أهمية الأمن الفكري
إن بلادنا الغالية تسير بخطى ثابتة نحو التقدم والازدهار حاملة على عاتقها إعلاء دين الله تعالى ورفع مكانته بين الناس كافة في جميع أنحاء العالم، ويكفينا فخراً وعزاً أن يكون منهجها على السير حسب شريعة الإسلام، فهي محكمة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، معلية شأن العلماء والدعاة في أرجائها المتباعدة، وعلى الرغم من ذلك كله إلا أن هناك نابتة من أبناء هذه البلاد نبتت على غير هدى بسبب ما تلبست به أفكارهم من شوائب، وسارت به عقولهم لما فيه الضرر لهم ولغيرهم، فوقعوا صرعى بيد غيرهم ممن يتمنون الدمار والخراب لهذه البلاد، ويحرصون على نزع فتيل الفتن لينتشر الظلم ويضيع الأمان، وإن هذه الفتنة التي حلت بديارنا ـ فتنة التكفير والتفجير ـ تحتاج منا للوقوف في وجهها ليمكن معالجتها بحكمة وتعقل وحزم، والأخذ بأيدي شبابنا إلى طريق الجادة قبل أن تتخطفهم الأيدي الآثمة التي تمتد في الخفاء لتأخذهم للهاوية، وعلينا تبصير شباب هذه البلاد وغيرهم بما يدور حولهم من الفتن المهلكة التي باتت تأكل الحرث والنسل، والناظر في أحوال البلاد من حولنا يرى العجب من قتل وتدمير وتشريد وظلم واعتداءات، وكل ذلك بسبب غياب الوعي الفكري لدى من يقع في مثل هذه الجرائم العظيمة، وتعلقهم بشبهات زرعها في عقولهم أصحاب المطامع السيئة.
ويكفي المسلم فخراً في هذه البلاد أنه يعيش آمناً مطمئناً على نفسه وأهله وأولاده وماله، وهذه النعمة لا يمكن الحصول عليها أبداً في أي بلد من بلاد العالم أجمع، ألا ينتبه شبابنا لمثل هذه الأمثلة التي يرونها ويسمعونها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ألا يتعظون بما يدور في أرجاء المعمورة بسبب البعد عن المنهج الصحيح للسلف الصالح، والسير وراء من يرفعون الشعارات البراقة الخداعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
إن الشباب هم عماد الأمة، وحصنها المنيع ـ بعد الله تعالى ـ في حفظ هذه البلاد من التيارات الهدامة، والشعارات الكاذبة، لذلك فهم يحتاجون إلى فهم الأمور بتبصر وتعقل عن طريق العلماء العاملين الذين يوضحون لهم الطريق، ويحذرونهم من مغبة الانسياق وراء الهوى والحماسة غير المنضبطة بالشرع الحنيف.
وإن مما يؤكد أهمية الأمن الفكري هو حماية النشء من الوقوع فيما وقع فيه من سبقهم من الشباب، ويكون ذلك بالتوجيه الهادف عن طريق المؤسسات الدينية والاجتماعية في المجتمع، والتي تقوم بدور كبير في وقاية المجتمع والذود عن حياضه، ومن أهم المؤسسات التي تقوم بهذا الشأن ولها دور وقائي في معالجة مثل هذا الفكر المسجد، والمدرسة، والأندية الثقافية والرياضية، فالخدمات التي تقوم بها مثل هذه الجهات هامة وضرورية كالوعظ والإرشاد، والتوجيه النفسي والسلوكي والاجتماعي والتربوي والتعليمي،والنشاط الرياضي والثقافي، واستغلال أوقات الفراغ عند الشباب وشغلها بما يفيد من أنشطة نافعة للفرد والمجتمع، وهذا لا يكون له تأثير إلا إذا كان القائمين على هذه المؤسسات لهم قدرة وكفاءة للتصدي لمثل هذه الأفكار وتوجيهها التوجيه السليم والذي يعود بالفائدة على الشباب والمجتمع.
فالوسائل المتاحة من هذه الجهات وغيرها، وأيضاً وسائل الإعلام المختلفة والتي تخاطب هذه الفئة الهامة في المجتمع من أجل الوصول لحفظ فكرهم من الانحراف والوقوع في مغبة المخالفة لولاة أمورهم ولعلمائهم، والسعي الحثيث في توجيههم التوجيه السوي الذي يحفظ عليهم دينهم وأمنهم.
وإن مما يؤكد أهمية هذا الأمر هو ربط الشباب بولاة أمورهم وعلمائهم، والحث الدائم على لم الشمل وعدم الوقوع في الفرقة التي يبغضها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً](آل عمران)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)(متفق عليه).
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ شبابنا من الأفكار الهدامة المضللة، وأن يهديهم إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم، وأن يديم على بلادنا الغالية نعمة الأمن والأمان والطمأنينة والسلام، وأن يرد كيد الأشرار إلى نحورهم، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.