حول بيان الداخلية بتنفيذ أحكام الله بحق 81 إرهابيًّا، بتاريخ 10-8-1443هـ
إن من نعم الله عز وجل على بلادنا -المملكة العربية السعودية- أن جعلها مهد الإسلام، ومأرز الإيمان، ودوحة الأمن، ورمز السلام، ومهبط الوحي، وقبلة المسلمين.
شرّفها بالمسجد الحرام الذي تهوي إليه أفئدة المؤمنين، وترنوا إليه أعينهم، شوقًا وحبًّا، ومسجد رسوله الكريم ﷺ الذي تطمئن فيه النفوس، وترتاح فيه القلوب، وتصفو فيه الأذهان.
ومع هذه المميزات، وتلك المكانة، لم تسلم بلادنا من الحقد والحسد والضغينة، فأعداء الدين أذهلهم تماسك هذه البلاد، واجتماع كلمتها، ووحدة صفها، وأعمى أبصارهم هذا الخير المتدفق عليها ومنها، ورأوا ما عليه الناس من رغد في العيش، وأمن في الفكر، فاجتهدوا في بث الأفكار المسمومة المنحرفة لتضليل شبابها، وتفريق صفّهم، وخلخلة بنائهم، فأوقعوا البعض منهم في شباك حبائلهم، وأوصلوهم إلى ترويع الآمنين، وسفك دماء المسلمين، والاعتداء على الحرمات والممتلكات.
لكن بلادنا– ولله الحمد- قادرة على ردع هذه الفئة الباغية، الذين فرّقوا الكلمة، وشقّوا الصف، وخرجوا على ولاة الأمر.
ورجال الأمن –سددهم الله ووفقهم وحفظهم- قادرون –بفضل الله- على إذابة هذه القلة، ومتابعتها، والوقوف لها بكل قوة وحزم، ومما أفرحنا، وأثلج صدورنا بيان وزارة الداخلية بتنفيذ أحكام الله بحق 81 إرهابيًّا.
وحول هذا البيان أقول:
–إن يد الظلم والعدوان امتدت لهذه البلاد، وطعنتها على يد الإرهاب، الذي لا يتفق مع الدين، ولا مع الأخلاق، ولا مع النخوة والمروءة والشهامة
وإنّ المؤمنَ الصادقَ ليأخذه العجب، كيف يقع شبابنا الذين تربوا على مناهج التوحيد، والعقيدة، ونشأوا في جو إيماني، تحت قيادة حكيمة، هي قدوة للعالم الإسلامي، تحكم بالكتاب والسنة، وتخدم الإسلام داخليًا وخارجيًا، كيف لشبابها أن يقعوا فريسة لأذناب الفرس، والدواعش، وغيرهم من أرباب الفكر المنحرف.
كيف يُقدِم هؤلاء الشباب على سفك الدماء في هذه البلاد الآمنة؟! وربنا جلّ وعلا يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء (93)، ويقول النبي ﷺ:( لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا) أخرجه البخاري (6862).
–إن مما يحرق القلب، ويلهب الفؤاد، ويهزُّ الوجدان، أنّ بعضًا من هؤلاء المتطرفين أقدم على قتل أمّه، وشرع في قتل أبيه وإخوته، وهذا نتاج طبيعي لهذه الأفكار الشيطانية، والمناهج التكفيرية التي تلغي العقل، وتجعل الشخص كالآلة، يتحرّك كيف يؤمر، ولا يفكر بالعواقب والنتائج، مهما كانت آثارها.
وإن هذه الحادثة لتذكّر بحادثة مشابهة لأسلاف هؤلاء المتطرفين من الخوارج، عندما دَخَلُوا قَرْيَةً ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ ، ذَعِرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رُعْتُمُونِي، فقالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحبِ رسول الله ﷺ ؟ قال: نعم، ثم حدّثهم بحديث رسول الله ﷺ، فردّوا حديث رسول الله ﷺ، وقدَّموا عبدالله بن خبّاب على ضفّة النهر، فضربوا عُنُقَه، فسال دمُهُ كأنه شِراكُ نعلٍ مَا ابْذَقَرَّ (ما تَفَرَّقَ)، وبقَروا أمَّ ولدِهِ عما في بطنها.
