الحث على أخذ اللقاح وفضل صيام شعبان.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الحكيمِ العلامِ، الملكِ القدوسِ السلامِ، الحيِّ القيِّومِ، الباقي على الدوامِ، لا تأخذُه سنةٌ ولا نومٌ، سبحانَه وبحمدِه عزَّ جلالُه فلا تدركُه العقولُ والأفهامُ، ولا تحيطُ بهِ الأوهامُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ، لا ربَّ لنا سواهُ ولا نعبدُ إلا إياهُ، له الآياتُ الباهراتُ العظامُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أزكى الأنامِ، وبدرُ التمامِ، ومسكُ الختامِ، وخيرُ مَنْ صلَّى وصام وتعبَّد َلربِّه وقامَ، صلَّى اللهُ وسلم وبارك عليهِ وعلى آلِه وأهل بيتِه، وصحابتِه البررةِ الكرامِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ تقواهُ هي الزادُ الأعظمُ، والطريقُ الأكرمُ، والمنهجُ الأقومُ، والسبيلُ الأسلمُ.
عبادَ اللهِ: لقد عُنِيَ الإِسلامُ بالطبِّ، وأمرَ بالتداوي، وجَعَلَه من الأسبابِ التي لا تُنَافي التوكُّلَ، وهو اعتمادُ القلبِ على اللهِ في حصولِ ما ينفعُ العبدَ في دينِه ودنيَاه، ودفعِ ما يضرُّهُ في دينِه ودنيَاه، مَعَ الأخذِ بالأسبابِ الممكنةِ لدفعِ الضَّررِ والمرضِ، وإلا كانَ مُعطِّلاً للحكمةِ والشرعِ، فلا يجعلُ العبدُ عَجْزَهُ تَوكلاً، ولا تَوَكُّله عجزًا، فقد روى مسلمٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)(مسلم: 2204)، وفي روايةٍ للبخاري:(ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)(5678)، و عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَتَدَاووا بِحَرَامٍ)(رواه الطبراني في المعجم الكبير) (24/254)، وصححه الألباني في الصحيحة (1633)، وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: ” نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الهَرَمُ) (رواه الترمذي(2038) وقال: حسن صحيح، وأبو داود (3855)، وابن ماجه (3436).
فهذه الأحاديثُ وغيرُها يُؤخذُ منها مشروعيةُ التداوي، قال النوويُّ: “فيه استحبابُ الدواءِ، وهو مذهبُ أصحابِنا وجمهورِ السلفِ وعامةِ الخلفِ”، وكذلكَ التداوي لا يُنافي التَّوكلَ: قالَ ابنُ القيمِ: في الأحاديثِ الصحيحةِ الأمرُ بالتداوي، وأنَّه لا يُنافي التَّوكلَ..”(زاد المعاد (4/15).
عبادَ اللهِ: ومِنْ رحمةِ اللهِ تعَالى بعبادِه أَنْ امتنّ عليهم بعدَ تَفَشِّي وباءِ كورونَا بالاجتهادِ للوصولِ إلى لقاحٍ مناسبٍ ـ بإذنِ اللهِ تعَالى ـ لعلاجِ هذَا الوباءِ، وهوَ لقاحٌ فعالٌ تمَّ اعتمادُه من الجهاتِ المختصَّةِ، وإنَّ مِنْ فِعلِ الأسبابِ الحرصَ على أّخْذِ هذا اللقاحِ، والتواصيَ على أخذِه حَسَبَ الإجراءاتِ المتَّبعةِ مِن قبلِ وزارةِ الصِّحةِ وعدمَ تصديقِ الإشاعاتِ التي تُشكِّكَ في عدمِ فعاليةِ هذا اللقاحِ { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا }.
وإنِّي في مقاميَ هذا أشكرُ ـ بعدَ شُكرِ اللهِ تعَالى ـ قيادتَنا الرشيدةَ وعلى رأسِها خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وسموِّ وليِّ عهدهِ الأمينِ في سَعْيها المتواصلِ للحصولِ على هذَا اللقاحِ، وتوفيرِه بالمجَّانِ لأبناءِ هذا الوطنِ، والمقيمينَ على ثراه، حرصًا على سلامةِ الجميعِ، وتجنيبِ البلادِ والعبادِ خَطَرَ هذا الوباءِ.
بل كانَ ولاةُ أمورِ هذهِ البلادِ ـ حَفظَهم اللهُ ـ من أوائلِ مَنْ بادرَ بأَخذِ هذا اللقاحِ لإيصالِ الطمأنينةِ للمواطنينَ والمقيمينَ، وإيقافِ إشاعاتِ المرجفينَ، فجزاهُم اللهُ خيرَ الجزاءِ وجَعَلَ ما قدَّموه في ميزانِ حسناتِهم.
وعلى الجميعِ ـ مواطنينَ ومقيمينَ ـ أَنْ يتوكَّلوا على اللهِ عزَّ وجلَّ ويأخُذوا بأسبابِ الشفاءِ، والمبادرةِ لأخذِ هذا اللقاحِ حتَّى لا يستمرَّ في تفشيِّهِ وتَتَضررَّ منه البلادُ والعبادُ.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}[النساء:59].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ أيها المؤمنون، واعلموا أنَّ تقواه خير زادٍ ليومِ المعادِ.
عبادَ اللهِ: روى البخاريُّ عن أبي سلمةَ رضي الله عنه أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنهَا حدَّثتهُ قالتْ: “لمْ يكن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ شهرًا أكثرَ من شعبانَ، فإنَّه كانَ يصومُ شعبانَ كلَّه”(البخاري (1881)، وعنهَا رضيَّ اللهُ عنهَا قالتْ: “كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يصومُ حتَّى نقولَ: لا يُفطرُ، ويُفطرُ حتَّى نقولَ: لا يصومُ، وما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسْتَكَمَلَ صيامَ شهرٍ قَطْ إلا رمضانَ وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ منهُ صيامًا في شعبانَ”(رواه مسلم (2028).
وعن أسامةَ بنِ زيدٍ رضيَّ اللهُ عنهُ: قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَكَ تصومُ شهرًا منَ الشهورِ ما تصومُ مِن شعبانَ؟ قال: ذلك شهرٌ يَغفَلُ الناسُ عنه بين رجبٍ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالَمينَ، فأُحِبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأنا صائمٌ)(النسائي (2357)، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي (2356). فهذه الأدلةُ وغيرُها تُبَيّنُ أهميةَ شهرِ شعبانِ وفضلَ الإكثارِ من الصومِ فيه، لأنَّه شهرٌ يغفلُ النَّاسُ عنه بين رجبٍ ورمضانَ، وفيه دلالةٌ على استحبابِ عمارةِ أوقاتِ غفلةِ النَّاسِ بالطاعةِ، كمَا كانَ يفعلُ ذلكَ طائفةٌ من السلفِ.
وكذلكَ وَرَدَ أنَّ أعمالَ العبادِ كلَّ سنةٍ ترفعُ في شهرِ شعبانَ، قال ابنُ القيِّمِ: ” فإنَّ عَمَلَ العامِ يُرفعُ في شعبانَ كما أخبرَ به الصادقُ المصدوقُ أنَّه شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ فأُحبُّ أَنْ يرفعَ عملي وأنا صائمٌ..” (حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود) وقال شيخُنا ابنُ عثيمين:” وفي الصيامِ في شعبانَ فائدةٌ أخرى وهي توطينُ النفسِ وتهيئتُها للصيامِ، لتكونَ مستعدةً لصيامِ رمضانَ سهلاً عليهَا أداؤُه”.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].
الجمعة: 28 /7/1442هـ