خطبة بعنوان (عِظَمُ شَأْنِ الصّلَاةِ وَوُجُوب الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا) بتاريخ 11-5-1429هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام، وجعل الصلاة عمود الدين وشهادة على قوة الإيمان، وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قدوة الأنام القائل فيما صح من سنته [خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهدٌ إن شاء غفر له وإن شاء عذبه)(رواه أبو داود، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى رأس مال العبد يوم يلقى الله، والتقوى خير زاد ليوم المعاد، وبالتقوى تُغفرُ السيئات، وتُرفعُ الدرجات، ويُدخَلُ بسببها الجنات [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران)،.
عباد الله:إن الناس في خضم مشاغل الحياة المادية،وتعرضهم للمشاكل النفسية والتوترات العصبية يحتاجون حاجة ملحة إلى ما يُذهب عنهم هذه المشكلات لترتاح نفوسهم وتنشرح صدورهم، وتحل مشاكلهم، وتذهب همومهم وغمومهم، وهذه الراحة لا يمكن أن يجدها الناس إلا في ظل الإسلام وعباداته التي تمثل الدواء الحقيقي للمعاناة التي يتعرضون لها، وأخص العبادات هي الصلاة، فإن الصلاة لها أثر عظيم على النفوس والأبدان، وعن طريقها تصلح القلوب، وتطمئن بذكر علام الغيوب، وبها يستعين العبد على قضاء الحوائج وحل المشكلات،قال تعالى [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ](البقرة)، وقال أيضاً [وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر](العنكبوت)، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب بلالاً رضي الله عنه (قم يا بلال أرحنا بالصلاة)(رواه أحمد، وأبو داود وصححه الألباني في سنن أبي داود)، وكان صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر صلى)(رواه أحمد، وأبو داود وصححه الألباني في سنن أبي داود). وما ذاك يا عباد الله إلا لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي الرابط العظيم الذي يربطه بمولاه وخالقه، وهي ملجأه بين يدي رب العالمين عند سؤاله حاجاته، وتفريج كرباته، وهي التي تعينه على أمور دينه ودنياه.
فالصلاة شأنها عظيم، وأثرها كبير، وثمرتها مرجوة، وأجرها مضاعف، وصاحبها في الدنيا يحشر يوم القيامة في زمرة عباد الله الصالحين، وكيف لا وقد تمسك بها، وأداها على الوجه الذي أمره به مولاه.
عباد الله: في أيامنا هذه إذا دخل المسلم المسجد بعد الأذان لم يجد إلا القليل ممن يحرصون على التبكير لأداء الصلاة، فإذا أقيمت الصلاة جاء الناس يزلفون تباعاً تسمع خطواتهم، وتشعر بضربات أنفاسهم، وإذا نظرت إلى من حولك ممن يصلون وجدت من يتحرك كثيراً كمن يلعب في أصابعه، أو يحرك شماغه أو ساعته، أو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، أو من يغلق جواله، وهكذا دواليك، حتى تنتهي الصلاة وهم لم يشعروا كم صلوا أو بما صلوا، فإذا انتهت الصلاة وجدتهم يقومون مسرعين للخروج من المسجد حتى وكأنهم لم يذكروا الله، وقد شغلتهم الدنيا عن لقاء الله، وأغرتهم شهواتها عن لذة القرب من الله، وهذا نذير شؤم عظيم إن لم يصلح هؤلاء أحوالهم مع مولاهم وخالقهم.
وهناك من يسمع الأذان ولا يأتي للصلاة في المسجد، بل ربما يصلي في بيته أو لا يصلي، بل ربما يباهي بأنه لا يصلي مع جماعة المسلمين، وهذا خطر عظيم عليه وعلى أهله وأولاده ومن حوله، ألم يسمع هؤلاء قول الله تعالى [إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ](التوبة).
ألم يسمعوا قوله تعالى[حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ](البقرة).
ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بها أصحابه وهو يودع الدنيا بقوله(الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم)(رواه أحمد، وصححه الألباني في الصحيحة). ألم يقل الله تعالى [إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا](النساء).
فأين هؤلاء من هذه الوصايا من الله سبحانه وتعالى، ومن نبيهم صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: لقد ضربت الغفلة قلوب بعض الناس حتى باتوا يفرطون في جنب الله، وباتت الصلاة عندهم كالحمل الثقيل على صدورهم، بل إن بعضهم إذا ذُكِّر بالصلاة ضَحِكَ مِمنْ يَنْصحُه ويَستهزأُ بِه ويَسخرُ مِنهُ، وهذا فيه خطر عظيم عليهم، وهؤلاء الأشخاص القليلون بحمد الله في مجتمعنا من أضيق الناس صدوراً، وأتعب الناس نفوساً، وهؤلاء لا يجدون السعادة أبداً ما دام أنهم يتكبرون عن عبادة ربهم وخالقهم.
