فضل شهر الله المحرم
الحمد لله الذي تابع على عباده مواسم الطاعات، وأثابهم على قليل العمل بجزيل العطايا والهبات، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الليالي والأيام مواسم لفعل الصالحات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل البريات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فإن من نعم الله على عباده أن يوالي عليهم مواسم الخيرات ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فما إن انقضى موسم الحج المبارك إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، فإليكم وقفات قليلة مع هذا الشهر الكريم المبارك:
* صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم)(رواه مسلم)، وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله دلالة على شرفه وفضله، فإن الله تعالى يخص بعض مخلوقاته بخصائص ويفضل بعضها على بعض، وقال الحسن البصري رحمه الله: (إن الله افتتح السنة بشهر حرام، واختتمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من شدة تحريمه).
* وفي هذا الشهر المبارك يوم عظيم حصل فيه حدث فاصل، نَصَرَ اللهُ فيه الحق وأزهق الباطل، أنجى الله نبيه موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقومه، وأغرق فرعون وقومه، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم.
فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)، قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم)، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه(رواه البخاري).
* وصيام هذا اليوم فضله عظيم لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحتسب على الله أن يكفر صيام هذا اليوم السنة التي قبله)(رواه مسلم). وقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته أن لا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)(رواه مسلم).
وبناء على أن الهلال قد رؤي ليلة الأربعاء، فمن أراد الصيام فليصم كالآتي:
* من أراد أن يصوم ثلاثة أيام وهي أكملها؛ فليصم الخميس والجمعة والسبت.
*ومن أراد صيام يومين فليصم التاسع والعاشر مخالفة لأهل الكتاب وهما الخميس والجمعة.
* أو ليصم العاشر والحادي عشر؛ وهما الجمعة والسبت.
* ومن أراد صيام يوم واحد وهو العاشر؛ فليصم الجمعة، ولا كراهة بإفراده بالصوم لأن المسلم يصومه على أنه عاشوراء لا على أنه يوم الجمعة. وأيها عمل به المسلم فهو على خير إن شاء الله.
واعلموا أن اغتنام الطاعات في هذا الشهر المبارك ثوابها جليل مضاعف، وأن خير غراس وخير كنز ادخره المرء لنفسه هو العمل الصالح، قال تعالى:[ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً](الكهف:46).
وقال الشاعر: تزود من الدنيا فإنك راحل* * * وبادر فإن الموت لاشك نازل
فوصيتي لإخواني وأخواتي بالتزود من الأعمال الصالحة فهي خير زاد ليوم المعاد، قال تعالى: [وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ](البقرة: 281). أسأل الله الكريم بمنه وفضله وجوده وإحسانه أن يوفقنا وإياكم للتزود من الصالحات،وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته ووالدينا وجميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. 1/1/1429هـ