خطبة بعنوان: (توجيهات هامة للمسافرين) بتاريخ 11-7-1433هـ .
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء: 1).
عباد الله: من أقر بوحدانية الله تعالى وربوبيته تطلَّب ذلك منه الاستقامة على صراطه المستقيم حتى يلقاه؛ قال تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ..} (هود:112)، ومن أعلى مراتب الاستقامة أن يظل المسلم محافظًا على فرائض دينه، ملتزمًا بآدابه وأخلاقه، منتهيًا عن كل ما يخدش إيمانه أو يقدح فيه. فهو يسير سيراً حثيثاً إلى خالقه، فلا يخطو خطوة ولا يقدم على عمل إلا وينظر هل هذا يرضي ربه أم لا؟ . ومن علم أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه مسافر إلى الله، دفعه ذلك إلى أن يتزود بالتقوى والعمل الصالح حتى ينجو ويفوز.
وحيث أن الإجازة الصيفية قد قربت وكثير من الناس حريصون على السفر سواء في داخل المملكة أو في خارجها فإننا نحتاج إلى معرفة ما ينفعنا في تلك الأسفار، وأن نتعلم الآداب التي تعيننا على التزام أمر ديننا حينما نتنقل من مكان إلى مكان، وأن نحرص على أن تكون هذه الأسفار عونا لنا على تجديد نشاطنا، وقربة لنا للدار الآخرة، ومن ذلك:
أولاً: الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، وأن يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً. فالترفيه البريء والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراض شرعية، وأهداف مرعية، لكن يجب أن يكون ذلك في حدود ما هو مباح شرعا. فعليه أن يستحضر النية الطيبة بالسفر والنزهة بأن ينوي التقوِّي على طاعة الله تعالى، والتوسعةَ على العيال، وإدخالَ السرور عليهم.
ثانياً: السفر والسياحة في الأرض والتأمل في عجائب الكون يزيد العبد معرفة بربه عز وجل ويقينًا بأن لهذا الكون مدبرًا لا ربّ غيره ولا معبود بحقّ سواه. فينبغي عليه أن ينظر إلى ما حوله من مخلوقات ربه وعظيم هيئتها وجمال رونقها وقوة خلقتها {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}(النمل:88)، لأن ذلك يقوي إيمانه ويحثه على العمل الصالح، فهو إذا نظر وتأمل وتدبّر، ترتب على ذلك الخشية من الله سبحانه، وترتب على تلك الخشية أن يحرص على الخير وأن يبتعد عن الشر، وقد وجهنا المولى جل وعلا إلى التفكر في ملكوته العظيم وآياته الواضحات، فقال جل وعلا{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:185)، وقال تعالى {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}(الغاشية:17ــ 21).
ثالثاً: على من أراد السفر أن يتعلم أحكامه وآدابه، وأن يقدم الاستخارة والاستشارة وأن يتفقّد مركبته، وأن يأخذ بوسائل السلامة والأمان، وألا ينسى دعاء الركوب والسفر، وأن يكثر من ذكر الله وشكره على نعمة المركوب ونعمة الأمن ونعمة تيسير الطرق.
رابعاً: من أراد السفر فعليه بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي وأن يخرج من مظالم الخلق، وأن يقضي ما أمكنه من الديون التي عليه، وأن يرد الودائع لأصحابها، وأن يكتب وصيته، وأن يوكل من يقضي عنه دينه مما تبقى في ذمته، وأن يترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها إذا لم يسافروا معه، وينبغي له ألا يسافر لوحده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)(رواه البخاري)، بل يستحب له أن يطلب رفيقاً طيبا صالحاً يرغبه في الخير ويحذره من الشر.
خامساً: يستحب لمن أراد السفر أن يكون سفره يوم الخميس، لما ورد أن كعب بن مالك قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا في يوم الخميس.(رواه أبو داود).
سادساً: يستحب للمسافر أن يتوقف للراحة بعض الوقت أثناء الطريق، خصوصا آخر الليل، وأن يجتنب المبيت بالطريق، لما ورد من حديث خالد بن معدان يرفعه (وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لا تُطْوَى بِالنَّهَارِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ ــ والتعريس نزول المسافر آخر الليل ساعة للاستراحة ــ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ)(رواه مالك)، وأن يذكر الله إذا نزل منزلاً يخشى فيه الضرر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) (رواه مسلم).
سابعاً: يشرع للمسافر إذا علا على شرف أن يكبر، وإذا هبط واديا أن يسبح، لما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا) (رواه البخاري). ويشرع له أن يأخذ برخص السفر من الفطر في الصيام، والمسح على الخفين، والتيمم عند فقد الماء، والقصر للصلاة الرباعية ركعتين، والجمع بين الظهرين والعشاءين، والاقتصار على صلاة الفريضة دون الرواتب إلا الوتر وسنة الفجر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعهما حضراً وسفراً.
ثامناً: أن يستغل سفره في صلة رحمه وزيارة أقاربه لما يترتب على ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، قال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)(متفق عليه).
تاسعاً: أن يخصص أياماً من إجازته لزيارة الحرم المكي لأداء العمرة، وزيارة المسجد النبوي، ليحصل بذلك على الأجر العظيم؛ وليكون سفرُه سفرَ طاعةٍ من أحسن أنواع الأسفار.
