خطبة بعنوان (التحذير من نشر الرسائل السيئة عن طريق البلوتوث) 11-3-1428هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي هدى لأحسن الآداب والأخلاق، وجعل في قلوب عباده الصالحين حب الطهر والعفاف والصلاة والسلام على خير خلقه، وأكمل رسله وأنبيائه، الذي علم أمته حفظ أعراضهم من التدنس بشوائب الفساد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتدى به واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ](الحشر:18).

عباد الله:
لقد حفظ ديننا الحنيف للمسلم خصوصياته، وأغدق عليه ستره، وظلله بظلال الصيانة، ولم يخالف أحد من علماء المسلمين في تحريم الإطلاع على عورات الغير سواء بالنظر المباشر، أو من ثقب الباب أو الشباك أو من وراء الزجاج، وعدُّوا ذلك من الكبائر حتى أنهم منعوا فتح النوافذ التي يطلع منها على عورات الغير لأنها تعتبر وسيلة إلى المحرم، وما كان وسيلة إلى المحرم فهو حرام، ولقد ورد في الحديث جوازُ فقأِ عينِ مَنْ اطلع على أخيه المسلم من سِتر بابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)(رواه البخاري ومسلم).
وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة خطيرة تنم عن ضعف الإيمان وبعد عن الرحمن، وانقيادٍ وراء وساوس شياطين الإنس والجان، وتعلقٍ بشهوات زلت لها الأقدام حتى صار كثير من الشباب والفتيات يلهثون وراء كل ناعق يدلهم على التمتع ولو بالحرام.
لقد أصبحت الوسائل الحديثة من الجوالات تستخدم في هتك أستار المسلمين، والإطلاع على خصوصياتهم، بل أخصَّها وأدقَّها، فطار الشرر، وذلك عن طريق البلوتوث، والذي يمكن أن يرسلَ مقاطعَ الفيديو والصور والرسائل إلى أشخاص في محيط هذا الجوال بعشرات الأمتار، وتكمن الخطورة في غزو هذه الهواتف النقالة التي تحمل بين طياتها هذه الشرور العظيمة أسواق المسلمين، وهذا نذير شؤم.

عباد الله:
لقد أساء كثير من الشباب والفتيات المعاكسين والمعاكسات ممن يحملون هذه الجوالات في استخدامها استخداماً سيئاً وجعلها وسيلةً لتحقيق أهدافهم الحقيرة زاعمين أنها طريقةٌ آمنة ومختصرة، فكثيرٌ من القضايا التي تضبط في ربط العلاقات المحرمة تكون باتصال على رقم لا يُعْرَف مَنْ صاحبُه ويكون قد حصل عليه عن طريق هذه التقنية، كما أن هذه التقنية لها أثر خطير على الأحداث، حيث أن داعي الفضول لديهم قوي فوجود مثل هذه التقنية بمتناول أيديهم يهيأ لهم أسباب الإنحراف حيث إن ما ينقل عبر هذه التقنية ليس مجرد كلام مكتوب أو مسموع فحسب، بل ينقل عبرها مقاطع الفيديو السيئة، فماذا سيكون حال صغير السن الذي يكون في متناول يده تلك الرسائل والصور الخليعة، ويستطيع النظر إليها بكل سهولة ويسر، وتكون محفوظة عنده في شريحة ذاكرة لا تزيد خمس برامات بينما كان في الماضي من الصعب على الكبار الحصول عليها فضلاً عن الصغار.
لقد تم استخدام هذه التقنية لإيقاع الشباب والفتيات والكبار والصغار في براثن الشهوات والملذات حيث تُواجهُنا بين الفينة والأخرى وقائعُ من فضائحَ وجرائمَ، وهتكٍ للمحرمات كان للبلوتوث السبقُ في نشرها،

وهذه التقنية التي استغلها الكثير من أصحاب القلوب المريضة تسبب مفاسد كثيرة للشخص نفسه وللمجتمع، فمن هذه المفاسد:

أولاً: إيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين وذلك بنشر الأكاذيب والإشاعات المغرضة عن بعض الأسر المؤمنة.

ثانياً: التسبب في إساءة الظن بالمؤمنين والمؤمنات.

ثالثاً: نشر الصور الفاضحة العاهرة بين أبناء المسلمين، فتسبب انحراف الكثير منهم.

رابعاً: الاعتداء على الأعراض وذلك بنشر صور بعض فتيات المسلمين.

خامساً: الوقوع في غيبة المؤمنين وإشاعة الفاحشة بينهم. سادساً: التعاون على الإثم والعدوان.

سابعاً: التسبب في نشر الفساد الذي نهى الله تعالى عنه وعده من مساوىء الأعمال.
وغيرُ ذلك كثير من المفاسد التي تسببها هذه الأعمال الخبيثة التي يقوم بها فئة ظالمة لنفسها ولغيرها، باغية على المؤمنين والمؤمنات.

