صلة الأرحام
أمر الله بصلة الأرحام ووصى بها عباده المؤمنين وحث عليها وبين ما يترتب عليها من خيري الدنيا والآخرة كما حث عليها نبي الرحمة- صلى الله عليه وسلم- مبينًا جزاءها وثمرة الصلة وما أعده الله للواصلين من الخير العظيم والثواب الجزيل وما يترتب على ذلك من سعة الرزق وطول العمر والبركة في المال والولد لقد قضى الله بالسعادة والخيرية والفلاح في الدنيا والآخرة لمن يصلون أرحامهم ويقومون بحقوقهم قال تعالى: ((فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الروم: 38].
روى البخاري ومسلم عن أيوب رضي الله عنه ( أن أعرابيًا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته- أو بزمامها- ثم قال يا رسول الله أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني عن النار قال فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه ثم قال لقد وفقَّ أو هدي قال كيف قلت قال فأعادها فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة وفي رواية وتصل ذا رحمك فلما أدبر قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من سرَّه أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه).
لو أن كل شخص قام بما يجب عليه من الصلة لرحمه وتعاون أفراد الأسرة وأهل الحي وجماعة المسجد لما وجد فقير أو محتاج لو نظرت إلى الفقراء وذوي الحاجة لوجدتهم فليلين بالنسبة لعدد أفراد الأسرة فهنا لو أن كل عشرة أو عشرين تكفلوا بواحد من أقاربهم لرفعوا عنه ذلَّ الحاجه لكنَّ كثيراً من الأقارب قطعوا ما أمر الله به أن يوصل فاضطر هؤلاء الفقراء أن يسألوا ويتسولوا من أناس آخرين غير أقاربهم.
إن صلة الرحم مما قصَّر فيها الكثيرون في هذه الأزمان نظراً لانشغالهم بالملهيات والمغريات وحطام الدنيا الفاني ولذا عظَّم الله شأن الرحم ثبت عند البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله ).
لقد حذَّر الإسلام من قطيعة الرحم وتوعد على ذلك بأشد الوعيد ورتب على ذلك خسران الدنيا والآخرة ثبت عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا رغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرؤا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22-23].
لقد شاهدنا في دنيا الواقع من تكون الدنيا ومتاعها الزائل سبب فراقه مع أبويه أو أحدهما نظراً لأنه أعطى شيئاً أو أُخذ منه شيء من متاع الدنيا الزائل.
وشادنا من ثارت بينهم العداوات وهم إخوة أشقاء من أجل عرض من الدنيا كيف تقطع صلة الرحم ويحقد الأخ على أخيه بل ويدعو عليه أحياناً من أجل أمور تافهة حقيرة؟
ألا يذكر هؤلاء أم ما بينهم من الصلة والمودة والقربى فوق هذا المتاع الزائل.
هل أصبحت الدنيا هي التي تجمع وتفرق وتبعد وتقرِّب هل أصبح التكاثر في جمع الأموال أقوى من رابطة النسب وصلة الرحم؟
وليعلم أم من أفضل صلة الرحم أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحلم عمن جهل عليك وتحسن إلى من أساء إليك حفاظاً على صلة الرحم وطاعة لله ورسوله روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال صلى الله عليه وسلم: (إن كنت كما قلت فكأنما تسفِّهم المال ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) وصدق الله العظيم: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ).
صلة الأرحام تقوي المودة وتزيد المحبة وتوثق عرى القرابة وتزيل العداوة والشحناء وهي ذات مجالات شتى فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه إنها زيارات وصلات وتفقد واستفسارات ومكالمة ومراسلة إحسان إلى المحتاج وبذل للمعروف وتبادل في الهدايا ينظم إلى ذلك غض عن الهفوات وعفو عن الزلات وإقالة للعثرات عدل وإنصاف أما من يفاصل أهله وأقاربه ويقاطعهم بسبب كلمة سمعها أو وشاية نقلت إليه فهذا المسكين جنى على نفسه وعلى غيره وظلم الآخرين ومنع وصول الحق إليهم.