مواساة أخي وحبيب قلبي أبي عبد العزيز محمد الزنيدي في وفاة والدته أم فرّاج-عمشاء الدويش-رحمها الله. بتاريخ 2 / 12 / 1444هـ
تفرّد الله عز وجل وحده بالبقاء، وكتب على جميع الخلائق الفناء، وضرب لكل حي أجلًا لا محيد عنه ولا مناص، ولا راد لقضائه ولا خلاص، وندب المؤمنين إلى الرضا بالقضاء وبشّر الصابرين على البأساء والضراء فقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة: [155-157].
أم فراج والدتنا الزكية الراضية، الزاهدة الصابرة-عمشاء الدويش، والدة أخي وصديقي وحبيب قلبي أبي عبد العزيز محمد الزنيدي، لما بلغني خبر وفاتها عن طريق أبي عبد العزيز أطبق الصدر كمدًا، واعتصر القلب ألمًا لوفاتها، واسترجع اللسان حمدًا وذكرًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على قضائه وقدره.
وفقد الأم مصيبة لا يعلمها إلا من عاينها، ولا يُسأل عنها إلا من اكتوى بها، وتجرَّعَ ألم فقد الأم، ولحظة موت الأم هي أصعب وأشد اللحظات على الإطلاق، لكنه التثبيت من الله الحكيم العليم، وكما يقول الشاعر:
فَلَوْلاَ اعْتِقَادي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ لقطعتُ نفسي لهفةً وَتندما
ولست بحاجة لذكر مكانة الأم في هذه الدنيا، وما أودعه الله عز وجل لها من حب في القلوب، ولهفة في الصدور، وشوق في النفوس، تكتحل العين بنظرها، وتطيب الحياة بذكرها، وتلين الشدائد أمام دعواتها، وتفتح المغاليق بإرضائها.
إن المرء يعيش في هذه الدنيا يخالل من يخالل، ويعاشر من يعاشر، وتتوارد عليه المشاعر، وتختلط الأحاسيس، ويبقى حنان الوالدين وحبهما لا يدانيه حب، وعطفهما لا يدانيه عطف، ومتى فقد الأبناء أحد الوالدين أو كليهما حلّت المصائب، وامتزجت الدموع، وخيم الهم والأرق، والكرب والقلق، فلا ينجو منه الابن ما دامت ذاكرته تحيا وأنفاسه تخرج، يتذكر والدته أو والده في كل بقعة، وكل زاوية من البيت، بل يرى أثرهما في عقله وبدنه، وبيئته وفكره.
أجل، إن وقع المصائب على النفس عظيم، ولا سيما إذا كانت المصيبة موت أغلى الناس وأبرهم، وأكرمهم، وأكثرهم حقًّا على المرء، قال ابن عمر رضي الله عنهما لرجل: (أتفرّ من النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قال: إي والله، قال ابن عمر: أحيٌّ والداك؟ قال: عندي أمي، قال ابن عمر: فوالله ما ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر)، وقال الحسن البصري: (حق الوالدين أعظم، وبر الوالدة ألزم).
وقد استمعت لصوت آخي أبي عبد العزيز في مرثية والدته، يبث فيها شكواه، ويصف ما ألمَّ به، يُعاين من يسمع عباراته ما يحمل هذا الرجل في قلبه لأمه من الحب، وما هو عليه من البر، وقد تأثرت بكلماته، وجميل إلقائه وتفاعله مع كل كلمة، وكأنه يخاطب كل مكلوم ومصاب، فلله دره، وهنيئًا له قلبه الكبير المملوء حبًّا ووفاءً.
وكان فيما قال:
روحت يم الممقابر وابتديت السلام عند قبر عليه من المصايب وسوم
قامت العين تدمع بين صمت وكلام والمحاجر تذارف والكلام معدوم
وإني أشاطر أخي فيما أصابه، وأوصيه بالصبر والاحتساب، وأن يعلم أن هذه المصيبة دواء نافع ساقه الله عز وجل إليه، وهو العليم الخبير، فليصبر على تجرعه، وليعلم أن المصيبة ما جاءَت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، وأن الله عز وجل يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال، فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال. وهنيئاً لحبيبي بره بها وعنايته وخدمة أهله لوالدته فزوجته وبناته وأبناؤه تركوا الأسفار وحرموا أنفسهم من التنزه في البر ورابطوا عندها بتوجيه من والدهم وعايشت من برهم وحرصهم وخدمتهم ما يعجز عن وصفه اللسان وجزاؤهم عند ربهم
أسأل الله عز وجل أن يرحم والدتنا أم فراج رحمة واسعة، وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأن يمد لها في قبرها مد بصرها، وأن يجمعنا بها ووالدينا وإخواننا وأزواجنا وذرياتنا في جنات النعيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.