عباد الله:
إن هذه الظاهرة التي تُدمى لها القلوب المؤمنة، وتهتز لها الجلود، وتدمع من أجلها العيون، على حال كثير من الناس اليوم الذين أصبحوا عبيداً لشهواتهم الشيطانية، فهم يلهثون وراء شهواتهم وملذاتهم حتى ولو على حساب المؤمنين الصالحين، فبثوا السموم بين الناس، وأشاعوا رسائل الشر، وعاثوا في الأرض فساداً على فساد حتى اشتكت منهم الأرض، ووصل الأمر إلى التكلم في أعراض الأسر المسلمة المطمئنة الملتزمة بشرع الله، وأصبح الحديث عن هذه البيوت حديثاً مشوقاً لأصحاب القلوب المريضة حتى غدو يعبثون بأخبار الشباب والفتيات ممن هم على خلق ودين.

ألم يسمع هؤلاء النفر قول الله تعالى:[وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً](الأحزاب:58)، وقوله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلانِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاتَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاتَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ] (الحجرات:11)، ألم يسمعوا قول الله تعالى:[وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ](الحجرات:12). وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)(رواه مسلم).

ألم يسمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه)(صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ج7 رقم3950)، ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تَتبَّعوا عوراتهم فإنه من تَتَبَّع عورة أخيه المسلم تَتَبَّع الله عورته ومن تَتَبَّع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7984)، وهذا في الدنيا، فما بالك بما ينتظره في قبره، قال صلى الله عليه وسلم عندما مر بقبرين: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وفي رواية لمسلم (لا يستنزه من البول)، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)(متفق عليه)، وما ينتظر المغتاب من العذاب في الآخرة إن لم يتب أشد وأنكى قال صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)(صححه الألباني في صحيح الجامع رقم5213).

فنشكو إلى الله عز وجل الذي يطلع على ما يبطنه أصحاب الهوى من الشر والفساد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فويل لهم ثم ويل لهم على ما أبطنوا وأسرُّوا، وويل لهم مما أشاعوا وأعلنوا، وويل لهم مما سببوا من مشاكل في بيوت المسلمين بسبب غدراتهم وسوء عملهم.

عباد الله:
إن من أرسل هذه الرسائل إلى غيره أو ساعد في إرسالها فإنه يبوء بإثم صاحبه مع إثمه من غير أن ينقص من إثم من أُرسلت إليه شيءٌ، ومن أدلة ذلك قول الله تعالى[لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ](النحل:25)، وهذه الرسائل المحتوية على أسماء بعض الأسر وأفرادها، بل تجاوز الأمر ذلك أن وضعوا بعض الهواتف الخاصة ببعض شباب وبنات هذه الأسر حتى يساء الظن بهم وهذا من أعظم الضلال والبهتان والظلم المنهي عنه شرعاً.

ومن تسبب في نشر هذه الرسائل الخبيثة فهو مجاهر بالذنب، ويدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)(رواه البخاري ومسلم).
ومن ساعد في نشر هذه الرسائل والصور أو القصص الجنسية فقد ساعد في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين وهذا من أعظم الذنوب التي يبغضها الله تعالى. قال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ](النور:19)، قال ابن القيم رحمه الله: (هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها؛ فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:[الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ] (التوبة:67،68). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الشأن، قوي السلطان الذي قال في كتابه العظيم:[إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ] (البروج:12)، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان يغضب لربه إذا انتهكت محارمه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتأملوا معي كيف يليق بنا أن نترك هذه الأفعال المحرمة تنتشر بيننا ونحن نتفرج عليها بدون أن يحرك ذلك ساكناً فينا، أين الإيمان، وأين أخوة الإسلام، أفلا ينظر أحدنا إلى جاره وقد أسيء الظن بأبنائه وبناته بسبب هذه الرسائل، أفلا ينظر أحدنا إلى زميله في العمل وقد نشرت عنه أخبار سيئة قبيحة تنم عن سوء قصد صاحبها، علينا أن نتأمل في واقعنا الحالي وما وصلنا إليه من انتشار لهذه المعاصي الظاهرة التي أصبحت كالنار في الهشيم، فلابد من وقفة بل وقفات لهذا الموضوع الخطير.
إن هذه الجوالات بالرغم مما تحويه من منافع للناس إلا أنها أصبحت مستغلة استغلالاً سيئاً في نشر العهر والفساد والانحلال، بل وأصبحت تبث السموم بين الناس في نشر الأكاذيب والإشاعات حتى أصبح المستور معلناً، والمخفي ظاهراً، إن الذين يقومون بهذه الأعمال لا خلاق لهم، أيظنون أن الأمر هين عند الله، لا والله وصدق الله العظيم إذ يقول:[إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ](النور:15).

