القلب وأهميته في الأعمال (2)
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مدار الأعمال على القلوب متى صلحت صلحت الأعمال كلها، ومتى فسدت فسدت الأعمال كلها التي تصدر من سائر الجوارح.
فحياة المسلم كلها عبادة إذا استصحب النية الصالحة وصدق الله العظيم:[قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ](الأنعام: 162-163).
بل إن اللقمة التي يضعها في فيِّ امرأته صدقة يؤجر عليها بل تجاوز ديننا هذا الأمر وجعل الشهوة يأتيها المسلم بنية حسنة فإنه يؤجر عليها وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيأتي احدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم فقال صلى الله عليه وسلم: فكذلك إذا وضعها في الحلال)(رواه أحمد).
وهذا الأمر يتميز به شرعنا المطهر فنحمد الله الذي هدانا للإسلام ونسأله سبحانه أن يثبتنا عليه إلى أن نلقاه.
فالنية رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه ينبني فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها ينبني عليها بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق وبعدمها يحصل الخذلان وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة.
يقول العلامة ابن القيم:
(وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به فالمخلص له المهابة والمحبة وللآخر المقت والبغضاء.
وقد شرط الله لقبول العبادات وصحتها أن تكون خالصة له سبحانه وأن ينوي بها العبد التقرب إلى الله وإلا كانت عادة وليس عبادة.
يقول الله تعالى:[وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ](البينة:5)، وثبت في الصحيحين وغيرهما: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)(رواه البخاري ومسلم).
وفساد النية في الغالب مرجعه إلى الشبهات والشهوات فإذا كثرت الشكوك والشبهات سبب ذلك الانحراف وكذلك إذا كثر ورود شهوات على القلب أشرب حبها وأخذ يسعى في تحقيقها وصدق الله العظيم:[مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](هود: 15-16).