خطبة بعنوان: (تأملات في البركان وآثاره) 16-5-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي القهار العزيز الجبار يخلق ما يشاء كل ما في الكون من آياته الدالة على عظمته وقدرته يذكر عباده ويخوفهم وصدق الله العظيم: [وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً](الإسراء الآية 59)، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه ربه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعتبروا واتعظوا بما ترون من الآيات والعظات [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا] (الأحزاب الآية 70، 71، 72(.
أيها المؤمنون جرت سنة الله جل وعلا في عباده أن يعطيهم حسب أعمالهم وقربهم من ربهم وبعدهم عنه فإذا اتقوه وأطاعوه رزقهم وأنزل عليهم من بركات السماء ويسر لهم من خيرات الأرض قال الله جل وعلا: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ](الأعراف الآية96).
وكل ما يحصل للناس فبما كسبته أيديهم وقد يكون وراء ذلك حِكم أُخرى من الابتلاء والامتحان ورفعة الدرجات ومحو السيئات قال تعالى:[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ](الشورى الآية 30).
وكل ما نراه في هذا الكون من الآيات هو مذكر بالله وداعٍ لقوة التصديق وتمام اليقين بعظمة الخالق سبحانه وتعالى وهو في نفس الوقت يدعو لشكر الله على نعمه العظيمة وإلائه الجسيمة التي يتقلب بها العباد ليل نهار.
عباد الله ولله جل وعلا في عباده سنن لا تتغير ومنها هلاك المكذبين ومعاجلة الظالمين بالعقوبة قال تعالى: [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ](آل عمران الآية137).
والقرآن ملئ بالتحذير من مسالك المعرضين عن الهِ الذين سلكوا طرق الشيطان وابتعدوا عن طريق الرحمن وقد جاءت آيات القرآن توضح مصيرهم وتبين عقوبتهم في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة قال تعالى: [وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ](الأعراف الآية 4)، وقال تعالى: [وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً] (الطلاق الآية8).
عباد الله لقد قص الله علينا خبر قوم لوط عليه الصلاة والسلام حين انتكست الفطرة عندهم وأحدثوا منكراً شنيعاً كانوا فيه قدوة سيئة لغيرهم لقد ارتكبوا فاحشة عظيمة حيث أقدموا على فعل فاحشة اللواط وأصبحوا يأتون الرجال دون النساء وقد شنَّع الله عليهم في القرآن في آيات كثيرة قال الله تعالى: [وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ](الأعراف الآية 80، 81).
لقد أهلكهم الله بقلب ديارهم عليهم وأمطرهم بحجارة صبت عليهم العذاب فأحرقتهم وصدق الله العظيم [فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ](هود الآية 82).
جاءتهم حجارة من نار متتابعة شوت أجسادهم وأبادتهم عن آخرهم حيث هلكوا صباحاً عن بكرة أبيهم وقد تكرر حاصب النار عام الفيل حيث ألقى الله جل وعلا عليهم حجارة من نار جعلتهم كعصف مأكول وصدق الله العظيم: [أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ](سورة الفيل).
عباد الله البراكين نوع من الحاصب وهي كغيرها من جنود الله تتحرك بأمره يرسلها لحكم عظيمة يهلك بها من يشاء من خلقه ومتى ثارت هذه البراكين أحدثت خوفاً ورعب وأهلكت كل ما مرت عليه فلا تدع شيئاً مرت عليه إلا دمرته لأنها تقذف حمماً عظيمة وصخوراً من نار وتسير فيها أودية من النار تتوقد تؤثر حتى بدخانها الذي يصل أحياناً إلى مسافات بعيدة وما حدث هذه الأيام من آثار عظيمة لبركان ايسلندا يدعو للعظة والعبرة حيث عجز البشر مع قوتهم وجبروتهم واختراعاتهم عن مواجهة هذا البركان ودفع آثاره حيث شل حركة الطيران وأثر تأثيراً بالغاً على الاقتصاد الأوروبي ووقفوا أمامه يتفرجون لم يستطيعوا فعل شيء وهم يخسرون المليارات يومياً وهكذا إذا نزل عذاب الله فلا دافع له [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ](الطور الآيتان7، 8).
وقال تعالى: [وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً](الإسراء الآية59).
وقال تعالى: [هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ* وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ](الرعد الآيتان12، 13).