عباد الله:
اعلموا أن المقصود من نشر هذه الرسائل هو الكذب والبهتان وإشاعة الفرقة والتنازع بين الأهل والخلان والجيران، فعلى كل مسلم أن يحذر هذه الرسائل ويحذر غيره منها وليستمع كل منا لقول الله تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ](الحجرات:6). فوصيتي للجميع من المؤمنين والمؤمنات ألا ينساقوا وراء الإشاعات المغرضة، والأخبار الخبيثة بل عليهم أن يتحروا فيما يصل إليهم منها حتى لا يسيئوا الظن بإخوانهم وأخواتهم، وأبنائهم وبناتهم.
ووصيتي للمسؤولين من رجال الأمن، ورجال الهيئة، والمعلمين والمعلمات، والدعاة وكافة أبناء المجتمع أن يتعاونوا في صد هذه الهجمة الخطيرة على أسرنا وأبنائنا وبناتنا، وأن نضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء العابثين بأعراضنا، بالإبلاغ عن كل من يقع في هذا العمل المشين، وعلينا بتوجيه شبابنا وبناتنا إلى خطورة التعامل بهذه الرسائل والصور وأنها تفضي إلى إيقاع العداوة والبغضاء وسوء الظن بين المسلمين.
ولابد من مشاركة الجميع في حسن استخدام هذه الوسائل في طاعة الله ومرضاته، وخدمة ديننا الحنيف دعوة وتربية وتوجيهاً، وأن نبين عواقب سوء استخدامها الدنيوية والأخروية، وإذا لم نقم جميعاً بهذا الواجب فإن الله عز وجل يغار، وغيرته أن تنتهك محارمه، وإذا لم يأخذ أهل الصلاح على يد السفيه والظالم هلك الجميع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عندما سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم؛ إذا كثر الخبث)(رواه البخاري ومسلم). فلنحذر من عواقب التساهل في هذا الأمر، أجل إنَّ ترك هؤلاء العابثين بأعراض المسلمين دون رادع سوف يعود علينا جميعاً بالشر والفساد، وإن لم نقف كلنا صفاً واحداً في وجهه فتحت أبواب كثيرة للشر ما دام أن الجميع ساكتون على أهل البغي والفساد.

ورسالتي إلى من يتعاملون في نشر هذه الرسائل الخبيثة والصور الفاضحة أن يتقوا الله تعالى، وليعلموا أن كل فعل وكل كلمة تسجل في صحائف أعمالهم، قال تعالى:[مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] (ق:18)،وقال تعالى:[وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ](الانفطار:10ـ12)

وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي الله العظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يوم يرون جريرة ما عملوا وما صنعوا وما تسببوا فيه من الظلم للمسلمين بغيبتهم ولمزهم وغمزهم وإشاعة الفاحشة بينهم، وإساءة الظن بهم، والكذب عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)(رواه البخاري)، وقال أيضاً: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)(رواه مسلم).

وأوصي شبابنا وفتياتنا الذين أوقعوا أنفسهم في مظالم كثيرة أن يعزموا على التوبة من هذه الذنوب العظيمة، ولا يصدنهم الشيطان عن ذلك ولا ييأسوا من رحمة الله تعالى، فالله جل وعلا تواب رحيم يفرح بتوبة عبده إذا تاب، ويمحو ذنوبه مهماً كانت، وإذا صدق في توبته بدل الله سيئاته حسنات، وهذا من فضل الله وجوده، وأن يبذل قصارى جهده في نصيحة من أرسل إليهم هذه الرسائل أو الصور أو غيرها بتذكيرهم بالله، وترك هذا العمل المشين، وأن يجتهد في نشر الخير بالدعوة إلى الله، ونصيحة المسلمين، وبذل كافة الوسائل الممكنة للتعاون على ما يرضي الله والبعد عن مساخطه.

عباد الله:
ووصيتي الأخيرة لأولياء أمور الشباب والفتيات أن يحصنوا أولادهم بالدين القويم، وأن يملؤا قلوبهم بمحبة الله تعالى ورسوله الكريم، ومحبة ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، مع التقليل من وسائل الشر والفساد قدر الإستطاعة والإمكان، وتحصين البيوت منها، وإيجاد البدائل النافعة، وإشغال الشباب والفتيات بما يعود عليهم بالنفع عاجلاً وآجلاً. نسأل الله عز وجل بعونه وفضله أن يكفينا شر الأشرار، ومكر الفجار، وأن يحفظ علينا أعراضنا، وأن يهدي شبابنا وفتياتنا إلى طريقه المستقيم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب)

الجمعة: 11-3-1428هـ