جهلة القراء
يبحث الإنسان عن الشهرة فيلتمسها من أقصر الطرق لها ولو كان ذلك أحياناً على حساب الدين والأخلاق وتحطيم القيم والعادات والأعراف بل لو كان ذلك على حساب الآخرين ممن يكونون ضحايا لمن يحب الشهرة فيبتز أموالهم وينهب من جيوبهم ما شاء الله له أن ينهب.
وهكذا الحال في أقوام لا يراقبون الله ولا يراعون أحوال الناس.
أخي القارئ وقفت أتأمل في أحوال الناس ممن يترددون على كثير من جهلة القراء فوجدت أن هؤلاء القراء على أقسام أربعة:
الأول: وهذا القسم لا يعرفون القراءة ولا يدركون آثارها ولا يحسنون التعامل مع المقروء عليه وبالتالي قد يشخصون حالته وهم يعلمون أنهم مخطؤون ولكنهم يعتبرون ذلك كفاءة ومقدرة لأنهم يحسنون اللعب على الناس.
وهؤلاء كشف الناس بعضهم وعرفوا ألاعيبهم وحيلهم ومكرهم.
ومن أمثلة هؤلاء أشخاص نصبوا أنفسهم للقراءة وهم لا يحسنون قراءة الفاتحة ولا يعرفون الآيات التي تقرأ على المصاب وإنما يوهمونه بأنهم يقرؤون ثم يبتزون ماله وهذا المسكين يتعلق بأي شيء يمكن أن يكون فيه شفاؤه.
الثاني: وهذا القسم قد يحسنون القراءة ويعرفون الرقية جيداً ولكن هدفهم من القراءة هو الكسب المادي ولذا يبثون لهم دعاية عريضة في بداية القراءة ويختلقون القصص والحكايات ليتناقل الناس أخبارهم ثم إذا كثر المراجعون لهم أخذوا يبتزون أموالهم ويجعلون المصاب يتردد عليهم فترة طويلة والهدف من وراء ذلك أخذ أجرة أكثر فضلاً عن ما يبيعونه على المصاب من أنواع العلاج بثمن باهظ.
وهؤلاء عندما يتحدث معهم أحد حول المبالغة في أخذ الأجرة يحتجون بالحديث الثابت في صحيح البخاري وغيره حديث اللديغ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم -: ( اضربوا لي معكم بسهم ).
ويقول لهؤلاء لا اعتراض على أخذ الأجرة من حيث هي أجرة لكن الاعتراض على أن تتخذ القراءة حرفة ومهنة يتكسب الشخص من ورائها ويبالغ في أخذ الأموال من الناس وإذا جاءه قير أو مسكين ولم يعطه شيئاً أخذ يدعو عليه أو يهدده بأنه سيعود له مرضه وكأن الصحة والمرض بيده والعياذ بالله فليتق الله هؤلاء وليعلموا أنهم مسؤولون أمام الله عن كل قرش يدخلونه جيوبهم هل هو من طريق شرعي أم لا وصدق القائل:
ونسعى لجمع المال حلاً ومأثماً وبالرغم يحويه البعيد وأقرب
نحاسب عنه داخلاً ثم خارجاً وفيما صرفناه ومن أين يكسب
الثالث: وهذا القسم من أصحاب القلوب المريضة وهؤلاء اتخذوا هذه المهنة لتلبية رغبات وشهوات في أنفسهم ومنها الاطلاع على عورات المؤمنين وإيقاع الخلافات والشحناء بينهم فكم من أسرة متماسكة مترابطة وبسبب هؤلاء الجهلة تفرقت شذر مذر وذلك حينما يشخص هذا القارئ علة المصاب رجلاً أو امرأة ويقول إنها بسبب فلان أو فلانة وهكذا يجعل فلاناً أو فلانة سبباً لعلة العليل وهو يعلم أنه كاذب في تشخيصه ولكن المصاب يبدأ في عداوة من توهم أنه سبب علته وهكذا تنشب خلافات لا يعلم مداها إلا الله بسبب جهل هذا الراقي وعدم خوفه من الله.
الرابع: وهذا القسم من أصحاب الشعوذة والدجل وخصوصاً من العمالة الوافدة التي أخذت تكتب الحروز والطلاسم وتزاول مهنة القراءة سراً وهؤلاء في الغالب يطلبون أموالاً طائلة ويشترطون على المصاب لكي يتم شفاؤه ألا يخبر أحداً وكل ذلك يحدث في غيبة من الوازع الإيماني وغيبة من تعاون المواطنين مع الجهات المختصة لكشف هؤلاء وتتبعهم والتخلص منهم.
هذه في نظري أبرز أقسام جهلة القراء في وقنا الحاضر وأما عن علاج هذا الأمر فهو من جانبين: القراء والمرضى.
فالقراء ينبغي التعامل معهم بحزم والتثبت من سلامة معتقدهم وصحة قراءتهم وأن يكونوا من أهل العلم المشهود لهم بالصلاح والتقى وألا يتخذوا هذا الأمر حرفة وأما أولئك الجهلة الذين ضروا الناس وآذوهم وتحايلوا عليهم لسلب أموالهم فهؤلاء ينبغي أن يوقفوا عن القراءة وأن يؤخذ على أيديهم مهما كانت الحاجة والدوافع.
وأما المرضى فأكثر ما يحتاجون إليه هو تعميق الإيمان في نفوسهم وتقوية صلتهم بالله رب العالمين فلا لجوء إلا إلى الله ولا اعتماد إلا عليه سبحانه ولا طلب للشفاء إلا منه وحده فهو الشافي المعافي كما قال – تعالى -: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80].
ثم يوصون بالصبر والاحتساب فالذي قدر عليهم المرض أدرى بما يصلحهم وأعلم بأحوالهم سبحانه وتعالى-.
ويوصون كذلك بالتحصن بالحصن المنيع وهو التمسك بتقوى الله واللجوء إليه وامتثال أوامره ونواهيه والمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.