خطبة بعنوان: (إضاءات حول عيد الحب) 27-2-1431هـ.

الأحد 5 جمادى الآخرة 1440هـ 10-2-2019م

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته، وتركها على المحجّة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }(آل عمران: 102).

أيها المؤمنون: خصَّ الله هذه الأمة بعيدين في مناسبتين عظيمتين، وهما عيد الفطر بعد صوم رمضان، وعيد الأضحى بعد يوم عرفة، وليس للمسلمين عيد سنوي ثالث، لكن لهم عيد أسبوعي هو يوم الجمعة، وقد خصَّه الله جل وعلا بخصائص عظيمة رحمة بهذه الأمة، وكل أمة لها أعيادها الخاصة بها، فلليهود أعيادهم، وللنصارى أعيادهم، وللوثنين أعيادهم.
وإن من المناسبات الدخيلة على مجتمعات المسلمين ما يسمى بعيد الحب، وهي مناسبة معروفة لدى النصارى منذ قرون، ولم تعرف في مجتمعات المسلمين إلا قريباً، ولعل ذلك من آثار ما تبثه القنوات الفضائية.

وقد تأثر بها قطاع من الناس أكثرهم من المراهقين والشباب، ذكوراً وإناثاً.

وحيث أن هذه المناسبة تتكرر سنوياً ونلمس بعض آثارها عند الشباب والفتيات وبعض
المحلات التجارية لذا وجب التنبيه عليها، وتذكير الناس بخطرها وآثارها على الأفراد والمجتمعات، وسأوضح ذلك فيما يأتي:

أولاً: عيد الحب أحد أعياد الرومان، ويعتقدون أنه حب إلهي، وقد أحدثوا هذا العيد قبل قرون حين أعدمت الدولة الرومانية الوثنية ـ القديس ـ فالنتاين الذي اعتنق النصرانية، جعلوا يوم إعدامه مناسبة للاحتفال بشهداء الحب، وباسمه يسمى هذا
اليوم.
ولا يزال الاحتفال بهذا العيد قائماً في البلاد الغربية إعلاناً لمشاعر الصداقة وتجديداً لعهد الحب بين المتزوجين والمحبين، ويسميه البعض ـ يوم العشاق ـ.
وهذا اليوم ثابت في التاريخ الميلادي، وهو يوافق اليوم الرابع عشر من الشهر الثاني من السنة الميلادية، وهو شهر فبراير.

ثانياً: لعل من أهم أسباب التأثر بتلك المناسبة:
1ـ التشبه بالكفار.
2ـ مجاراة الأقران وتأثير أصدقاء السوء.
3ـ ضعف الإيمان، وهذا له أثره الواضح في الخواء الروحي والفكري لدى كثير من الشباب والفتيات.
4ـ القنوات الفضائية وما تبثه من سموم حول هذه المناسبة، وتذكير الناس بها، ووضع البرامج حولها، وهذا يدفع الكثيرين للمسايرة والمشاكلة والتشبه بالآخرين.
5ـ إهمال كثير من الأولياء لأولادهم وبناتهم، وعدم متابعتهم، فقد يتصرف الطلاب والطالبات دون علم أوليائهم، ويقعون في المحذور الشرعي، وهذا ما حدث فعلاً في مثل هذه المناسبة.
ومع تضافر الجهود بين البيت والمدرسة نستطيع دفع مثل هذه المساوئ عن أبناءنا وبناتنا.

ثالثاً: الاحتفال بهذا العيد بأي شكل من الأشكال بدعة منكرة، ورذيلة ساقطة، سواء كان عن طريق ملبوس، أو وروود، أو مأكولات، أو ميداليات، أو شريط أحمر يوضع على الرأس، أو الصدر، أو غير ذلك من المظاهر التي توجد في المحلات،
والفنادق، والمطاعم، وغيرها.

وعلى المسلم أن يتنزه عن هذه الأمور، ويعتز بدينه وأخلاقه، ولو لم يكن في هذه المظاهر إلا أنها بدعة محدثة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(رواه مسلم). أي مردود على من أحدثه.