عاشراً: أن يكون سفره للأماكن المباحة والتي سخرتها الدولة لمواطنيها ومقيميها، كالشواطئ، والمتنزهات، والحدائق العامة، والأودية الخلابة والأماكن الجذابة، مروراً بالمصايف الجميلة والصحاري الممتدة ذات الرمال الذهبية العجيبة، يتنقل في روابيها، ويتنزه في نواحيها، ويسعد في أجوائها. وبالجملة فأي غرض شريف يطلبه المسلم لا يتحصل إلا بالسفر والارتحال، فالسفر إليه مباح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }(العصر). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن التقوى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
عباد الله: ولا يجوز السفر لمن قصد اقتراف الحسرم كمن سافر من أجل الوقوع في الفواحش والموبقات، ولا أن يسافر إلى مكان يغلب على ظنه أنه يقترف فيه محرماً، ويرى بعض أهل العلم أنه لا يصح له استخدام رخص السفر التي أباحها له الشرع في السفر المباح.
ولا يجوز السفر لمن كان عليه دين يحل قبل رجوعه من سفره إلا أن يأذن له صاحب الدين، ولا يجوز له السفر إذا كان نفقته من مال حرام ومن فعل ذلك فهو آثم وعليه وزر عظيم، وإن مات على ذلك كان على خطر كبير.
ولا ينبغي السفر لتحصيل نفع يترتب عليه تضييع نفع أكبر وواجب أعظم كمن سافر من أجل زيارة أصدقائه وترك صلة رحمه كالوالدين، والأقارب، فهذا قد فعل مستحباً وترك أمراً واجباً.
ولا يجوز لمن أراد السفر أن يترك والديه إن كانا يحتاجان إليه، ولا يجوز له أيضاً أن يسافر ويترك أهله دون رقيب، أو حسيب، أو مال ينفقون به عليهم لأنه يهمل واجباً من الواجبات الشرعية عليه. ولا يجوز له أن يسافر مع صحبة من رفقاء السوء لفعل المعاصي المختلفة من الصغائر والكبائر وغيرها.
ولا يجوز لمن ولاه الله رعية أن يترك زوجته أو إحدى محارمه تسافر مع غير ذي محرم بحجة الاستمتاع بالإجازة.
عباد الله: ويجب على المسافر اجتناب المنكرات، وبعض الناس يعطي نفسه إجازة دينية في أسفاره، فبمجرد خروجه من مكان إقامته ويبدأ بالإعراض عن الله، والتفريط في جنبه، والوقوع في معاصيه، وهذا ليس من الدين في شيء، بل ذلك يخالف قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام: 162 ـ 163).
ولا يجوز للمسافر حضور الحفلات الغنائية والموسيقية وكذا الحفلات التي يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ولا أن يدل أهله وأولاده عليها، فإن فعل فهو آثم وهو لهم غاش، وقد قال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}(رواه مسلم).
ولا يجوز للمسافر أن يتساهل في مسألة الحجاب والستر لأهله وبناته بحجة أنهم بعيدون عن أعين الذين يعرفونهم، ومن وقع في ذلك فقد أتى بمنكراً عظيماً.
ولا يجوز للمسافر السهر الطويل الذي يؤدي إلى تضييعه لصلاة الفجر بل ربما صلاة الظهر أيضاً، فإن كان لا يؤثر عليه في ذلك فلا إشكال فيه إذا كان في مباح، فإن كان في معصية أو يحصل به تضييع الصلاة فهو سهر محرم لا يجوز.
ولا يجوز لمن أخذ أهله معه في سفره أن يتركهم في الأسواق لغير حاجة أو ضرورة، بل ينبغي عليه أن يكون معهم، وأن يتابعهم لأنهم أمانة في عنقه.
وختاماً: أوصي شبابنا وبناتنا بتقوى الله تعالى، والبعد عن السفر للأماكن المشبوهة التي تحتوي على كثير من المفاسد والمنكرات والتي تؤثر عليهم عقدياً وثقافياً، وتوقعهم في انحرافات أخلاقية وسلوكية غير حميدة، وتسبب لهم أمراضاً صحية خطيرة. وعلينا أن نشكر الله جل وعلا على نعمه وآلائه، ونحافظ عليها بطاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه. أسأل الله تعالى أن يحفظ لهذه البلاد عقيدتها وقيادتها وأمنها وإيمانها، وأن يحميها من كيد الكائدين وعبث العابثين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56).
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم ارحم ضعف إخواننا في سوريا، وارفع عنهم الظلم عاجلاً غير آجل، وفرج عنهم ما هم فيه من الضيق والهم والغم.
اللهم عليك بمن ظلمهم، اللهم أطبق عليهم قبضتك وبطشك، ورجزك وعذابك.
اللهم إنهم قد بغوا وطغوا، وأكثروا الفساد، فاللهم صبَّ عليهم سوط عذابك، اللهم خالف بين رأيهم وكلمتهم، اللهم شتت شملهم، وفرق صفهم.
اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعجل بوعدك ونصرك المبين، فإننا على ثقة ويقين.
اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفقهم لكل خير، ويسره لهم يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم أصلح شبابنَا وبناتِنا، وأزواجَنا وذرياتِنا. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة).
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة: 11-7-1433هـ