وهؤلاء الأشخاص لو راجعوا أنفسهم ووقفوا وقفة محاسبة صادقة لأحوالهم لوجدوا أنهم محرومون من لقاء ربهم العظيم الجليل والذي يحب من يقف بين يديه يرجو رحمته، ويستعيذ من عذابه، ويسأله من جوده وكرمه.
عباد الله: إن شأن الصلاة عظيم،ومكانتها في دين الله كبيرة، فهي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، ومنزلتها في الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، فكما أنه لا حياة لمن لا رأس له؛ فكذلك لا دين لمن لا صلاة له ـ والعياذ بالله ـ.
عباد الله: ومما يحزننا أيضاً أن بعضاً ممن يصلون مع الجماعة لا يهتمون بأهليهم وأولادهم لأداء الصلاة وخاصة في صلاة الفجر، فكم من الأولاد في البيوت لا يؤدون الصلاة في وقتها، ولا يخرجون لأدائها في بيوت الله، بل ربما لا يصلون، فالرجل يخرج من بيته ليصلي ويترك زوجته وأولاده في نوم عميق، فكيف يليق بمن قام لأداء حق الله تعالى وخشيةً من عذابه وهو يسمع قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] (التحريم)، ثم لا يأمر أهله بالقيام للصلاة. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(متفق عليه)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ](النور).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على جزيل فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من اصطفاه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الدنيا لن ترد عنكم عذاب الله تعالى، وأنها لن تغنيكم عن فضله وإحسانه وبرِّه.
عباد الله: إن الصلاة من أوجب الواجبات التي حتمها الإسلام على الناس، وحثهم عليها، وأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها ووضوئها وخشوعها، لذا ينبغي علينا معاشر المسلمين أن نراجع أنفسنا وأحوالنا مع الصلاة، وننظر في النقص الذي يعترينا، وما الذي يشغلنا عن هذه العبادة الجليلة؟ فلابد لنا من الحرص عليها، والتشديد في عدم التفريط فيها.
فاتقوا الله عباد الله: واحرصوا على التبكير إلى الصلاة وأدائها على الوجه الذي أداها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل (صلوا كما رأيتموني أصلي) (متفق عليه) ففي ذلك الخير الكثير، والناظر في سيرة السلف رحمهم الله يجد الحرص الشديد منهم على الصلاة، وذلك لما في قلوبهم من محبتها وتعظيمها محبة لله وتعظيماً له.
ومن أمثلة حرصهم على الصلاة، ما روي عن وكيع بن الجراح أنه قال (كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى).
وفي ترجمة إبراهيم بن ميمون الصائغ أن ابن معين قال عنه (كان إذا رفع المطرقة فسمع النداء لم يردها).
وجاء في ترجمة سعيد بن المسيب رحمه الله (أنه ما نودي للصلاة من أربعين سنة إلا وهو في المسجد).
بل وتعدى الأمر إلى أعظم من ذلك، فجعلوا محافظة الرجل على صلاة الجماعة وتطبيقه للسنة في صلاته من الأمور التي يوزن بها الرجل، ومن ذلك:
قول إبراهيم بن يزيد رحمه الله تعالى (إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه).
وقال شعبة بن الحجاج رحمه الله (رأيت يحيى بن عبد الله التيمي يصلي صلاة لا يقيمها فتركت حديثه).
فيا بشرى لمن حافظ على الصلاة في أول وقتها وبكَّر لأدائها، ليحصل على الأجر المترتب على التبكير، ودعاء الملائكة له (اللهم اغفر له اللهم ارحمه)(رواه أبو داود وصححه الألباني في سنن أبي داود).
وهنيئاً لمن أدرك الصف الأول الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول)(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
فاتقوا الله عباد الله: واحرصوا على طاعة الله تعالى، وخذوا بأيدي أولادكم إلى الخير، وأبعدوهم عن الشر، فلا سبيل للنجاة للعباد إلا بالتمسك بما أمرهم الله به ، والانتهاء عما نهاهم عنه، ولا يليق بالعبد المؤمن الذي يخاف الله أن يفرط في جنب الله، وأن يقصر في حق الله، فالله تعالى غنيٌ عن العالمين، ولا يحتاج لعبادتنا، ولكن ليبلونا أينا أحسن عملا.
فأروا الله من أنفسكم خيرا تنالوا منه الثواب العظيم والعطاء الجزيل، وتدخلوا الجنة بفضله وكرمه، فلا سعادة إلا في سكنى دار المقام عند الرب العظيم، والنظر إلى وجهه الكريم، وجوار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلنا ممن يحافظون على الصلاة، وأن يجعلنا ممن يقيمونها على الوجه الذي يرضيه إنه خير معين وأكرم كريم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب)
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. الموافق: 11-5-1429هـ