خطبة بعنوان: (سلوكيات خاطئة ومظاهر سلبية) بتاريخ 9-11-1429هـ.

السبت 4 جمادى الآخرة 1440هـ 9-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، هدانا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فضل من عباده أحسنهم أخلاقاً، وتوعد من ساء خلقه وسار في طريق الشيطان، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وصاحب الخلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً،أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن التقوى سبيل النجاة لمن تمسك بها، وعمل بمضمونها، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً](الأحزاب).

عباد الله: إن الأخلاق في أي أمة تعتبر دليلاً على حضارتها ورقيها وحسن سيرتها، وبدون الأخلاق تتحطم القيم والمبادىء ولا يحصل التعايش الحقيقي بين البشر، وأي أمة ذهبت أخلاقها لابد لها من الزوال.

ودين الإسلام جعل الأخلاق أساس التعايش بين الناس، واعتبرها مبادئ وقواعد تنظم السلوك الإنساني، على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(رواه البيهقي، والبزار، وصححه الألباني في الصحيحة)، فأحد أغراض بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو إتمام الأخلاق، والعمل على تقويمها، وإشاعة مكارمها، بل إن من أسمى أهداف كل الرسالات الهدف الأخلاقي، والدين نفسه هو حسن الخلق.

عباد الله: ولما للأخلاق من أهمية فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإيمان وحسن الخلق، ففي الحديث لما (سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال: أحسنهم أخلاقا)(رواه عبد الرزاق، وصححه الألباني في تخريج الطحاوية). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق)(رواه مسلم) ومعلوم أن البر صفة للعمل الأخلاقي و هو اسم جامع لأنواع الخير.

وعن أسامة بن شريك قال: (كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله تعالى؟ قال: (أحسنهم خلقا)(رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود)، وحسن الخلق من أهم الأسباب التي توصل المرء للفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا)(رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).

عباد الله: إن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة.

فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، ومتى فقدت تلك الأخلاق تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار.

ولهذا فقد جعلها الله تعالى مناط الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة ، فهو يعاقب الناس بالهلاك في الدنيا لفساد أخلاقهم. قال تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}(الروم)، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(هود).

عباد الله: إن المسلم يدرك تمام الإدراك ماذا يحدث لو أهملت المبادئ الأخلاقية في المجتمع، وسادت فيه الخيانة والغش، والكذب والسرقة، وسفك الدماء، والتعدي على الحرمات والحقوق بكل أنواعها، وتلاشت المعاني الإنسانية في علاقات الناس ، فلا محبة ولا مودة ، ولا نزاهة ولا تعاون ، ولا تراحم ولا إخلاص، وهنا يكون مجتمعاً منبوذاً، ولا يمكن للحياة أن تدوم فيه.

عباد الله: إن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه، وليست ثوبا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى شاء، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}(الروم).

فلابد من دوام تلك الأخلاق وثباتها واستمرارها ورسوخها في حياة الناس، ولا سبيل للعيش إلا بها،ولا فوز بسعادة الدنيا والآخرة إلا بالتمسك بأواصرها.

عباد الله: وإن من آثار ثبات الأخلاق في المجتمع المسلم ما يلي:
أولاً: تخليصه من ظاهرة القلق والاضطرابات التي تسوده، وتمكين الأواصر الإنسانية بين الناس، خلافا لغيرنا من المجتمعات الأخرى.

ثانياً: التفريق بين الأخلاق والتقاليد، فالأخلاق ثابتة لأنها جزء من الدين فهي كيان متكامل رباني المصدر، إنساني الهدف. أما التقاليد فمن طبيعتها أن تتغير كلما تغيرت مبررات وجودها، ولكن ليس بالإمكان تغير الأخلاق، لأنها تقوم على أسس ثابتة كالحق والعدل والخير.

ثالثاً: بعث الطمأنينة في حياة الفرد والمجتمع. وتعايش الناس تعايشاً كريماً تسوده المحبة والمودة والوئام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](الحجرات).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بـعـد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن النجاة في التمسك بمحاسن الأخلاق.

