خطبة بعنوان (الوضوح في المواقف من الأحداث).
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
عباد الله! بعض الشباب لم يستوعبوا الدرس العملي مما جرته الأحداث الأخيرة ووقفوا حائرين حول التحليلات والمناقشات حيال الموضوع.
وهؤلاء الشباب أمانة في أعناقنا والصراحة والصدق معهم واجب على كل من يريد وجه الله ويحرص على قطع الطريق في وجه الذين يتربصون بأمتنا الدوائر وبلاد الإسلام ومأرز الإيمان بلاد الحرمين يجب أن تبقى بعيدة عن المزايدات والممارسات الخاطئة، ولذا لنكون واضحين مع أحبابنا الشباب صرحاء معهم وذلك ببيان المصالح والمفاسد وتأصيل المنهج الإسلامي الدقيق عملاً بنصرة الدين وبيان أهدافه السامية وغايته النبيلة وصدق الله العظيم (ولا تسبوا الذين لا يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)
وها هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يطبق هذا المنهج حينما أبقى بناء الكعبة على قواعد العرب الجاهلين بدلاً من نقضها وبنائها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام- ومن ذلك تركه صلى الله عليه وسلم للمنافقين الذين فضحهم الله وأنزل فيهم قرآناً يتلى ومع ذلك تركهم صلى الله عليه وسلم ولم يقتلهم بل أجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة قال تعالى: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقال تعالى (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا).
ويكفي أنهم أرادوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنزال الصخرة عليه ومع ذلك درأ صلى الله عليه وسلم المفسدة ولم يتعرض لهم وترك عقوبتهم للعليم بضمائرهم.
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد عهداً مع اليهود ويعقد صلحاً مع قريش ويترك ثقيف ويستميل زعماء قبائل غطفان وغيرها بالعطاء وكان صلى الله عليه وسلم يراعي المصالح في تعامله مع الآخرين ليمكن لدعوته ويقطع الطريق على أعدائه لئلا يجدوا عليه مستمسكاً.
عباد الله ! إننا بحاجة ماسة لفهم هذا الأسلوب في التعامل مع الآخرين ولا سيما في أوقات الفتن.
وإن طلاب العلم الذين لا يضعون العلاج الحاسم المبني على الصراحة والوضوح يوقعون غيرهم في الإشكالات التي لا تنتهي. إن هؤلاء الشباب أمانة في أعناق العلماء وطلاب العلم ولأن يكون العالم صريحاً معهم يبين لهم الحق بدليله خير من أن يمشي على رغباتهم ويجاري عواطفهم ثم لا تحمد العواقب بعد ذلك .
إن طالب العلم الذي يتهم بالتخاذل أو الممالأة أفضل له ألف مرة من أن يقع أو يوقع غيره في فتنة يترتب عليها سفك دم حرام ثم تكال له عبارات التمجيد والثناء من أصحاب العواطف الذين لا يدركون عواقب الأمور.
إن علماء الأمة ينبغي أن يقودوا الشباب لا أن يقودهم الشباب وأن يبصروهم بمزالق الفتن ومخاطر الأهواء لا أن تمر عليهم عواطف الشباب وحماسهم دون فلترة لها بنصوص الوحيين . إن إلجام العواطف بالعقل الراجح وكبح جماح الحماس بالخبرة المتعقلة خير من ركوب الأخطار وفتح باب الشرور والمفاسد وصدق الله العظيم (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) بارك الله لي ولكم …
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي فضل أصحاب العقول الراجحة على غيرهم وأشهد أن لا إله إلا الله رفع قدر العلماء وأعلى منزلتهم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام العلماء وقدوة الصالحين صلى الله عليه وسلم .
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتأملوا معي مفهوم النصر والهزيمة والربح والخسارة وقد مر المسلمون كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في أول الإسلام بثلاث مراحل كانوا قبل بدر يسمعون الأذى الظاهر ويؤمرون بالصبر عليه وبعد بدر يؤذون في السر من جهة المنافقين وغيرهم فيؤمرون بالصبر عليه وفي تبوك أمروا بالإغلاظ للكفار والمنافقين فلم يتمكن بعد كافر ومنافق من أذاهم في مجلس خاص ولا عام.
عباد الله! إن أمن بلاد الحرمين أمن لكل مسلم من ساكن ومقيم وحاج ومعتمر وهو أمن للدعوة في كل مكان فعلينا أن نتعاون جميعاً في الضرب بيد من حديد على من يريد مسخ عقيدتنا أو المساس بأخلاقنا أو النيل من مبادئنا أو الحرص على إفساد أخلاق شبابنا وفتياتنا أو زعزعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهؤلاء هم بحق الذين يريدون خرق السفينة وإغراق البلاد والعباد في أوحال الجريمة ومستنقع الآثام، هؤلاء هم الذين قال الله فيهم (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون). وقال الله فيهم لنبيه (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير).
إخواني في الله! نحن مأمورون بمراجعة أحوالنا وإعادة النظر في مواقفنا فالمتأمل لحالنا مع الله وحالنا مع الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهدي سلف الأمة لا يعجب من وقوع البلاء وتكاثر المصائب فكل ذلك من الله ولحكمة يعلمها سبحانه.
لقد شغل بعضنا بمثالب بعض وتصيد الأخطاء والتجريح دون وازع من إيمان أو رادع من حياء إننا لم نحسن ترتيب العداوات والبدء بالعدو الأخطر فالأخطر وترك أحبابنا وإخواننا الذين يعملون معنا في خندق واحد يسلكون طريقهم الموصلة إلى الله لنلتقي جميعاً في الدنيا على طاعة الله وفي الآخرة في جناته بمشيئة الله.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ….