عظم الأمانة في العمل (الخيري)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد جاء الإسلام العظيم بأجل القيم الخلقية والأخلاقية، والتي تحفظ للمجتمع المسلم أخلاقه وقيمه ومعاملاته، ومن أجل تلك القيم التي حض عليها الإسلام وأوجبها صفة الأمانة التي تعتبر من أجل الفضائل، وهي الأساس لجميع الأعمال.
وقد ألزم الإسلام الناس بها إلزاماً، وأوجبها عليهم وجوباً، ودعا إلى أدائها في جميع الأمور التي تتصل بالفرد والمجتمع، قال تعالى [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً](النساء: الآية 58)، وقال صلى الله عليه وسلم (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)(رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد)، وقال تعالى مادحاً عباده المؤمنين[وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ](المؤمنون:الآية 8، والمعارج: الآية 32).
فالأمانة في الإسلام مفهومها شامل كامل لسائر أمور الدين والدنيا.
والأمانة إذا قامت مقامها الحقيقي في قلوب الخلق قام الجميع بحقوق الله عز وجل وحقوق عباده.
ولقد قامت في بلاد الحرمين الشريفين ـ حفظها الله من كل سوء ومكروه ـ في العقود الماضية العديد من المؤسسات الخيرية المتخصصة في أعمال الدعوة والتعليم، والبر والإحسان والإغاثة، ونحو ذلك مما حث عليه ديننا الحنيف، وبرزت جهودها المباركة في ميادين مختلفة داخل البلاد وخارجها، وقد آتت هذه المؤسسات ـ ولله الحمد والمنة ـ ثماراً يانعة، وتركت آثاراً عظيمة على المنتفعين من برامجها وأنشطتها المتعددة والمختلفة.
ومن تلك المؤسسات جمعيات البر الخيرية، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، ومكاتب الدعوة، وتوعية الجاليات، والجمعيات المسؤولة عن رعاية الأيتام والعناية بهم، وغيرها من الجمعيات الخيرية التي ساهمت ولا زالت تساهم في العديد من أبواب الخير والبر، وهذا يعكس التطور الكبير الذي يسير عليه العمل الخيري في هذا العصر.
وقد قام على تلك الجمعيات نخبة منتقاة من أبناء هذا الوطن الغالي، معروفون بالعلم، والأمانة، والحرص على نفع الناس، وتلك النخبة من الناس حملهم الله تعالى أمانة عظيمة لا يستطيع القيام بها إلا من كان عمله ابتغاء وجه الله تعالى وطلباً لمرضاته، ولديه المرجعية الشرعية التي يستند إليها في عمله الخيري، كي يصل إلى المستحقين من الأيتام والأرامل والعجزة والمسنين، والفقراء والمساكين، وغيرهم ممن شملهم العمل الخيري.
وقيام هؤلاء بهذا العمل العظيم راجع إلى الحرص على طلب الأجر والثواب، وإدخال السرور على المسلمين، وتفريج كرباتهم، وقضاء حوائجهم، والسعي في أمورهم وشؤونهم.
وإني أهنئ هؤلاء وأبشرهم بفضل الله تعالى ورحمته، وأنهم يسيرون على نهج نبيهم وحبيبهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أفضل الخلق في بذل الخير والمعروف والإحسان إلى الخلق.
فسيروا على بركة الله تعالى، واحرصوا على تلك الأمانة التي أناطها الله بكم، وانظروا في أموركم بحكمة وأناة، واصبروا وصابروا ورابطوا، وابذلوا القليل يعود عليكم بالكثير، واعلموا أن أفضل العباد من قام على حاجات إخوانه المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا)(رواه الطبراني 2/106).
بارك الله في جهود القائمين على تلك المؤسسات الخيرية وجعل ما يقومون به في موازين حسناتهم يوم يلقون ربهم، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياهم لكل خير وبر، وأن يجعلنا وإياهم من المباركين أينما كنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
في: 18/4/1432هـ