أحكام صلاة المرأة في الحرمين
أ.د عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
بجامعة القصيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.أما بعد: فإن أعظم ما يُنْعِم الله به على عبده المسلم أن يوفقه لاتباع سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولزومها وعدم مخالفتها ، قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (سورة النور الآية:61) ، قال الإمام أحمد- رحمه الله- : (أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.) ومما ينبغي للمسلم العاقل أن يعلمه ويكون على بينة منه أن الأعمال الصالحة تتفاوت في أجرها وثوابها ، ولا سبيل لمعرفة الحسن والأحسن منها والفاضل والمفضول من الأعمال الصالحة إلا بالوقوف على ما جاء في الكتاب وصحيح السنة ، مسترشدين في هذا بأقوال العلماء العاملين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان ، فإن العمل وإن كان حسنا يثاب فاعله ، قد يكون تركه لما هو أولى وأحسن منه أعظم ثوابا عند الله تعالى. والمسلم الذي يبتغي بعمله الأجر والثواب من الله تعالى ينبغي أن يكون هذا الأمر منه على بال ، وأن يحاول ما استطاع جاهدا أن يعلم أحسن العملين فيعمله وإن كان خلاف ما تهوى نفسه. والمرأة كالرجل فيما ذكرناه فلقد عنيت الشريعة بتكريمها أشد العناية، فأحست المرأة بالحياة، حيث أعطاها الإسلام عزاً وكرامة لم تكن لها من قبل، فغدت تتمتع بحياتها وحقوقها في ظل عدل الإسلام. ومن أهم الأمور التي عنيت بها الشريعة تجاه المرأة المسلمة أن جعلت لها أحكاماً تخصها في بعض جوانب العبادات ومن ذلك الصلاة. فمع أنها كالرجل في جميع هيئات الصلاة على القول الصحيح، إذ ليس هناك دليل يخصها عن الرجل في ذلك، إلا أن هناك بعض الأحكام التي انفردت بها عن الرجل إذا زاحمته في المسجد. ولما كان الحرمان الشريفان أكثر المساجد التي تهوى القلوب الصلاة فيهما كانت الحاجة ماسة لبيان بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة في جانب الصلاة عند خروجها إلى الحرمين وسأذكر من خلال هذا المقال جانباً من هذه الأحكام: وعنه _ أيضاً _ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي ؟ قَالَ : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” [ رواه البخاري ] . وعن عائشة – رضي الله عنها – : قالت :”كُنَّ نساء المؤمنات يَشْهدْنَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجر مُتَلفِّعات بمرُوطِهِنَّ ثم يَنْقَلِبْنَ إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ، لا يعرفهن أحد من الغلس ” ، وفي رواية : ” ثم ينقلبن إلى بيوتهن ، وما يُعرَفنَ من تغليسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة ” [ متفق عليه ] . وفي رواية أخرى للبخاري : ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغَلَس ، فينصرِفنَ نساء المؤمنين لا يُعرَفنَ من الغلس ، ولا يَعرِفَ بعضُهُنَّ بعضاً “. قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: “واستُدل بهذا الحديث على جواز إدخال الصبيان المساجد , وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه ، وعلى جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال.”( فتح الباري 2/202) وقال النووي – رحمه الله -: تعليقاً على حديث ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ” قال: (هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها “.( شرح صحيح مسلم (2/186).) ومن خلال هذه النصوص وغيرها نقول بأنه يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد عموماً ، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه، فإن كانت متكشفة قد بدا من بدنها ما يحرم على الأجانب النظر إليه أو كانت متطيبة فلا يجوز لها الخروج على هذه الحالة من بيتها فضلاً عن خروجها إلى المساجد وصلاتها فيها، لما في ذلك من الفتنة. وقد ثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ). وفي رواية:(إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا) رواهما مسلم. وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس ، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت: سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ:(لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. رواه مسلم. فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل نفوس ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة. ثانياً: هل صلاة المرأة في بيتها أفضل أم في المسجد الحرام ؟ قال الإمام ابن كثير – رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : “وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن لما رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود – رضي الله عنه – عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا)”. قال الإمام القرطبي – رحمه الله – : في تفسيره لهذه الآية أيضاً “لما قال تعالى : (رجال) وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظ لهن في المساجد إذ لا جمعة عليهن ولا جماعة وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل. روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ – رضي الله عنه – :عَنْ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا)”. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – : “اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد، ولو كان المسجد مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وبه تعلم أن قوله – صلى الله عليه وسلم – : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» خاص بالرجال، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد.”( أضواء البيان . (5/759).) ومن أدلة السنة الدالة على أن صلاة المرأة في بيتها أقضل من صلاتها في المسجد حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ – رضي الله عنه – عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ – رضي الله عنها – امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي ، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي.) قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وحسنه الألباني. وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في برنامج نور على الدرب “صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد ـ وإن كان يجوز لها الصلاة في المسجد ـ حتى ولو كان هذا المسجد هو المسجد الحرام أو مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ” وأما قيام رمضان فإن من أهل العلم من يقول: إن الأفضل للنساء حضور القيام في المساجد مستدلين لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وصلى بهم في قيام رمضان، وبأنه روي عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أنهما كانا يأمران رجلاً يؤم النساء في المسجد. والصواب عندي والله أعلم أن الأفضل في حق النساء أن صلاتها في بيتها أفضل مطلقاً أي سواء كانت فريضة أو نافلة إلا إذا ورد نص واضح على أن صلاتها في المسجد الحرام أفضل، ولكن لو جاءت وحضرت فيرجى لها أن تنال الأجر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) رواه أحمد وصححه ابن حبان، أما إذا كان يترتب على حضورها فتنة فلا ريب أن بقاءها في بيتها أوجب . وما استدل به بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهله وصلى بهم في قيام رمضان، وبأنه روي عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. فنقول كون النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أهله ليس بصريح أنه يجمعهم في المسجد الحرام أو في بيتها؟ أما ما ورد عن عمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فهو ضعيف لا تقوم به الحجة. ثالثاً: إذا صلت المرأة في أحد الحرمين فهل تقطع صلاة من مرت أمامه ؟ رابعاً : صلاة النساء أمام الرجال في الحرمين. خامساً: حكم صلاة المرأة بمحاذاة الرجل. والثاني: لا تبطل،كقول مالك والشافعي، وهو قول ابن حامد والقاضي وغيرهما، مع تنازعهم في الرجل الواقف معها: هل يكون فذاً أم لا؟ والمنصوص عن أحمد بطلان صلاة من يليها في الموقف” (الفتاوى الكبرى (2/325). سادساً: حكم اقتداء المرأة وهي في شقتها بإمام أحد الحرمين. وسئل سماحة الشيخ ابن باز عن هذه المسألة فأجاب بقوله : “إذا كانت لا ترى الإمام ولا المأمومين فالأحوط لها أن تصلي وحدها ولا تتابع الإمام” (مجلة البحوث الإسلامية 30/110). سادساً : أفضل صفوف النساء آخرها. سابعاً : تسوية صفوف النساء في الحرمين. وروى أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم و لينوا في أيدي إخوانكم و سدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم مثل الحذف”. ويشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال، من حيث تسويتها، وانتظامها، وإكمال الصف الأول فالأول منها، وسد الفرج فيها ،فهن شقائق الرجال ، ويؤمرن بتسوية صفوفهن كما يؤمر الرجال بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : “وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة”.رواه البخاري . |
||