–إن هؤلاء الخوارج هتَكوا شرعَ اللهِ عز وجل، وأمنَ المجتمعِ، ولُحْمَة الأُمَّةِ، فمَا لهم وأمثالِهم إلّا الجزاءُ الصّارِمُ وإقامةُ حدِّ اللهِ فيهم قطعًا لدابرِهِمْ، وعبرةً لكلِّ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نفسُه ترويعَ المؤمنينَ واستباحةَ دمائهم، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة (33).
–إنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ علينا في بلادِنَا تطبيقَ أحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ في جميعِ جوانبِ الحياةِ، وتنفيذَ الحدودِ الشرعيةِ التي أمرَ اللهُ بها، وهذهِ الحدودُ الشرعيةُ هي أسوارٌ منيعةٌ، وعقوباتٌ زاجرةٌ لكلِّ مَنْ سوّلَتْ لهُ نفسُهُ بالتعدّي على الدّينِ والنّفسِ والعرضِ والعقلِ والمالِ.
وفي إقامتِهَا تنفيذٌ عمليٌ لنشرِ العدلِ بينَ النّاسِ، وهي سبب في دفعِ الشرورِ والفتنِ وقمعِ الباطِلِ وأهلهِ، وسدِّ بابِ الفسادِ والظُّلمِ.
وقدْ أمرِ رسولُ اللهِ ﷺ كلّ منْ وَلِيَ أمر المسلمينَ بإقامتِهَا وتنفيذِها وتطبيقِهَا، وعدِم التهاونِ أو الاستخفافِ بِهَا. كمَا جاءَ في قصّةِ المرأةِ المخزوميةِ التي سَرَقَتْ، وفيه قول النبي ﷺ:(وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (أخرجه البخاري (4304) ومسلم (1688).
وعنْ أبِي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (إقامةُ حدٍّ بأرضٍ خيرٌ لأهلِها من مطرٍ أربعين صباحًا) ( أخرجه النسائي (٤٩٠٥) باختلاف يسير، وابن حبان (٤٣٩٧) واللفظ له، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (١/٤٦٢): حسن لغيره.
– إن الخروج على ولي الأمر يُعَدُّ كبيرة عظيمة، وجريرة خطيرة، تستحق قتل صاحبها ولو كان مسلمًا؛ لأنه يريد شقّ عصا الطاعة، وتفريق الجماعة، والإخلال بالأمن، وفي ذلك من المفاسد ما لا يُحصى، فيُقتل عقوبةً وتعزيرًا وردعًا لأمثال هؤلاء الخوارج، ودفعًا للشر الأعظم الذي يحصل ضد المسلمين بالشر الأقل الذي هو قتل هذا الخارجي؛ ولما في قتل هؤلاء من القضاء على دابر الفتنة.
–وإنّي أهيب بإخواني وأخواتي، الحذر من المندسين والمهيّجين وأصحاب الفتن الذين يحرّضون على ولاة الأمر، ويتصيّدون لهم العثرات، وينسون ما لهم من الفضائل والحقوق، من خلال الفضائيات، ووسائل الإعلام، ووسائل التواصل، وأدعو إلى الإبلاغ عنهم؛ حتى يؤخذ على أيديهم؛ لقول النبي ﷺ:( مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ) أخرجه مسلم (١٨٥٢).
– إن حماية النشء من هذه الأفكار الضالة، والمناهج الفاسدة، واجب شرعي، ومسؤولية جسيمة، على كل وليّ أمر، سواء كان من الوالدين في المنزل، أو الإمام في مسجده، والخطيب من منبره، والمعلم في مدرسته، برعاية هؤلاء النشء ومتابعتهم؛ وغرس العقيدة الصافية في نفوسهم، وتحصينهم من الأفكار الضالة، ومروجيها، ودعاتها، وتحصينهم كذلك من القنوات ومنصات التواصل الاجتماعي، التي تصب سمومها صباح مساء في كل بيت-إلا من رحم الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم (6).
أسأل الله عز وجل أن يحفظ على بلادنا أمنها، وإيمانها، وعزّها، ورخاءها، ووحدتها، ولحمتها، وأن يجعل كيد الأعداء في نحورهم، ويجنبنا شرورهم، وأن يحفظ ولاة أمرنا، وعلماءنا، وشبابنا، من كل سوء ومكروه.
وأن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء على تنفيذ هذه الأحكام العادلة التي لها آثارها في استتباب الأمن، وسلامة المجتمع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.