عباد الله: لقد انتشرت في الأيام الماضية بعض المظاهر السيئة التي كثرت بعد نزول المطر ـ بفضل الله تعالى ـ هذه النعمة التي حقها الشكر والذكر والفزع إلى الله بالتقرب إليه بأنواع الطاعات، لكن قابلها بعض الناس بالعكس.

فهذه المظاهر السيئة والسلوكيات الخاطئة تنم عن جهل وعدم تقدير لنعم الله، وقد أحببت التنبيه على تلك السلوكيات كي نحذر من الوقوع فيها وننتبه لآثارها الخطيرة على الناس كافة، ومن هذه السلوكيات ما يأتي:

أولاً: ظاهرة الإسراف:التي عمّت وطمّت في كثير من بيوت المسلمين ولاسيما عند خروجهم للنزهة، حيث نرى التبذير في الأكل والشرب وغيرهما، حتى أصبحت عادة كثير من الناس إلقاء باقي طعامهم في محلات القمامة، وقد نهى الله تعالى عن الإسراف والتبذير في قوله تعالى [وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ](الأعراف).

ثانياً: تبرج النساء: حيث ظهرت ملابس غير ساترة، وعباءات مختلفة الأشكال والمقاسات بحيث تظهر لابستها وكأنها لا ترتدي شيئاً، فلتحذر النساء من التبرح والسفور، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما: وذكر منهم: ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)(رواه مسلم)، وليحذر أولياء أمورهن من الأمانة التي استرعاهم الله عليها وليعلموا أنهن سيتعلقن في رقابهم يوم العرض على الله فيسألهم عما ضيعوا، قال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(متفق عليه).

ثالثاً: التطعيس: وهي ظاهرة خطيرة انتشرت بين الشباب تسبب الأذى لمن يقوم بها، وكذا من يحضرها من الناس، وهذا العمل تترتب عليه أضرار بليغة وأخطار عظيمة حيث قد يلقي بنفسه إلى التهلكة أو تلف سيارته، فيجب الحذر منه، ومناصحة من يقوم به.

رابعاً: الغناء: حيث تخرج بعض العوائل وتسمع معهم الغناء ولا يراعون من حولهم ممن يتأذون بهذه الأصوات المنكرة في أماكن النزهة العامة.

خامساً: أذية المتنزهين: ومن المظاهر السيئة التي يشتكي منها كثير من العائلات ظهور بعض الشباب وهم يركبون الدباب ويؤدون بها حركات خطيرة ويصدر منها أصوات شديدة تفزع الكبار ناهيك عن الصغار، وترى منهم من يمشي قريباً من العائلات وهو يدخن، أو يرفع صوت الموسيقى والغناء، بل ربما تسمع منهم ضحكات عالية وحركات غير طيبة. ألم يسمع هؤلاء وغيرهم ممن يؤذون الناس قول الله تعالى [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً] (الأحزاب).

سادساً: توسيخ الأماكن العامة: وهذا مظهر سيء بدا يظهر بين الناس، فترى الحدائق التي جعلتها الدولة للناس للترفيه عن أنفسهم يكثر فيها ترك المخلفات المتبقية منهم، وترى البعض يلقون علب البارد وأوراق المناديل المستعملة وهم في سياراتهم، وغير ذلك من السلوكيات الكثيرة التي يقع فيها بعض الناس.

عباد الله: هل تشكر نعم الله بمثل تلك الأخلاق السيئة؟ وهل يشعر الناس بالراحة والسعادة والهدوء والسكينة وهم يرون مثل هذه المظاهر الخاطئة.

فاتقوا الله أيها المؤمنون: وقابلوا نعم الله عليكم بشكرِها، والعمل بما يرضيه، والبعد عما يسخطه ففي ذلك الخير العظيم لكم في الدنيا والآخرة، والله جل وعلا يقول [لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد](الحجر).

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام. اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، واجعلها على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، اللهم وأنزل معها الخير والبركة والصحة والعافية يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الموافق: 9-11-1429هـ