هكذا فليكن العلماء
العلماء الربانيون هم الذين اتصفوا بالصفات الحميدة كالصدق، والأمانة، والتواضع، والحلم، والصبر، والرفق، واللين، وهم الذين أحبوا الخير للآخرين، وقد أكرمهم الله بأعظم الكرامات وميَّزهم بأجمل الخصال حتى أصبحوا للقلوب والأبدان كالطعام والشراب، والعافية والصحة للأجساد، فهم كالشمس للدنيا، ولذا ميَّزهم ربهم على غيرهم، قال الله تعالى:[قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ].
والعلماء أكثر الناس خشية، وهم المرجع في أمور الدين والدنيا لعلمهم بالكتاب والسنة، وهم أكثر الناس أجراً لأنهم يعيشون لأنفسهم ولغيرهم، وهم السالكون طريق الجنة، وهم العظماء الذين عظمهم خالقهم، وهم ورثة الأنبياء، وهم الذي لا يشقى بهم جليسهم، وهم الذين تهرب الشياطين من مجالسهم لأن مجالسهم تحضرها الملائكة وهي لا تجتمع مع الشياطين.
وفقد هؤلاء العلماء مصيبة من المصائب وألم من الآلام، وحسرة من الحسرات، فهم ثلمة لا تسد، وكسر لا يجبر.
ولقد ودعت محافظة الزلفي مساء الخميس:2/2/1427هـ عالماً من خيرة علمائها وفاضلاً من خيرة فضلائها، وداعية من خيرة دعاتها؛ إنه العالم العامل شيخنا ووالدنا عبد الله بن سابح الطيار، أستاذ الجيل الذي تخرج على يديه عامة طلاب العلم من هذه المحافظة، وكان له فضل عليهم بعد الله تربية وخلقاً وعلماً، لأنه صاحب الصدر السليم، والمحامد العالية، والمكرمات الكثيرة، وهو من الرواد الأوائل المعتنين بكتب التراث، ولذا تزخر مكتبته بأمهات الكتب في طبعاتها القديمة.
ولقد كان لجنازته شهود عجيب يدل على ما يكنه له أهل هذه المحافظة من حب ووفاء إذ كان بعيداً كل البعد عما فيه حساسية.
ولقد كان من أبر الناس وأكثرهم صلة لأقاربه وقريباته، لا يسمع منه إلا الخير، ولا يرى منه إلا الخير فرحمه الله رحمة واسعة.
وقد ولد شيخنا في الزلفي عام 1354هـ، ونشأ في كنف والديه ورعايتهما، وقد قرأ القرآن صغيراً وهو في العاشرة من عمره، وتعلم مبادىء العلوم على مشايخ بلده، ثم التحق بالمدرسة السعودية بالزلفي، ولم يكمل دراسته، فذهب إلى الرياض لطلب الرزق، ثم أصبح قارئاً على الشيخ إبراهيم ابن سليمان الراشد وانتقل معه إلى وادي الدواسر حينما عين قاضياً بها، ثم رجع إلى الرياض بعد وفاة الشيخ الراشد، وفي عام 1375هـ التحق بمعهد الرياض العلمي وكان مديره آنذاك الشيخ عبد اللطيف ابن إبراهيم آل الشيخ، وتخرج من المعهد عام 1381هـ، وفي عام 1382هـ التحق بكلية الشريعة بالرياض وتخرج منها عام 1385ـ 1386هـ ، وفي عام 1407هـ حصل على الماجستير من كلية أصول الدين بالرياض، وكان عنوان رسالته (الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي مفسراً).
وقد تولى من الأعمال الشيء الكثير ومنها أنه عين كاتباً في مصلحة الضمان الاجتماعي، وفي هذه الأثناء كان منتسباً في كلية الشريعة بالرياض، وفي عام 1386هـ عين مدرساً بمعهد الزلفي العلمي، ثم مديراً له إلى أن تقاعد عام 1414هـ.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في الفردوس الأعلى، وجمعه بوالديه وإخوانه وأخواته ومشايخه وطلابه في جنات النعيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الجمعة: 3/2/1427هـ