الإسلام والعمل
الإسلام جعل العمل السلاح الرئيسي لمحاربة الفقر، وجعله السبب الأول في جلب الثروة، وهو الوسيلة الأولى في عمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان وأمره أن يعمرها، قال تعالى:[هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ..]، وقال تعالى:[فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ..]، وجعل الله تعالى طلب الرزق وسيلة لإعفاف النفس والأهل والاستغناء عن الناس، لذلك جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على طلب الرزق عن طريق التجارة كقوله صلى الله عليه وسلم:التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ، وقال أيضاً في الحث على الغرس والزراعة:ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة، وقال أيضاً في الحث على الصناعات والحرف:ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وقال أيضاً:من بات كالاً من طلب الحلال بات مغفوراً له.
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً بنفسه وبالرسل الكرام من قبله في هذا المجال، فقال:ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:ما من حال يأتيني عليها الموت _ بعد الجهاد في سبيل الله _ أحب إليَّ من أن يأتيني وأنا ألتمس من فضل الله، ثم تلا قوله تعالى:[وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ..].
ولا عجب أن نرى في أئمة الإسلام وأكابر علمائه الذين سارت بهم الركبان،ولا زالت الأجيال تنهل من تراثهم وما خلفوه من ثروة علمية هائلة كثيراً منهم اشتهروا بالحرف والصناعات التي يتعيشون منها، كالبزَّار، والقفَّال، والزجَّاج، والخرَّاز، والجصَّاص، والخوَّاص، والخيَّاط، والصبَّان.
إن عمل الإنسان هو وظيفة عقله وبدنه، فإن لم يباشر الإنسان العمل حال دون وظيفته في الحياة، فعقلُ الإنسان لابد أن يفكر، وبدنه لابد أن يتحرك، وهنا يجد العامل متعته في هذه الوظيفة السامية، فصاحب العمل العقلي يسأم الحياة ويملّ القعود دون قراءة أو كتابة، وصاحب العمل البدني يخيم عليه الضيق ويتملكه الإحساس بالضجر وبعدم الرضى إن هو لم يتحرك للعمل والعطاء والبناء، فالعمل في الحياة هو السبيل لتحصيل الرزق، والتمكن من العيش.
إن على أبناء المجتمع المسلم أن يعملوا متضامنين على سد كل ثغرة في بنيان مجتمعهم، وأن يبحثوا عن الأعمال والمشروعات والحرف والصناعات التي تفتقد إليها بلادهم في كل مجال.
وبمناسبة بداية عام هجري جديد أوجه ندائي لشبابنا المسلم الطموح الذي يحمل همّ نفسه وهم وطنه أن يأخذوا بالأسباب وأن يبذلوا الجهد من أجل نفع أنفسهم ونفع وطنهم، وسوف يرون ثمار بذلهم حين يجني كل زارع ما حصد، فمن توكل على الله واستعان به في طلب الرزق الحلال فسوف يمده بعطاءه ويفتح له أبواب الخير على مصراعيها،وليسعى كل شاب ليصل إلى الهدف الذي يرجوه وترجوه منه بلاده، فاستصحبوا النية الصالحة الطيبة أيها الشباب، وثابروا واجتهدوا، والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى، وفق الله الجميع لهداه، وجعل عملنا في رضاه، ورزقنا الكسب الطيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار