خطبة بعنوان:(حول الاختبارات) بتاريخ 29-5-1428هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الدنيا دار ابتلاء واختبار وعمل، وجعل الآخرة دار جزاء وقرار، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).

عباد الله:
غداً موعد الاختبارات لمعظم الطلاب والطالبات، وكما تعلمون للامتحانات الدنيوية رهبة وخوف، والنفوس جبلت بطبعها على الخوف من أي شيء تسأل عنه، ولذا يكثر القلق في هذه الأيام، وتكثر أحاديث الطلاب والطالبات حول الاختبارات وتكثر الإشاعات حول الأسئلة والتصحيح، وكل ذلك مسجل ومكتوب [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ](ق:18)، وهذا القلق وذاك الخوف سرعان ما تعقبه الطمأنينة والنجاح بل والتفوق أحياناً، وهنا تشعر نفوس هؤلاء باللذة والراحة والسرور بحصول ثمرة التعب والسهر والجد والاجتهاد.

عباد الله:
وحلول الاختبار تعني وقفات نوجه من خلالها بعض التوجيهات، ونذكر بعض الملاحظات المعينة لأولياء أمور الطلاب والطالبات فنقول:

(1) لابد من قوة اليقين والتوكل على الله، وبذل الأسباب المشروعة، وعلى قدر العزيمة والعمل تكون النتيجة بإذن الله، وكل شيء مقدر ومكتوب، لكن لابد من مدافعة القلق وطرد الهم لأن الاسترسال في ذلك يؤثر على التحصيل، وتضيع معه كثير من المعلومات.

(2) بعض الطلاب يسهر سهراً طويلاً ويظن في ذلك خيراً وهذا خطأ فالسهر يضيع المعلومات ويهدم ما يبنيه الطالب والطالبة في النهار فحذار حذار من السهر الطويل فالجسد بحاجة إلى النوم، وهي في هذه الأيام أشد حاجة من السابق مع كثرة الإجهاد ومواصلة التحصيل.

(3) قد يعمد بعض الطلاب والطالبات إلى استخدام بعض المنبهات وهذا نذير خطر وهو بداية النهاية وعنوان الخسارة والفشل في الاختبار وغيره، فالحذر الحذر من هذا الأمر وليحرص ولي الأمر على المتابعة وإبعادهم عن رفقة السوء.

(4) يختلف خروج الطلاب والطالبات عن مواعيد الدراسة، ولذا لابد من الانتباه والمتابعة فكم من شاب كانت بداية نهايته في ركوبه مع ثلة فتحت له باب الشر، وكثير من الأشرار يصطادون في الماء العكر، ويتحينون مثل هذه الفرص.

(5) احرصوا أيها الطلاب على إرضاء والديكم، وتلمسوا دعواتهم دائماً ولاسيما في وقت الأزمات مثل هذه الأوقات.

(6) اجعلوا البداية ذكراً وتسبيحاً وارتباطاً بالله جل وعلا، واحذروا من أن تستمعوا لعبارات المخذلين الذين يخوفونكم في هذه الأيام، دافعوا ذلك بالثقة والتوكل على الله، ومداومة الاستغفار فذلك كفيل بطرد جميع وساوس شياطين الجن والإنس.

(7) تنتشر بين الطلاب والطالبات أدعية مخصصة لأحوال الامتحانات للمذاكرة واستلام ورقة الأسئلة، وعند الإجابة، وعند تسليم ورقة الإجابة، وكل ذلك لا أصل له، فأكثروا من الدعاء المشروع، واحذروا من انتشار البدع في مثل هذه الأجواء.

(8) احرصوا على قراءة الأسئلة وتوزيع الوقت عليها، وابدءوا بأسهلها وأكثروا من المراجعة، واتركوا السؤال الصعب لآخر الوقت، ولينصب التفكير فيه واكتبوا إجابة عليه ولا تتركوا الورقة بأي حال.

(9) تذكروا بهذا الاختبار الاختبار الأخروي، واستعدوا له بكل ما تستطيعون، فالله سائلكم عن أعماركم وشبابكم وصحتكم وأوقاتكم، فأعدوا للسؤال جواباً وليكن الجواب صواباً.

(10) على أولياء الأمور مشاركة أولادهم بتهيئة الجو لهم وعدم إشغالهم، وتوفير ما يحتاجون إليه في هذه الأيام ومساعدتهم فيما يشكل عليهم لأن في ذلك راحة لهم ودفعهاً لهم للجد والمصابرة.

(11) لا يجوز الغش بأي شكل، وعلى أي كيفية، وما بني على الحرام فهو حرام، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا)(رواه مسلم).

فالمكسب حرام، وفيه ظلم للآخرين، وهو خديعة وكذب وتلبيس على الناس، فالحذر الحذر من الغش في جميع المواد بما في ذلك اللغة الإنجليزية وغيرها فالغش كله حرام قليلة وكثيره في جميع المواد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة:2).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل بين البحرين حاجزاً، وأشهد أن لا إله إلا الله يرسل الآيات تخويفاً وإنذاراً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ،

أما بعد:
فاتقوا يا عباد الله:
وتأملوا أحوال الكون وما فيه من المخلوقات العظيمة التي تدل على عظمة الخالق المبدع سبحانه [صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ](النمل:88) انظروا إلى الجبال الشامخة، والأراضي الشاسعة، والسماء العالية، والشمس والقمر والنجوم والكواكب والبحار والمحيطات، كل ذلك مسخر لبني الإنسان ليستفيد منه ويستدل من خلاله على عظمة الخالق سبحانه، وهذا يزيده تذللاً لربه، وعبودية لخالقه.

عباد الله:
وبين لحظة وأخرى تتغير الأحوال وتتبدل ويحصل الفزع والهلع، وهذا ما حصل في إعصار جنوب الخليج الذي أصاب الناس بالهلع والخوف، وكل ذلك بتقدير الحكيم العليم مصرف الكون وهنا نقف وقفات نتأمل ونعتبر ونتعظ ونوجه لنستفيد من هذه الأحداث العظيمة فنقول:

(1) هذا الإعصار يدل على عظمة الخالق سبحانه وقدرته على كل شيء، ويدل على ضعف البشر، فماذا صنعوا؟ وماذا سيصنعون مع هذه المخاطر العظيمة، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء.

(2) هذا الإعصار ينبغي أن يدعونا للخوف من الله ومراجعة الحسابات، وحذار حذار أن نربطه بالمعاصي، أو نفسره تفسيراً علمياً بحتاً، بل الأولى أن نرد ذلك إليه سبحانه، فهو الذي جعل لحصوله أسباب وأوقاتاً قد ندرك بعضها ويخفى علينا معظمها، لكنه يدعونا لمراجعة الحسابات وتذكر نعمة الله علينا، ويدفعنا للبعد عن المعاصي، ويذكرنا بهوان الخلق على الله ـ جل وعلا ـ.

(3) ينبغي أن نلجأ إلى الله بالدعاء أن يحمينا وإخواننا من المسلمين من آثاره المدمرة، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

(4) من رأى بعض المناظر التي صاحبت الإعصار يرى كيف تسبب في إتلاف المحصولات الزراعية، والممتلكات، والسيارات، والبيوت، وكيف يدخل الماء إلى المنازل، وكل ذلك في لحظة، فسبحان مصرف الأحوال من بيده ملكوت كل شيء، فما بين طرفة عين وانتباهها يبدل الله من حال إلى حال.

(5) النازلة الواحدة قد تكون ابتلاء لقوم وهي في نفس الوقت كفارة لأهل الإيمان والصلاح، ونقمة على أهل المعاصي المحاربين لله جل وعلا.

(6) لعل من أفضل ما يقابل به هذا الإعصار وغيره من جنود الله هو الاستغفار، واللجوء إلى الله جل وعلا بالدعاء والتضرع إليه، فهو سبحانه الذي يرفع البلاء بعد وقوعه، ويدفعه قبل حصوله.

(7) لا يجوز سبه وإطلاق الكلمات التي تشعر بالتسخط منه فهو يتحرك بأمر الله وتقديره، بل المطلوب أن نستعيذ بالله من شره وشر ما أرسل به.

اللهم احفظ بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ علينا نعمك الظاهرة والباطنة.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب)
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الجمعة: 29-5-1428هـ