خطبة بعنوان: (أحكام صلاة المريض على الكرسي) بتاريخ 16 / 6 /1434هـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: 78)، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي الخاتم الأمين وخير الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً مزيدا إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون: واعلموا أن تقواه طريق الخير والرشاد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18).

عباد الله: الشريعة الإسلامية مبنيَّة على اليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة عن المسلم؛ وقد خفف الله تعالى عن أهل الأعذار من المرضى وغيرهم عباداتهم بحسب أعذارهم ، ليتمكنوا من أدائها دون عنت، قال الله جل وعلا:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج: 78)، وقال:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة:185)، وقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(التغابن:16)، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(رواه مسلم)، وقال:(إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)(رواه البخاري).

أيها المؤمنون والمؤمنات: كثر في الآونة الأخيرة الصلاة على الكرسي في بعض المساجد مع قدرة بعض المصلين على الصلاة قياماً، وهذا تساهل في أداء هذه العبادة العظيمة، وجهل بالحكم الشرعي المترتب على الصلاة على الكرسي، لأن البعض يظن أن مجرد الشعور بالتعب يجيز له ذلك مع أنه قوي قادر، وهنا يخل بركن القيام والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين وغيرها.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع فلابد من بيان بعض أحكام الصلاة على الكرسي للعاجزين عن الصلاة قياماً أو العاجزين عن السجود، فأقول:

1ـ أجمع أهل العلم على أن القيام ركن في صلاة الفرض للقادر عليه، لقوله تعالى {وقوموا لله قانتين}(البقرة: 238)، فإن كان الجالس على الكرسي قادراً على القيام دون مشقة لم تصح صلاته.

2ـ من لم يطق القيام، له أن يصلي جالساً سواء كانت صلاته على كرسي أو على غيره، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)(رواه البخاري). ومع ذلك لا ينقص ثواب المريض في حال جلوسه عن ثوابه في حال القيام ما دام معذوراً، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: (مُروا أبا بكر أن يصلي بالناس)، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعداً.، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إذا مرض العبد، أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)(رواه البخاري).

3ـ إن استطاع المصلي على الكرسي أن يبدأ قائماً وجب عليه القيام، فإن استطاع الركوع وجب عليه أن يركع ويجلس على الكرسي للسجود، فإن لم يستطع الركوع فيجلس عند الركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه، وإذا عجز عن الوقوف أو القعود على الأرض جلس على الكرسي وأومأ بالركوع، فإن استطاع السجود سجد وإن لم يستطع السجود أومأ به إيماءًا، وإذا كان يستطيع الجلوس على الأرض والسجود وصلى على الكرسي لم تصح صلاته لأنه أخلَّ بركن السجود والجلوس بين السجدتين.

4ـ من لا يستطيع القيام والركوع كمن أصيب بقدميه ويستطيع الجلوس على الأرض أو على كرسي فلا يجوز له ترك السجود وهو قادر عليه، فكل ركن له أحواله الخاصة به، فقد يستطيع المريض القيام ولا يستطيع الركوع، وقد يستطيع الركوع ولا يستطيع السجود، فلا بد أن يؤدي ما يستطيعه من تلك الأركان، فإن لم يؤده مع قدرته عليه لم تصح صلاته لفوات ركن منها.
أما صلاة النافلة فيجوز الجلوس فيها لعذر أو لغير عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد)(رواه البخاري).

5ـ يجب على من صلى جالساً على الأرض أو على الكرسي أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع ذلك جعلهما على ركبتيه، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة ـ وأشار بيده على أنفه ـ واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر)(متفق عليه).
ومن عجز عن ذلك كله صلى على كرسي، ولا حرج عليه في ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}
(التغابن:16)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(رواه البخاري).

6ـ من صلى قائماً فعليه مساواة الصفِّ بالمنكب والكعب، فلا يتقدم أو يتأخر عن الصف، ولو تأخر الكرسي إذا كان لا يستطيع السجود على الأرض، لكن يراعي من وراءه في الصف الذي خلفه.

7ـ الذي يصلي جالساً على الكرسي عليه أن يحاذي المأمومين الواقفين بمنكبيه وهو جالس، ولو تقدمت رجلاه عليهم لأنه معذور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { .. مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(المائدة: 6).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون: وأعلموا أن من الأحكام المتعلقة بصلاة المريض على الكرسي ما يلي:
8ـ المصلي على الكرسي له الصلاة في أي مكان في الصف، لكن ينبغي ألا يؤدي وجوده إلى حدوث فرجة في الصف أو عدم تسويته.

9ـ ينبغي لمن يصلي على الكرسي أن يختار كرسياً لا يشغل أثناء حركته ولا يأخذ حيزاً أو مكاناً أكثر من جسم المصلي عليه حتى لا يؤثر على من حوله من المصلين.

10ـ تجوز الصلاة خلف إمام مقعد يصلي على كرسي والمأموم يصلي خلفه جالساً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ)(رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
11ـ إذا كان المسجد ممتلئاً بالمصلين فيجوز لمن يصلون على الكراسي أن يصلوا خلف الصفوف في آخر المسجد، ولهم أن يصلوا أوسط الصفوف وفي أطرافها.

12ـ والخلاصة أن المريض إذا صلى على كرسي أو ما في حكمه فيجب عليه أن يصاف المأمومين حسب حاله إن كان يستطيع القيام فيصافهم قائماً وإن تأخر الكرسي، وإن كان لا يستطيع القيام فيصافهم جالساً على الكرسي ولو تقدمت رجلاه.
أسأل الله جل وعلا أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يعظم أجرهم، ويرفع درجاتهم، وان يمن علينا جميعاً بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56).
الجمعة: 16 / 6 /1434هـ