لقد أخطأت حسابات الغرب حول هذا البركان الهائل وتناقضت تصريحاتهم ووقفوا مذهولين أمام عظمة الخالق وصدق الله العظيم: [وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً](الإسراء الآية 85).
عباد الله وربنا جل وعلا يصرف هذا الكون بتقديره كيف شاء فما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله الأحوال ويقلب الأمور ما بين غمضة عين والناس في أمن وأمان وسير لحياتهم اليومية إذ تحولت أمورهم وتغيرت أحوالهم ووقعت بهم هذه الكارثة دون مقدمات يرتفع هذا البركان العظيم ويشكل سُحب كثيفة من الدخان ليربك الحسابات ويشل الحركة ويرعب الناس وهنا يتذكر المؤمنون الصادقون قيام الساعة وكيف تأتيهم بغتة وصدق الله العظيم: [وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ](الحج الآية55).
وقال تعالى: [أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ](يوسف الآية107).
عباد الله وأمام عجز هؤلاء المتقدمين علمياً وأمام تناقض تصريحاتهم وأمام ما حدث لهم من خوف ورعب وأمام مناظر مئات المسافرين في المطارات الذين تعطلت مصالحهم نقف حامدين لله شاكرين له إذ نعيش بأمن وطمأنينة لم يصل إلينا شيء من الآثار المدمرة لهذا البركان بل نقف متعظين معتبرين حيث أن البلد الذي ثار فيه البركان ـ اسليندا ـ لم يتأثر أبداً من هذا البركان فقد نقلت الرياح الدخان إلى بلاد أخرى ولذا فمطارات هذا البلد مفتوحة واقتصادياته لم تتأثر فسبحان من له الأمر من قبل ومن بعد يصرف الأمور بعلمه كيف يشاء [أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً](الإسراء الآية 68)، وقال تعالى: [أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ](الملك الآية 17).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد القهار مكور الليل على النهار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واحمدوا الله واشكروه على نعمه العظيمة وإلائه الجسيمة ومن هذه النعم هذا الهواء الذي نتنفسه دون ثمن بل هو متاح مبذول في كل مكان ولا تظهر قيمته ولا يعرف العبد نعمة الله عليه فيه إلا إذا تلوث هذا الهواء وتغير فهنا يلمس الناس آثار هذه النعمة وتتحول مع هذه الرياح وهذه الأتربة إلى مصيبة يقف الناس أمامها حائرين مذهولين وتكثر الاختناقات والإغماءات ويتردد الناس على المستشفيات ولا سيما الذين لديهم إصابات صدرية وحيث توالت الرياح هذه الأيام وكثرت فينبغي أن نقف وقفة عظة وعبرة.
ونعلم أن الريح من جنود الله لا يقف أمامها شيء تقتلع الأشجار وتدمر المباني وتزيل ما يكون في طريقها ولا تسل عن آثارها على الكهرباء والطرق والمزارع لأنها تصل إلى كل مكان وقد أرسل الله الريح العقيم على عاد وجعلها عقوبة لهم قال تعالى: [وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ](الذاريات الآيتان 41، 42).
عباد الله ويخطئ كثير من الناس حينما يتذمرون من هذه الرياح بل بعضهم يسبها ويصدر الكلمات التي تدل على جهله وغفلته فالله له الحكمة المطلقة يرسلها على عباده تذكيراً وإنذاراً وقد نهى رسولنا صلى الله عليه وسلم عن سب الريح وأرشدنا إلى ما نقوله إذا رأيناها قال صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ) (رواه الترمذي).
وأما ما ورد (اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا)، وما ورد (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً).
فكل ذلك ضعيف وعلينا أن نأخذ بالتوجيه النبوي في هذا الباب ونكثر من الاستغفار والعمل الصالح واللجوء إلى الله فنحن عباده أمرنا بيده الكون كونه والأمر أمره والعباد عباده له الأمر من قبل ومن بعد لا إله إلا هو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمن مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم يا حي يا قيوم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير.
اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد بمنك وكرمك وجودك وفضلك وإحسانك يا ارحم الراحمين.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، واغفر ذنوبهم وارفع درجاتهم واغفر لهم ولأبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم يا ارحم الراحمين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ]
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت: أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار، اللهم واجعل ما أنزلته بلاغاً لنا إلى حين، اللهم اطرح البركة فيه وعم به أوطان المسلمين، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم مطراً هنيئا اللهم سحاً طبقا اللهم عاماً نافعاً بمنك وجودك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجمعة :16-5-1431هـ