ثم إنها تشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، والتشبه بهم فيما يختصون به لا يجوز، قال صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم)(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني في الإرواء).

وفيها أيضاً تبرج واختلاط، ووقوع في بعض المنكرات التي هي مقدمات للفواحش، وكل ذلك وسائل إلى المحرم، وما كان وسيلة إلى المحرم فهو محرم، وصدق الله العظيم [وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..](المائدة: 2).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما سمعتم من الآيات والذكر الحكيم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد الهادي إلى سواء سبيل، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أنه يجب على المسلمين أن يعتزوا بدينهم، ويحفظوا عليهم أعراضهم وأخلاقهم، ويبتعدوا عن مشابهة الكافرين في كل ما يختصون به، ولاسيما أعيادهم الكثيرة التي وضعوا لها هالة إعلامية عظيمة عبر قنوات إعلامية مختلفة، وإن من أخس أعيادهم وأسوأها (عيد الحب) الذي ينشرون فيه الفواحش، ويوسعون دائرتها، وقد امتد كيدهم وشرهم فطال المسلمين، ولذا صدرت الفتاوى من أهل الاختصاص حول عيد الحب.

ومن ذلك ما صدر عن اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية حيث عرض عليها هذا السؤال:
يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير: 14/2 من كل سنة ميلادية بيوم الحب (فالنتين داي) ويتهادون الورود الحمراء، ويلبسون اللون الأحمر، ويهنئون بعضهم، وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر، ويرسم عليها قلوب، وتعمل بعض المحلات إعلانا على بضائعها التي تخص هذا اليوم، فما رأيكم؟
أولاً: الاحتفال بهذا اليوم.
ثانياً: الشراء من المحلات في هذا اليوم.
ثالثاً: بيع أصحاب المحلات (غير المحتفلة) لمن يحتفل ببعض ما يهدى في هذا اليوم، وجزاكم الله خيرا.

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأنه دلت الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة ـ وعلى ذلك أجمع سلف الأمة ـ أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، وما عداهما من الأعياد سواء كانت متعلقة بشخص أو جماعة أو حدث أو أي معنى من المعاني فهي أعياد مبتدعة لا يجوز لأهل الإسلام فعلها ولا إقرارها، ولا إظهار الفرح بها، ولا الإعانة عليها بشيء لأن ذلك من تعدي حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وإذا انضاف إلى العيد المخترع كونه من أعياد الكفار فهذا إثم لأن في ذلك تشبهاً بهم، ونوع موالاة لهم، وقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن التشبه بهم، وعن موالاتهم في كتابه العزيز، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(من تشبه بقوم فهو منهم)()، وعيد الحب من جنس ما ذكر لأنه من الأعياد الوثنية النصرانية، فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله، أو أن يقره، أو أن يهنىء به، بل الواجب تركه واجتنابه استجابة لله ورسوله، وبعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء منالتعاون من أكل أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان، أو غير ذلك لأن هذا كله من التعاون على الإثم والعدوان، ومعصية الله والرسول، والله جل وعلا يقول [وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب..].

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة. الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.

فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد، سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك..)انتهى كلامه رحمه الله.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يثبتنا على الإسلام حتى نلقاه به.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك
يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اربط على قلوب جنودنا البواسل وأمدهم بعونك وتوفيقك.
اللهم سدد رميهم ووحد صفهم وألق الرعب في قلوب أعدائهم.
اللهم رد كيد المعتدين إلى نحورهم، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ولاة أمرنا أو أراد علماءنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
اللهم قوِّ عزائم جند الإسلام الذين يدافعون عن الدين والمقدسات والأعراض والبلاد والحرمات،اللهم احفظ من كان منهم في الجو، ومن كان في البحر، ومن كان في الأرض.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا وبلادنا وقيادتنا واجتماعنا يا ذا الجلال والإكرام. [ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن وقنا عذاب النار]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثا سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، تسقي به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90). ـ وأقم الصلاة ــ.
الجمعة: 27-2-1431هـ