خطبة بعنوان: (حول موت الصّالحين) 29-1-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قدر الآجال والأعمار وكتب الفناء على جميع الخلائق [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ] (الرحمن الآيتان26، 27) والصلاة والسلام على من ذاق طعم الموت القائل وهو في سياق الموت (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيتان70، 71).

أيها المؤمنون كم نغفل عن ما ينفعنا وتكثر به حسناتنا وكم نلهث خلف ما فيه ضررنا مما يبعدنا عن خالقنا، وكم نعمل للدنيا كثيراً ونقصر في عملنا للآخرة لقد كان السلف الصالح يعملون للآخرة أضعاف عملهم للدنيا وتواصوا بذلك وعملوا عليه وتعاونوا في هذا الباب نصحاً وتعليماً وتوجيهاً وها هو أحد أئمة السلف وهو التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله يكتب للوالي عمر بن عبد العزيز رحمه الله ويدعوه للتفكر والاتعاظ ويوضح له حقيقة الدنيا وحقارتها ويحذره من الاغترار بها ويرغبه في الآخرة ويدعوه للعمل لها على ما كان عليه عمر بن عبد العزيز من الزهد والورع وكان مما كتبه الحسن البصري إليه قوله:

(اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به والندمُ على الشر يدعوا إلى تركه وليس ما يفنى وإن كان كثيراً يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقبها الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقبها مؤونة باقية فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة التي غرت بغرورها وقتلت أهلها بأملها عيشها نكد وصفوها كدر وأنت منها على خطر إما نعمة زائلة وأما بلية نازلة وإما مصيبة موجعة وإما منية قاضية وإنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى لا ترجوه ويوم أنت فيه ينبغي لك أن تغتنمه ويوم يأتي لا تدري أنت من أهله أم لا ولا تدري لعلك تموت قبله فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع وهو الآن عنك سريع الرحلة وغداً أيضاً في يديك فيه أمله فخذ الثقة بالعمل واترك الغرور بالأمل قبل حلول الأجل).

أيها المؤمنون الموت حق وقد كتب الله الفناء على الخلائق أجمعين قال تعالى: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ](آل عمران الآية 185).
وقال تعالى: [قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ](الجمعة الآية 8).

لا بد لكل مخلوق أن يذوق طعم الموت ولو نجا منه أحد لنجا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن موت الصالحين مصيبة وأي مصيبة لأنهم نور في الأرض دعاؤهم كثير يصل الأحياء والأموات ولذا تعظم المصيبة بموتهم لكنها أقدار الله النافذة فمتى تم المدى نفذ القضاء وليس لامرئ عما قضى اللهُ مَهرب.

عباد الله لقد ودعت محافظتنا قبل أيام رجلاً من خيرة رجالها وصالحاً من صلحائها هذا الرجل قضى حياته بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجالسه عامرة بالذكر والمواعظ لا يمكن أن يجلس مجلساً إلا ويترك فيه أثراً واضحاً لقد فقده أهل البوادي والقرى حيث كان يزورهم مذكراً ومعلماً ومرشداً يقول لي رحمه الله قبل وفاته بأيام: (لي ما يزيد على ثلاثين سنة وأنا أصلي الجمعة في القرى والهجر أخطب فيهم أو أتكلم بعد صلاة الجمعة)، وهذا لا يستطيعه إلا من وفقه الله لهذا الخير العظيم.

لقد كان محباً للخير سليم الصدر أحبه كل من عرفه فلله دره، كم غافل ذكره وكم مكلوم صبرَّه وكم عاص دلَّه على الخير وكم من تائه أخذ بيده لدروب الخير وكم معروف أمر به ومنكر غيره بأسلوبه المتميز كم هم أولئك الذين تأثروا به إذا سمعوا صوته المميز وهو يترنم بقصائد ترغب في الجنة والعمل لها، وتحذر من النار وما يوصل لها من الأعمال.

عباد الله اتعظوا بمن مات واستدركوا ما فات وإياكم وغرور الأماني واحذروا أن تفجأكم المنية دون استعداد، جدوا في السير إلى الله ولا يكن الهم هو الدنيا وحطامها فالدنيا دار ممر والآخرة دار مقر فابذروا في الدنيا عملاً صالحاً لتحصدوه في الآخرة حسنات ستكونون أحوج إليها من كل شيء.

إخوتي في الله ما أحوجنا إلى خشية ربنا وكثرة العمل الصالح مادمنا في دار الإمهال لنأمن ونفرح بلقاء الله يوم الجزاء والحساب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم: (أني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله). (رواه الترمذي).

وصدق الله العظيم: [إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ](المؤمنون الآيات57، 58، 59، 60، 61).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين وجعل الشمس والقمر فيهما نوراً يستضيء بهما الناس وأشهد ألا إله إلا الله يخوف عباده ليرجعوا إليه وينيبوا وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله فزع لما كسفت الشمس في عهده فهرع إلى الصلاة وأمر بها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاعلموا عباد الله أن الحكمة من الكسوف والخسوف تخويف الناس ليرجعوا إلى ربهم قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ). (رواه مسلم).

فيصلي الناس إذا رأوا كسوف الشمس أو القمر ولا فرق بين الجمعة وغيرها يصلون في الجوامع وغيرها بل يصلي الناس حتى في أوقات النهي لأن هذا أمر طارئ ونحن مأمورون إذا رأيناه أن نصلي لكن الحكم معلق بالرؤية وليس بالعلم فمتى رأيناه شرعت الصلاة وينادى لها بالصلاةُ جامعةُ حتى يجتمع أشخاص ويصلون تسليمة واحدة فقط فيها ركعتان بأربع ركوعات وأربع سجدات وتصلى فرادى وجماعة في المسجد والبيت والبر فتصلى في أي مكان المهم أن يفزع الناس للصلاة والدعاء والاستغفار خوفاً من عذاب الله،

وطلباً لرحمته وفرجه ولو صلى الشخص بأهل البيت من النساء والذرية لكان ذلك حسناً تعليماً لهم وتعويداً مع بيان الحكمة من ذلك وفعلها مرة في البيت أنفع من عشرات الدروس التي تلقى عليهم لأن القدوة في البيت مطلوبة في العبادة والتعامل مع الخلق والله جل وعلا يبتلي عباده بالنعماء والضراء والسعيد من شكر عند النعماء وصبر عند الضراء جعلنا الله وإياكم من الشاكرين الصابرين .

هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90).ـ وأقم الصلاة ـــ.

الجمعة 29-1-1431هــ.