ لقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ)(رواه البخاري ومسلم)، والوسقُ سُتونَ صاعًا بالإجماعِ، والصاعُ أربعةُ أمدادٍ وهو يساوي بالكيلو جرام كيلوين وربع (25 و2) على الصحيحِ، ومن أهلِ العلمِ من يرى أنَّ الصاعَ ثلاثةُ كيلو جراماتٍ، فيكونُ النصابُ (675) ستمائةٍ وخمسةٌ وسبعينَ كيل جرامًا.
المسألةُ الرابعةُ: المقدارُ الواجبُ فيهَا: يَختلفُ باختلافِ وسيلةِ السقيِ: فإذا سُقيَ بالأمطارِ والعُيونِ والأنهارِ وجبَ فيهِ العشرُ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما: (فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ)(رواه البخاري)، وفي روايةٍ عن جابرٍِ رضي الله عنه:(فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ ، وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ) (رواه مسلم).
وأما ما يُسقَى بمؤونةٍ كالذي يُسقَى من الآبارِ والآلاتِ كالمحركاتِ والنَّواضحِ والنَّواعيرِ والغطاساتِ- فيجبُ فيهِ نصفُ العُشرِ، وذلكَ بقسمةِ قدرِ الزكاةِ على عشرينَ والناتجُ هو الزكاةُ-؛ لقوله صلى اللهُ عليه وسلم: (وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ). والنضحُ: السَّقيُ بالسواني)، وقولِه صلى اللهُ عليه وسلم: (وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ) وإنْ سُقيَ بمؤنةٍ وبغيرِ مؤنةٍ نصفينِ ففيهِ ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ، فإنْ تفَاوتَا أي السقيُ بمؤنةٍ وبغيرِ مؤنةٍ فيعتبرُ الأكثرُ نفعًا، ومع الجهلِ العشرُ.
المسألةُ الخامسةُ: شروطُ وجوبِ زكاةِ التَّمرِ: يُشترطُ لهَا شرطان:
الأولُ: بلوغُ النصابِ.
الثاني: أن يكونَ مملوكًا لهُ وقتَ وجوبِ الزكاةِ، فلو مَلكَ النِّصابَ بعد ذلكَ لم تجبْ عليهِ زكاتُه كما لو اشتراهُ، أو أخذهُ أجرةً لحصادهِ، أو حصَّله بالِّلقاطِ، ونحوِ ذلك.
المسألةُ السادسةُ: طُرقِ إخراجِ الزكاةِ: وهي كالآتي:
1- أن يتمَّ خرصُ التمرِ بعدَ بدوِّ صلاحهِ على رؤوسِ النخلِ، ثمَّ يُحدِّدُ المزكي عدداً من النَخلاتِ للزكاةِ تساوي القدرَ الواجبَ.
2- أن يتمَّ جذُّ التمرِ، أي “الصرامُ”، ثمَّ يقومُ بكيلِ التمرِ وإخراجِ القدرِ الواجبِ.
3- أن يتمَّ بيعُ التمرِ على رؤوسِ النخلِ بعد بدوِّ صلاحهِ وقبلَ إخراجِ زكاتِه، فيخرجُ القدرَ الواجبَ من الثمنِ.
4- أن يقومَ المالكُ أو المستأجرُ ببيعِ التمرِ بعدَ جذِّه، أي “الصرامِ”، ثم يقومُ بكيلِ التمرِ أي “وزنِه” وإخراجِ القدرِ الواجبِ منهُ. وإذا قدَّرتْ لجنةُ الجبايةِ الزكاةَ بناءً على الخرصِ، ثمَّ بعدَ جني الثمرةِ تبيَّنَ أنَّه أكثرُ فيجبُ أن يخرجَ زكاةَ الزائدِ، وإذا تبيَّن أنَّه أقلُّ فلا يخرجُ إلا على قدرِ ما ثبتَ عندَه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ
وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين}[الأنعام:141].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين، أما بعد: فاتقوا اللهّ أيُّها المؤمنونَ والمؤمناتِ: واعلموا أنَّ من المسائلِ المتعلقةِ بزكاةِ التمورِ أيضاً ما يلي:
المسألةُ السابعةُ: صفةُ التمرِ المخرجِ في الزكاةِ: أن يكونَ من وسطِ المالِ، بينَ الجيِّدِ والرديء. ويُراعى فيها المُخْرِجُ والآخذُ. وأما إخراجُ القيمةِ للحاجةِ أو المصلحةِ، فلا بأسَ بِه. وليسَ في الفسائلِ زكاةٌ، ولكنْ إذا بِيعتْ بالدراهِم وحالَ على ثمنِهَا الحولُ وَجبَتْ زكاتُه.
المسألةُ الثامنةُ: كيفيةُ تقديرِ الزكاةِ: اختلفَ أهلُ العلمِ في ذلكَ فمنهمْ منْ يستثني مِنَ
الزكاةِ ما يستعملهُ صاحبُ النخلِ لنفسهِ وعيالهِ وجيرانهِ وضيوفهِ؛ ومنهم من يُشدّدُ في
التصرفِ في الثمارِ قبلَ الخرصِ، بالأكلِ أو البيعِ ونحوهِ، ويمنعُ من ذلكَ. ومنهم من يرى أنَّ ما يُتركُ له ليسَ ليتوسعَ بها على نفسِه وعيالِه، بلْ لينظرَ بها أهلَ الزكاةِ. والذي يظهرُ: أنَّ صاحبَ النخلِ إن احتاجَ إلى أكلٍ أو هديةٍ، فإنِّه يجتهدُ في تقديرِ ثمرتِه بنفسِه، ويتركُ لنفسِه الثلثَ أو الربعَ من المالِ فلا تلزمُه فيهِ الزكاةُ، ثمَّ تُحسَبُ الزكاةُ على ثُلثَي المحصولِ، أو ثلاثةِ أرباعِه.
المسألةُ التاسعةُ: إذا اختلفتْ أراضي النخيلِ وتعدَّدتْ الحبوبُ والثمارُ: فإنَّ صاحبهَا يجمعُ ما أنتجتُه جميعُ أراضيهِ وإن اختلفتْ أنواعُها (برحي، سُكري، خُضْري، خِلاص..) ويضمُّها إلى بعضٍ في حسابِ زكاتِها، مع مراعاةِ ضمِّ ما تنتجُهُ النخيلُ في البيوتِ والمساكنِ والاستراحاتِ وغيرهَا وإدخالِها في حسابِ الزكاةِ طالمَا كانتْ تبلُغ النصابَ لوحدهَا أو بضمِّها إلى نخيلِ صاحبِها في مزارِعه التي يمتلُكها.
المسألةُ العاشرةُ: زكاةُ الرطبِ: الأصلُ إخراجُ زكاةِ التمرِ من التمرِ؛ وأما الرُّطبُ؛ فالأصلُ إخراجُ زكاتِه تمراً، وبهذا أفتتْ اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ.
أسألُ اللهَ تعالى أن يرزقنَا شكرَ نِعمهِ، وأنَّ يعينَ المسلمينَ على إخراجِ زكاةِ تمورهِم طيبةً بهَا نفوسِهم.
هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 14-1-1441هـ