المظاهرات إثارة للفتنة وكفر بالنعمة
فاعلم أخي الكريم أن الله جل وعلا يقول [وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ](آل عمران الآية105).
ويقول تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا](آل عمران الآية103).
ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)(رواه مسلم).
فالعلاج لعلل المسلمين وأدوائهم هو الاجتماع على الحق والخير، والانتصار للسنة، ومحاربة البدعة وقمعها، والاجتماع المنشود والمأمور به ليس مجرد الاجتماع فقط بل الاجتماع على منهج واحد، وطريق واحد هو طريق أهل السنة، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولن يتحقق ذلك إلا بنشر العلم المستمد من الكتاب والسنة، والصدور عن العلماء الكبار الموثوق بهم، السائرين على طريق سلف الأمة في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها، وهذا المسلك هو طوق النجاة بإذن الله لأمة الإسلام التي لم تصب ـ حسب علمي ـ بعلة أخطر من علة التفرق والاختلاف.
ولزوم الجماعة واجب، وهو من مسلمات الدين، وقد تقرر عند أهل السنة والجماعة في معتقدهم أن الجماعة حق، وصواب، والفرقة زيغ، وعذاب.
وأن الطاعة لولي الأمر واجبة، وأن الخروج عليه أمر محرم، وهو من أخطر الأشياء لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي تلحق الأفراد والمجتمع، فالسمع والطاعة لولاة الأمر أصل من أصول العقيدة عند المسلمين؛ إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معاً، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا، وقد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله).
وقد تضافرت النصوص الصحيحة الصريحة في تقرير هذا الأمر، ومن هذه النصوص: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: الآية59).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك)(رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني)(رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)(رواه مسلم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)(رواه البخاري ومسلم).
وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(رواه مسلم).
هذه النصوص الصحيحة الصريحة وغيرها تفيد بمجموعها وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله، وعدم إثارة الفتن مهما كان الدافع لها، وتوجب هذه النصوص لزوم الجماعة، والنهي عن الفرقة لأن فيها خذلان الأمة وضعفها، وهذا المنهج الواضح البين هو الذي سار عليه سلف هذه الأمة، وأكدوا عليه فيما نقل عنهم من كلام حول هذه النصوص، ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولابد لهم عند الاجتماع من الحاجة إلى رأس)(السياسة الشرعية، ص184)
وقال أيضاً:(…. ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان)(السياسة الشرعية، ص176).
وقال ابن القيم: (… وقوله ولزوم جماعتهم هذا أيضاً مما يطهر القلب من الغل والغش فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها ويسوؤه ما يسوؤهم ويسره ما يسرهم، وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم لهم)(مفتاح دار السعادة، ج1/ص72).
إن منهج أهل السنة والجماعة مع ولاة أمرهم منهج وسط عدل يقوم على أساس الإتباع وعدم الابتداع والطاعة بالمعروف، وهذا مقتضى الأثر الذي تضافرت حوله النصوص الشرعية التي أشرنا إلى طرف منها، وقد أكد ذلك سلف هذه الأمة تطبيقاً عملياً لهذا المنهج، وبلادنا تنهج هذا النهج وتسير عليه حيث قامت على التوحيد وبنت دستورها على شريعة الإسلام ورايتها الخفاقة تحمل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا تنكس بحال من الأحوال، وما نعيشه اليوم في بلادنا الغالية من نعمة الأمن والأمان والسلامة والإسلام مرده إلى تحكيم شرع الله، ولذا فمحبة ولاة الأمر والنصح لهم عقيدة ودين، وهو دليل الصدق والإخلاص، وهذا ديدن العلماء الصادقين في كل زمان مع ولاتهم الذين يحكمون بالكتاب والسنة، وإذا كانت الأمة مطالبة في كل وقت أن تكون يداً واحدة، وأن تتعاون كل فئات المجتمع على الخير والبر، فإنها مطالبة في هذا الوقت أكثر لعظم الأخطار المحيطة بها، وصدق الحبيب المصطفى صلى لله عليه وسلم القائل: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)(رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)(رواه البخاري ومسلم).
ومن التعاون على الخير والبر النصيحة الصادقة المخلصة التي تكون في مكانها دون تشهير أو إظهار للمعايب، ودون مبالغة أو تحجيم للأخطاء ولا سيما إذا كان المنصوح من أهل الفضل وأصحاب الحقوق كالعلماء والولاة والوالدين ورجال الحسبة وغيرهم، فهؤلاء تتأكد النصيحة لهم ولكن حسب ما يناسبهم وتكون سرية سواء كانت مشافهة أو بالكتابة، المهم أن يؤدي المسلم ما يجب عليه تجاههم بأسلوب شرعي يؤلف ولا ينفر ويقرب، ولا يبعد وتتحقق معه المصلحة من النصيحة، ولا تتحول إلى فضيحة أو تعيير، قال شيخنا العلامة محمد بن عثيمين: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهو صدق الولاء لهم وإرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها، ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم ما لم يأمروا بمعصية لله، واعتقاد أنهم أئمة متبوعون لما أمروا به لأن ضد ذلك هو الغش والعناد لأوامرهم والتفرق والفوضى التي لا نهاية لها.
ولأنه لو جاز لكل واحد أن يركب رأسه، وأن يغتر برأيه، ويعتقد أنه هو المسدد للصواب، وهو الذي لا يدانيه أحد لزم من ذلك الفوضى والتفرق والتشتت) (حقوق الراعي والرعية، ص6، 7، 8).
وبهذا يتبين لك أخي الكريم خطورة المظاهرات وآثارها على البلاد والعباد إذ يحصل بسببها التعدي على الأنفس والأموال والممتلكات وما يصاحبها من الاختلاط والتبرج والسب والسخرية والغيبة، وفيها هجر للمساجد حتى الجمعة لا تقام فيها، وأخطر من ذلك وأعظم أن فيها خروجاً على ولي الأمر، وافتياتاً عليه، وإثارة للعوام، وإشعال نار الفتنة، وفيها إخلال بالأمن وهدم لاقتصاد البلاد، وتعطيل للمصالح الخاصة والعامة وفيها فتح لباب الفساد وتسلل المجرمين والمغرضين الذين يسرهم الإخلال بالأمن وتطيب نفوسهم بزرع الفتنة.
ولذا لا يساورني شك أن المظاهرات بكل أشكالها وأنواعها محرمة ونصوص الكتاب والسنة تمنعها ولا سيما في بلادنا التي تحكم بشرع الله وتتحاكم إليه ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
فحذار حذار من دعوات المغرضين، وتشويش الحاقدين، والزموا غرز العلماء، واصدروا عن رأيهم، واحذروا من إثارة الفتن، وكونوا يداً واحدة، وحصنا قوياً مع علمائكم وولاة أمركم، واصفعوا بالوحدة فيما بينكم ولزوم الجماعة، هؤلاء المجرمين الذين سخّروا إعلامهم وأقلامهم وقنواتهم ومنتدياتهم للنيل من بلاد التوحيد معقل الإسلام ومنطلق الرسالة ومأرز الإيمان.
حمى الله بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ورد الله كيد الأعداء إلى نحورهم وجنبنا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن وزاد الله بلادنا تمسكاً بشرعه المطهر، وأسبغ علينا نعمة الأمن والإيمان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
5 – 4 – 1432هـ