الصيام فرصة لاستجابة الدعاء زيادة حجم الخط
قال الله تعالى: [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
وهذا إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده القرب اللائق بجلاله الذي وردت النصوص بإثبات قربه من جميع خلقه بعلمه المحيط بهم ورقابته على جميع أحوالهم فهو الرقيب على كل شيء المحيط بكل شيء وصدق الله العظيم: [عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ] [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ].
وقربه من عابديه وداعيه بالمعونة والتوفيق والإجابة. وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت عنه فأنزل الله عليه هذه الآية [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي].
ولما كان في الصيام إعداد لذكر الله وشكره والتقرب إليه بمزيد من الطاعات والضراعة إليه بالدعاء لقوة الرجاء ناسب أن يأتي العليم الخبير بهذه الآية مع آيات الصوم كجواب لسؤال متوقع ممن يؤدي هذه العبادة أو يصدر منه الدعاء وهو يطلب الإجابة من المدعو سبحانه وتعالى.
والآية تفيد بأن من يطيع الله ويستجيب لأوامره بصدق وإخلاص أنه مظنة استجابة دعائه والدعاء من أنفع الأدوية وأسرعها فرحاً ونجاحاً وهو سر كشف البلاء يدفعه ويقاومه وأحياناً يمنع نزوله وأحياناً يخفف وطأته إذا نزل وأحيانا يرفعه بالكلية بعد نزوله وهو من أقوى وأمضى الأسلحة المعنوية للمؤمنين روى الحاكم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض).
وقد ذكر بعض أهل العلم أن للدعاء مع البلايا والمصائب ثلاث مراتب:
الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من المصيبة التي وقعت وذلك كدعاء المضطر الخائف المشفق المحقق لطاعة الله المتنزه عن المعاصي فهذا أدعيته سهام نافذة صائبة تقضي على كل بلاء ومصيبة.
الثانية: أن يكون الدعاء أضعف من المصيبة حال صاحبه فيما بينه وبين ربه فهذا لا يدفع المصيبة لضعف مقاومته ولكنه يخفف وطأتها.
الثالثة: أن يكون الدعاء موازيا للبلاء والمصيبة فيتقاومان ويمنع كل واحد منهما الآخر.
ومن الخير للعبد المؤمن أن يلح على الله بالدعاء فالله جل وعلا يحب الملحين بالدعاء ويحب كثرة سؤاله والتضرع إليه وصدق من قال:
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضب
وقد روى الحاكم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنهما وعن أبيها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع بما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة).
وأخرج أيضاً عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
ومادام الدعاء سلاحاً فإن تأثيره بقوة مستعمله ومعرفته بحقيقة الاستعمال ودون ذلك لا ينفع وإن نفع كان نفعه ضعيفاً فمتى كان السلاح تاماً صالحاً لا عيب فيه وكان حامله قوياً رابط الجأش ثابت العزيمة ولم يحصل مانع دون نفوذه إلى هدفه فإنه يكون مجدياً بإذن الله لتوفر الأسباب وفقدان الموانع.
وهكذا الدعاء إن كان صالحاً في نفسه والداعي قد جمع بين قلبه ولسانه وصدق في لجوئه إلى الله وحسنت علاقته بربه وأخلص في توبته إلى الله وزالت الموانع من الإصرار على الذنب وأكل الحرام وقطيعة الرحم والتلبس بمظالم الخلق فهنا سيحقق الدعاء مفعوله وتظهر منفعته.
وصدق الله العظيم: [فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
فالاستجابة لله يجب أن تتحقق والإيمان الصحيح بالله يجب أن يحصل، روى الإمام أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول ـ لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين).
وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها قال بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها).
وقد ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (من كثرت همومه وغمومه فليكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله).
وقد ختم الله الآية بقوله: [لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ] والمقصود بالرشد هنا الصلاح في جميع شؤون الحياة فكل عمل إذا لم يكن صادراً عن روح الإيمان فلا يرجى الرشاد لصاحبه ولا الهداية والاستقامة في طريقه كمن يصوم إتباعاً للعادة أو موافقة لأهله وبني قومه وإذا بعد عنهم ترك الصيام والعياذ بالله فهذا لا يهيئه الصيام للتقوى ولا يعده للرشاد، بل ربما زاده فساداً في أخلاقه وضراوة في شهوته. ومثله من يصلي ببدنه دون قلبه فصلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر فتجده يرتكب العظائم من انتهاك الأعراض وسلب الأموال والغش والوقوع في الفواحش وعلى قدر استشعار المؤمن لموقف العرض على الله والخوف منه بقدر ما يبتعد عن هذه الموبقات وتزكو نفسه وأخلاقه ويكون صيامه خالصاً لله يتعبد فيه بكل ثانية من الوقت لأنه سر بينه وبين خالقه ولذا تظهر عليه أخلاق المؤمنين وتصوم جوارحه كلها عن الوقوع في الحرام، وهكذا أمة الإسلام أفراداً وجماعات متى سادت فيها الأخلاق بقوة العقيدة ارتفع شأنها وعز سلطانها وأصبحت متماسكة كالبنيان ولذا تكون مهيبة الجانب يحسب لها الأعداء ألف حساب.
أسأل الله أن يوفقنا للدعاء الصادق وأن يستجيب لنا ويمنحنا الرشد والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.