من آداب الطريق

الخميس 13 ذو القعدة 1439هـ 26-7-2018م

بقلم الدكتور عبد الله بن محمد الطيار عميد كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن والاهم بإحسان إلى يوم الدين… وبعد…

فإن من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن جعل لها الإسلام الحنيف منهجاً متكاملاً للحياة… يقودها إلى الصواب، ويشيع فيها الأمن والسلامة وكريم الأخلاق، وجميل السجايا، وطيب الفضائل، وأقوم سبل السلوك البشري في الحواضر والبوادي… في المزارع والمصانع… في المساكن والمدارس… في الحافلات والقطارات… في الأزقة والطرقات…

وقد سارت بلادنا بفضل الله تعالى وفق منهج الإسلام وآدابه منذ انبثقت فيها ضياء النور والهدى، فأضحى الأمن دوحة تظلل كل مواطن ومقيم… وتفرغ الناس للعمل المستمر، فأطلت على الدنيا بثوب حضاري متميز، ومكانة إسلامية عالمية فريدة.

ومن آداب الإسلام التي حرصت بلادنا على التزام بها وغرسها في الناشئة والشباب: آداب الطريق، باعتبارها أهم الفضائل في تكوين الأنفس السوية، وتقويتها بالوازع الداخلي الرادع حتى في غياب الرقابة من السلطة أو المجتمع، وتعويدها على شكر النعمة وعدم إهدارها، واحترام مشاعر الآخرين… ومحارمهم…

فالإسلام ـ والحالة هذه ـ قد صاغ آداب الطريق بحيث يأخذ بها المؤمنون أنفسهم، يزاملونها ويتفيأون في ظلالها، ويتعايشون فيما بينهم على هداها: بالفعل القويم، والسلوك السوي، والتوجه الصادق، والسمت السليم.

من ذلك أن الإسلام يحث على التزام بآداب السير في الطريق، باعتبارها مسئولية جماعية، وتعاون على البر والتقوى مع المسئولين عن تنظيمه، حتى يبلغ الجميع ـ بمشيئة الله تعالى ـ السلام والنجاة من حوادث السير المرعبة… والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة… وذلك يقول الحق تبارك وتعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] سورة النحل الآية 97.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سوء استخدام الطريق، ومجالس الطرقات، ففي حديث رواه مسلم عن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه، قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث فيها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علينا فقال: (مالكم ولمجالس الصعدات [يعني الطرقات] اجتنبوا مجالس الصعدات، فقلنا إنما قعدنا نتذاكر ونتحدث. قال أما لا، فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام).

وهكذا علمنا معلم البشرية ورسول الهدى عليه الصلاة والسلام كيف نصون محارم الآخرين في الشوارع وعند إشارات المرور… ففي حديث رواه الحاكم وصححه، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام.

(النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافة الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه).

كما حدد الإسلام آداب السير في الطرقات بنهي النساء عن جذب انتباه الرجال إلى ما خفي من زينتهن بالعطور أو الرنين والدق بالأقدام… قال تعالى: [وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ] سورة النور الآية 31 وليس معنى ذلك أن تظل المرأة حبيسة البيت لا تخرج منه إلا إلى القبر، فالإسلام أباح لها الخروج من بيتها واستخدام (الطريق) فيما شرعه الله… للصلاة… وطلب العلم… وقضاء الحاجات، وكل غرض ديني ودنيوي مشروع… كما كانت تفعل نساء الصحابة ومن بعدهم من خير القرون… فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري: (قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن).

ولم يفعل الإسلام نظافة الطريق، بل حث على الحفاظ عليها… فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود… وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا اليهود). رواه الترمذي وقال حديث حسن.

وعن أبي برزة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعزل الأذى عن طريق المسلمين) أخرجه مسلم وابن ماجه.

من هنا نجد في الإسلام المنهج السليم الذي يكفل سلامة الناس في الطريق، ويحدد لهم البعد الإنساني الرحب للقيادة والسير والمعاملات… فليكن هذا المضمون الجامع دائماً وأبداً نصب أعيننا حتى نكون ممن قال الله فيهم: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً] سورة النور الآية 55.
وأملنا في الله تعالى أن تتواصل مسيرة الخير والأمن في طريق غدنا المشرق بإذن الله. . . والله الهادي إلى سواء السبيل. . .

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.