القلب وأهميته على في الأعمال (1)

الجمعة 29 شوال 1439هـ 13-7-2018م

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )(رواه البخاري).
والله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق سدى ولم يتركهم هملاً بل جعلهم مورداً للتكليف ومحلاً للأمر والنهي وأعطاهم ما يميزون به ويعقلون السمع والأبصار والأفئدة وذلك منه سبحانه نعمة ومنَّة وتفضلاً.
فمن استعمل هذه الجوارح في طاعته وسلك بها طريق الهدى ولم يسلك بها طريقاً عوجاً فقد قام بشكرها ومن ابتغى وراء ذلك فقد خسر وسيحاسب يوم العرض على الله وصدق الباري سبحانه:[وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً](الإسراء:36).
وكل عضو في الإنسان خلق لفعل خاص يتحقق به الخير والسعادة إذا وظف فيما خلق له والقلب هو ملك هذه الأعضاء هي جنوده تصدر كلها عن أمره فكلها تحت سلطانه يوجهها فيما يشاء ومنه تكتسب الاستقامة والزيغ ولا يمكن أن تقوم بشيء إلا عن قصد القلب ونيته وهو المسؤول عنها كلها لأن كل راع مسؤول عن رعيته.
لقد خلق الله القلب ليعلم الإنسان به الأشياء وخلق العين ليرى بها الأشياء والأذن ليسمع بها والرجل للسعي واليد للبطش واللسان للنطق والفم للذوق والأنف للشم والجلد للمس فإذا كان القلب مشغولاً بالله عاقلاً للحق مفكراً في العلم فقد وضع كما أن العين إذا صرفت إلى النظر في الأشياء فقد وضعت في موضعها وإذا صرف القلب عن الله فقد نسي ربه وهنا يسرح ويمرح في الباطل وسيبقى يتقلب في أودية الأفكار وأقطار الأماني التي لا نهاية لها وبهذا ينشغل فيما يضره ويبعده عن الله ويبقى في ظلمة الأفكار وكثيراً ما يكون ذلك عن كبر يمنعه من أن يطلب الحق وصدق الله العظيم:[فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ](النحل: 22).
وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف فيجحده ويعرض عنه كما قال تعالى -: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً](الأعراف: 146).
هذه حال الجوارح وحال ملكها وقائدها وملكها القلب فهل فكرنا في تدبر أمورنا اليومية في حياتنا التي نعيشها.
إن المسلم في يومه وليلته يؤدي أعمالاً كثيرة من الفرائض والنوافل وأعمال البيت والوظيفة ومتابعة الأهل والأولاد ولكن ما نصيب النية الحسنة ما نصيب توظيف القلب في هذه الأعمال.
لا بد لنا من وقفة نراجع بها حساباتنا. إن العمل الواحد يعمله الرجلان يفوز أحدهما بالثواب الجزيل ويحرم الآخر الأجر بسبب النية أرأيتم كيف يذهب شخصان إلى الدوام أحدهما قبل خروجه من منزله ينوي انه يؤدي الواجب الذي أنيط به وينوي أنه يأخذ رزقاً حلالاً ينفق منه على نفسه وأهل بيته، والآخر يقوم من فراشه وقد بال الشيطان على أنفه ويذهب متبرماً يريد إنهاء ساعات العمل بأي شكل من الأشكال حتى ولو كان ذلك بالكذب والتحايل والخروج والجلوس في مكان آخر والتهرب من العمل إلى غير ذلك من الحيل الشيطانية التي لا تنفعه يوم الحساب، فالأول مأجور لأنه فرغ قلبه للعمل المكلف به، والثاني مأزور لأنه أخل بالواجب وفرط فيما كلف به وهكذا كل أعمالنا اليومية.
فالمدرسون والمدرسات صبيحة كل يوم وهم يدخلون قاعات الدرس تتفاوت نياتهم وأجرهم دونما شك على حسب نياتهم وهكذا الأطباء والفلاحون والتجار وأصحاب المحلات كل هؤلاء ينبغي أن يستصحبوا النية الحسنة في أعمالهم لأنهم سيؤدون هذه الأعمال فإما أن تكون عادات أو عبادات.
والفرق دقيق بينهما وهو النية الحسنة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)(رواه البخاري).
ويقول الله تعالى:[وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ](النحل: 78).
نسأل الله جل وعلا أن يحفظ علينا أمننا وطمأنينتنا وأن يحفظ ولاة أمرنا ويوفقهم لكل خير.