خطبة بعنوان: (أثر الخوف من الله في حياتنا) 14-4-1430هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الاولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له،ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن التقوى طريق النجاة والفوز بدار النعيم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً](الأحزاب). فالتقوى هي التي تُسَيِّر العبد إلى الجنة، فتعينه على كل خير، وتصده عن كل شر، وتأخذ بيده إلى فضائل الأعمال وأحسنها، وتمنعه من قبائحها وسيئها، فهي النجاة لكل من تمسك بها في الدنيا، وهي خير زاد لمن أراد الآخرة وسعى لها سعيها.

عباد الله: إن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتَّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، ومن تأمل سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي أوصلهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلاً عن المحرمات.

عباد الله: إن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين حتى يلقى الله تعالى، الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت.

ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته عن هذين الأمرين لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نصب عينيه فلا يغفل عنهما، فعن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف)(رواه الترمذي، وابن ماجة، وأخرجه الألباني في صحيح الترغيب، وقال حديث حسن صحيح).

ولقد ذكر الله تعالى في كتابه آيات كثيرة تدل على عظم شأن الخوف وأنه منزلة لازمة للمؤمن في حياته الدنيا لكي يصل إلى رضا الله تعالى وجنته. وكلما زاد خوف العبد من ربه زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربه، نقص عمله، وزاد عجبه، وكثرت معصيته.

فالخوف صفة بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله تعالى، فتراهم يؤدون حقوق الله وهم خائفون وجلون من عدم قبولها، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قالت عائشة هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات)(رواه الترمذي). فهم أحرص الناس على طاعة ربهم، والمسارعة إلى رضاه، والبعد عن معصيته، والفرار من سخطه وغضبه، إلا أنهم يخافون من عدم قبول أعمالهم.

قال الحافظ بن حجر رحمه الله: (إن الخوف من المقامات العلية وهو من لوازم الإيمان، قال تعالى {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين}(آل عمران)، وقال تعالى {فَلا تَخْشَوا النَّاسَ واخْشّوْنِ}(المائدة)، وقال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء}(فاطر)، وقال صلى الله عليه وسلم (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}(النحل)، والأنبياء بقوله {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب)، وإنما كان خوف المقربين أشد؛ لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة) ا. هـ (البخاري ـ الفتح 11/313).

ولقد كان خوف إمام المرسلين وقدوة العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عبرة للمسلمين جميعاً كي يتعلموا منه، ويأخذوا حذرهم من الغفلة والإعراض عن الله، وهو من هو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحُق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجد لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. قال أبو ذر يا ليتني كنت شجرة تعضد)(رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم2449).

ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغاً عظيماً في هذا الباب من شدة خوفهم من الله تعالى:
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو)(التخويف من النار لابن رجب، ص17)، فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي، ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل.

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي. قال: فوضعته على الأرض. فقال: (ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي).

وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: (أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي). ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام فما نقول نحن وقد قلت طاعتنا وكثرت ذنوبنا.. فإلى الله المشتكى من أحوالنا.

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا) ولو نظر كل منا لنفسه وحاسبها لوجد أنه يقع في كثير من المعاصي وهو لا يشعر وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس.

وروي أن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر وتغير، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم). فكيف به لو نظر لحال بعضنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك وسواليف، وانشغال بالدنيا، بل يدخل الواحد منا إلى الصلاة ويخرج ولم يخشع قلبه أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

{إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(المؤمنون: الآيات 57 ــ 61).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن خشية الله تعالى صفة من صفات عباده الأتقياء.

عباد الله: إن الخوف من الله درجة عظيمة تدل على قوة الإيمان، وها هو الحسن البصري رحمه الله يقول: (إن المؤمنين قوم ذلَّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}(فاطر)، والله لقد كابدوا في الدنيا حزناً شديداً وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم).

وعن عمر بن عبد العزيز قال: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء).

وقال إبراهيم التيمي: (ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا:{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}).

وروى حفص بن عمر قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: (أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي).

وقال يزيد بن حوشب: (ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما).

وقال أبو سليمان الداراني: (أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب).

عباد الله:
إن الخوف من الله له فوائد كثيرة يعود أثرها على المؤمن في الدنيا والآخرة ومن ذلك:

الفوز بالجنة والنجاة من النار.
الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
والخوف من الله دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
والخوف من الله يثمر محبة الله وطاعته.
وهو سبب لسعادة العبد في الدارين.
وهو دليل على صفاء القلب وطهارة النفس.
وهو سبب لهداية القلب.
والخوف من الله يبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والسيئات.
والخوف من الله يجعل الإنسان يخلص عمله لله تعالى، وأن لا يضيعه بالترك أو المعصية.
والخوف من الله يورث المسلم الشفقة على الخلق.
ويحمل الإنسان المسلم على التخلق بالأخلاق الحسنة وتجنب الكبر والعجب.

عباد الله: احرصوا بارك الله فيكم على الخوف من الله، فمن خافه واتقاه رضي عنه وأرضاه وأنجاه من سكرات الموت وعذاب القبر وكربات يوم العرض.
واعلموا أن الدنيا أيام قليلة، وأن من خاف ربه حسن عمله، فاتقوا الله وتزودوا للقاء الله، واحذروا من الغفلة والركون إلى الدنيا وكثرة المظالم، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.

أيها المؤمنون: وإن من فضل الله علينا خلال الأيام الماضية ما تحقق لهذه البلاد من المكاسب العظيمة وذلك بما أنعم الله به على ولي العهد المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز من تمام الصحة، ونسأل الله أن يديم عليه هذه النعمة وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية وأن يعيده إلى بلاده سالماً معافى ليواصل العمل مع أخيه خادم الحرمين الشريفين في قيادة هذا الكيان الكبير، وكذا ما وفق الله له خادم الحرمين من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء وأسأل الله أن يوفقه للقيام بما أنيط به وهو الرجل المحبوب الذي يسهر على أمن هذا البلد، كما أسأل الله أن يعينه لمؤازرة أخيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وتحقيق ما يصبوا إليه كل مواطن ومقيم على ثرى هذا البلد المبارك.

أسال الله تعالى بمنه وكرمه أن يرزقنا خشيته في السر والعلن، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم إنا نحمدك على ما أنزلته علينا من المطر، اللهم إنا نسألك أن تطرح البركة فيه، وأن تجعله عوناً لنا على طاعتك ومرضاتك.

اللهم ارزقنا شكر نعمك وأعنا على أداء طاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
14-4-1430هـ