خطبة بعنوان: (فضل العلم وتوجيهات للمعلمين والطلاب) بتاريخ 11-10-1432هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان وعلمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له امتن على أمة الإسلام بنعمة العلم والإيمان، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أعلم الناس برب العالمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ..}(النساء:131).

عباد الله: ها هي الأيام والشهور تمضي سريعاً، فبعد أن كان الناس ينتظرون الإجازة ليلقوا عن أنفسهم عناء الجد والاجتهاد، وليجددوا نشاطهم وحيويتهم، ها هم اليوم يستعدون لاستقبال عام دراسي جديد، وتلك آية عظيمة من آيات الله جل وعلا ليبين للخلائق حقارة الدنيا، وسرعة انقضائها، ولكي يستعد المرء لما بعدها من شدائد وكربات، وحساب وجزاء.
عباد الله: انقضت الإجازة، وطُويت معها صحائف أعمالنا في تلك الفترة، فمن تزود فيها بالحسنات فهو الرابح يوم يقف بين يدي رب العباد، فيأخذ كتابه بيمينه {..فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}(الحاقة:19ـ24).

وأما من فرط فيها وأثقل ظهره بالسيئات والموبقات وترك الفرائض والواجبات فهو المغبون الخاسر، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}(الحاقة: 25ـ29)، فحاسبوا أنفسكم، واعتبروا بما مضى من الليالي والأيام، واسألوا أنفسكم: ماذا قدّمتم لغدٍ؟

عباد الله: يستقبل الجميع غداً عاماً دراسياً جديداً، وقد بذل من أجله الأموال والأوقات، والمسلم مأجور في ذلك إذا صلحت نيته، وقصد بذلك رفع الجهل عن أهله وأولاده، ودفع عجلة التقدم لبلده، وهذا يحتاج منا للشد على أيدي أبناءنا وبناتنا لحثهم على التفوق والنجاح.

عباد الله: إن طلب العلم فريضة على كل مسلم، لأنه يوصل إلى خشية الله،قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر:28).
وطلب العلم سبيل إلى التفقه في الدين، قال صلى الله عليه وسلم:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)(متفق عليه).
وطلب العلم طريق إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:(ومن سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنـة)(رواه مسلـم).

وفي رواية عند أبي داود وغيره(.. وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ).

عباد الله: إن طلب العلم فضله عظيم، وأجره كبير، وثوابه جزيل، وهو من أسمى ما طلبه الإنسان لأنه يقربه من ربه، ويعرفه الطريق الذي يصل به إلى مرضاته، وهو النور الذي يضيء له الطريق للوصول إلى جنته ورضوانه.

إن الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى العلم، فما سادت أمة إلا به، ولا تقدم شعب إلا بنشره وحض الجيل على تعلمه،وشتان بين مجتمع يربي ناشئته على محبة العلم وتقديره، ومجتمع لا يلقي لذلك بالاً.
والعلم يشمل كل ما يجب على المسلم المكلف تعلمه ليعرف كيف يعبد ربه، وكيف يتعامل مع الناس بيعاً وشراء، أخذاً وإعطاءً، ويأخذ بأسباب المعرفة والإدراك لجميع مناشط الحياة وأنواع علومها المختلفة، وكيفية التعامل مع الآلة الحديثة التي لا تستغني عنها المجتمعات الآن وعن كيفية تعاطيها واستعمالها.
ولو تعاملنا مع أجواء الدراسة بهذه النظرة الشمولية للعلم ومسيس الحاجة إليه لتغيرت مفاهيم كثيرة لدى الطلاب وأولياء أمورهم، ولدى المدرسة ومعلميها.

فوصيتي لطلابنا وطالباتنا أن يخلصوا نياتهم، ويشدوا من عزمهم، ويصدقوا في طلبهم، وأن يجدوا ويجتهدوا من أجل الوصول إلى غايتهم، ولا يكون هم أحدهم الحصول على الشهادة من أجل عرض دنيوي، إنما يكون همهم أسمى من ذلك، فيطلبون العلم من أجل نفع أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم، وكلما صدق الطلاب في ذلك كلما حصل لهم التوفيق والإعانة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (فاطر:32ـ 35).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.
عباد الله: ووصيتي للمعلمين والمعلمات، والمربين والمربيات ألا يغفلوا عن التربية، لأنها ركن أساسي في مسيرة التعليم، فبدونها يحصل عكس ما نتمناه، فكما نحرص على تعليم أبناءنا جميع صنوف العلوم، فلابد أن يكون مع التعليم تربية على الأخلاق الفاضلة، وحب هذا الدين والبذل له.
فيكون هدفنا من التعليم والتربية أن نربي أجيالاً تفخر بدينها، وتنافح وتدافع عنه، وتنشره في العالمين، إن كان طبيباً ففي عيادته، أو مهندساً ففي مصنعه، أو معلماً ففي مدرسته، أو تاجراً ففي معاملاته، أو غير ذلك، فكلٌ في مجال عمله لابد أن يكون له أثر في رفع مكانة الدين بين الخلق أجمعين.

ويخطئ من يتخذ مهنة التعليم والتربية على أنها مصدر رزق ودخل فحسب، لكن الأمر أعظم من ذلك، فكلما أخلص المعلم في نيته وصدق في تعليم الطلاب والطالبات، وبذل الأسباب الموجبة لتفوقهم نال الخير العظيم والثواب الجزيل.
فيا أيها المعلمون والمعلمات: ها هم الآباء والأمهات يقومون بتسليم فلذات أكبادهم إليكم، وهم ينتظرون منكم بذل الجهد من أجل تعليمهم وتربيتهم، فكونوا خير مربين للأجيال، ألا تحبون أن تكونوا من معلمي الناس الخير الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ)(رواه الترمذي)

يا رجال التربية والتعليم: احمدوا الله واشكروه أن هيأ لكم ربكم وظيفة الأنبياء، فأنتم تربون الناشئة على الخير، وتدلونهم على الطريق الصحيح، فكونوا قدوة لهم في كل باب من أبواب الخير، وحذار حذار أن يقتدي الطلاب والطالبات بكم في أمر لا يسر، فالمسؤولية عظيمة، والأمانة ثقيلة.

ربوهم على الفضائل، نشئوهم على الصدق والإخلاص ومحبة الخير للغير، اغرسوا في قلوبهم محبة الدين والتضحية من أجله، أشعروهم بحب ولاة أمرهم وعلمائهم، والقيام بواجبهم في الدفاع عن وطنهم، والحرص على مقدساته ومكتسباته.
زادكم الله من الإيمان والهدى، وحقق على أيديكم ما تصبوا إليه هذه البلاد من عز وتمكين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:56) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وخليلك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وتقبل صيامهم وقيامهم واستجب دعاءهم يا كريم.
اللهم فرج عن إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين والمظلومين يا جبار السموات والأراضين، اللهم انتقم من الطغاة الجبابرة، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي يا متين.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90)،
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 11-10-1432هـ