هكذا عرفت الصابر المحتسب
الركون للصبر في مثل مقام فقد حبيب أمر واجب لأن مقادير الله نافذة، والعاقل الحصيف ينبغي أن يتحلى بالصبر حتى لا يحرم المثوبة والأجر، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى) (رواه البخاري ومسلم).
لقد قُرن اسم نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام بالصبر، فكلما ذُكر أحدهما ذكر الآخر، وأصبح اسم نبي الله أيوب مضرب الأمثال، فقالوا: «صبر أيوب».
وفي واقعنا عايشنا من يذكرنا بمثل هذه القمم الشامخة من الصابرين المحتسبين، وأحسب أن أخانا أبا حمود أحمد الباتل أحد هذه النماذج في وقتنا الحاضر.
يأتيه الذين يعودونه وهو على سريره فيبادرهم بالتحية والسؤال عن الأهل والأولاد والأحوال، لا تكاد الابتسامة تفارقه، يخرجون من عنده وقد وعظهم موعظة بليغة دون أن يتكلم، لكن صبره وجلده رغم المعاناة وشدة المرض كافيان في وعظ كل غافل عن نعمة الصحة والعافية، وقد ورد: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ، فيَقَول: انْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ؟ فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) (رواه مالك في الموطأ، والبيهقي في شعب الإيمان).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ نُودِيَ صَاحِبُ الْيَمِينِ: أَنْ أَجْرِ عَلَى عَبْدِي صَالِحَ مَا كَانَ يَعْمَلُ. وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ: أَقْصِرْ عَنْ عَبْدِي مَا كَانَ فِي وَثَاقِي)(رواه البيهقي في شعب الإيمان).
وصدق من قال:
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
ومن قال:
عليك بالصبر إن نابتك نائبة
من الزمان ولا تركن إلى الجزع
وإن تعرضت الدنيا بزينتها
فالصبر عنها دليل الخير والورع
والمرض إذا اشتد ضاعف الله به الأجر، ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها، والمؤمن في هذه الدنيا مبتلى بما يطهره من الذنوب والآثام، فإذا نزل به المرض فصبر واستسلم ثم فارق الدنيا فارقها بذنب مغفور نقياً طاهراً.
هكذا عرفت أخي الصابر المحتسب أحمد الباتل؛ ابتلي بأمور عديدة قد تخفى على غير المقربين منه وعايش أحداثاً في حياته يعجز عن حملها أشداء الرجال لكنه صبر وثبت وتحمل وخرج منها كلها بعزيمة الرجال الصابرين، فلا تراه إلا حامداً شاكراً.
ولعل آخر ما ابتلي به الحادث الأخير قبل سبع سنوات الذي ألزمه الفراش ومع ذلك لم تتغير أحواله وأحاديثه الجانبية، ونكته البريئة الخفيفة، وابتسامته الدائمة، ودعواته الصادقة لكل من جاء يزوره ويدعو له.
رحم الله أبا حمود؛ فكم من أبواب الخير فتحها؟ وكم من صنائع المعروف بذلها؟.
لقد توثقت علاقته بشيخنا ابن عثيمين قبل وفاته بسنوات، وكان الشيخ يزور أبا حمود في بيته وأهداه فسائل نخلة طيبة، استطاب الشيخ وهو في بيت أبي حمود ثمرتها فقال ما اسمها؟ وكانت لا تُعرف، بل هي نبتة لم تُسم بعد، ثم قال أبو حمود: اسمها نبتة الشيخ ابن عثيمين، فقال الشيخ: لا، سموها نبتة الشيخ فقط، وهكذا أصبح اسمها الآن مشتهراً ولا تُعرف إلا بهذا الاسم حتى عند العمالة الذين توجد في مزارعهم.
رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فسيح جناته، وأنزله منازل الشهداء الأبرار، وبوّأه الفردوس الأعلى من الجنة، وجعل البركة في عقبه وأقاربه، وجمعنا الله وإياه ووالدينا وذرَّياتنا ومشايخنا في جنات النعيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أ.د . عبد الله بن محمد أحمد الطيار – كلية التربية بالزلفي – جامعة المجمعة