خطبة بعنوان: (توجيهات ونصائح قبل الاختبارات) بتاريخ 7-7-1434هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين:{.. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ.. }(النساء: 131).

عباد الله: لقد قربت فترة الاختبارات، وفيها يستعد الطلاب والطالبات ويتهيّئون للدخول فيها بعد أن أمضوا أياماً وشهورًا من المذاكرة والجد والاجتهاد، وطلابنا في هذه الفترة يستعدون وينشطون، فالاختبار عندهم فيه شيء من الخوف والرهبة، وعن طريقه يحدد مصير صاحبه ومستقبله الدنيوي، فإذا انتهى من دراسته ووفقه الله للنجاح غمرته الفرحة فهو مسرورٌ مبتهج، أما إذا رسب وفشل بسبب تقصيره وتفريطه فهنا يتغير وجهه ويعلوه الحزن والاكتئاب.

وهكذا الحال في البيوت فالآباء والأمهات قلوبهم وجلة، وأذهانهم قلقة، وقد أعلنوا حالة الطوارئ. فالأب والأم يشجعان أولادهم على الاجتهاد والتفوق، ويعِدان ويمنِّيان ويتوعّدان ويحذّران، وينتظران بفارغ الصبر نتيجة أولادهم، وقد بذلا من مالهما وراحتهما الشيء الكثير من أجل نجاحهم، وهذا الأمر لا شيء فيه لأنه من طبيعة البشر، وهي من الأحاسيس الطبيعية التي فطر عليها الإنسان ونرجو أن يثابوا على ذلك حسب نياتهم.

ولكن أيها الأبُ المشفقُ ويا أيتها الأم الحنون على أولدهم، وأنتما تخافان من إخفاقهم وفشلهم، ها أنتم وظفتم معظم اهتمامكم من أجل تفوقهم في اختبار الدنيا، فهل نظرتما إلى جانب آخر مما يحتاجه أولادكم. فبعض الآباء والأمهات إذا تأخر أولادهم في النوم عن وقت الاختبار فماذا يكون حالهما؟ وكيف يصنعان في هذا الموقف؟ أليسا يسابقان الزّمن ليدرك الأولاد الاختبار؟!

نعم الجميع يعلم أن ذلك يحدث، ولكن أرأيتَم لو نام الأولاد يومًا أو أيامًا عن صلاتهم فكيف يكون الموقف من ذلك؟ الغالب أن الأبوين يرحمان ضعفهم ويؤجلان إيقاظهم شفقة عليهم، فهل اختبار الدنيا يساوي اختبار الآخرة، وهل حق الله تعالى أهون عندنا من حق الدنيا الفانية؟

عباد الله: وبعض الآباء والأمهات في أيام الاختبارات يسألون أولادهم عما فعلوه في اختبارهم وهل كان جوابهم صحيحاً أم لا؟ ولكن هل سألوهم أيضاً عن كلّ يوم لم يصلوا فيه؟ وهل أدوها في وقتها وحافظوا عليها حيث ينادى بها؟
وهناك البعض الآخر من الآباء والأمهات إذا رأوا تقصيرا وتفريطاً من أولادهم في أداء الاختبارات بحيث لم يوفقوا للجواب الصحيح تضيق صدورهم، ويشتدّ همّهم وغمّهم، ويأخذ بهم الغضب كل مأخذ؟! وقد ينزِلون بهم أشدّ أنواع العقوبة والحرمان، ولكن أين ذلك كله حين يرون أن أولادهم يرتكبون المعاصي أو يضيّعون الواجبات الشرعيًة.

ومثل ذلك حال بعض الآباء والأمهات يمنعون أولادهم في أيام الاختبارات من وسائل اللعب والترفيه، والتشديد في عدم السهر لئلا ينشغلون عن مذاكرتهم بأي شاغل، وهذا أمر جيد وحسن، ولكن أين هم عنهم طوال العام حين يغلقون على أنفسهم الأبواب ويشاهدون ما لا يرضي الله جل وعلا؟!

أيها الآباء والأمهات: ماذا فعلنا لإعداد أولادنا لاختبار صعب وشاق جدًا؛ اختبارٍ في القبر، واختبار آخرَ في يوم القيامة، وهو اختبار ليس له إعادة، إما أن يكون نجاحاً وفلاحاً وفوزاً، وإما أن يكون رسوباً وشقاءً وعذاباً، إما إلى جنة وإما إلى نار {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ..}(آل عمران:185).

إن قضية التربية للأولاد قضية مؤرقة وشائكة؛ ومن تأمل في واقعنا ونظر في حالنا يرى الكثير من السلبيات التي أصابت بعض أولادنا مما أثر بدوره على قيمهم وأخلاقهم، فالكثير من الآباء مشغولون عن أولادهم إما بالتجارة، أو الوظيفة، أو السفر، أو الجلوس مع الأصدقاء، أو غير ذلك، مع وجود وسائل بديلة ومتنوعة أثرت على تربيتهم، كالجوالات، وشاشات الكمبيوتر، ووسائل الإعلام المتنوّعة، فهي مرافقة لهم بالليل والنهار، والأولاد مستسلمون لتلك المؤثرات الخطيرة، وهي بدورها تؤثر تأثيراً عظيما على حياتهم وأخلاقهم.

أبنائي الطلاب والطالبات: ها هي أيام الاختبارات قد قربت، فأسأل الله جل وعلا أن يعينكم، وأن ييسر أموركم، وأن يمنَّ عليكم بالعلم النافع والعمل الصالح، وأن يوفقكم لما فيه الخير في الدنيا والآخرة، وأوصيكم بما يأتي:
إخلاص النية في طلب العلم، فإنه من أجلّ نعم الله، واستعينوا بالله في أموركم، وألحوا عليه بالدعاء، واسألوه العون والتوفيق، وإياكم أن تعتمدوا على حولكم وقوتكم، واحرصوا على تنظيم أوقاتكم في المذاكرة والمراجعة، وإياكم وصحبة البطالين الذين يسرقون ساعاتكم الثمينة باسم المذاكرة الجماعية، ولا تطيلوا السهر؛ بل اجتهدوا في النوم مبكرين، والاستيقاظ وأنتم نشطون، وذاكروا ما عليكم بجد واجتهاد وتركيز، واعملوا على تلخيص ما ذاكرتم في نقاط مرتبة؛ لتستطيعوا استحضارها عند الامتحان.
وعليكم بمراقبة الله والخوف منه، واحذروا من الغش، وأصحاب السوء ولصوص العقول، فإنهم يكثرون في مثل هذه المناسبات.
وعند دخولكم الامتحان اقرءوا الأسئلة بعناية شديدة قبل البدء بالإجابة، ولا تقفوا أمام سؤال صعب بل تجاوزوه إلى ما هو أسهل منه كسباً للوقت، وإذا وجدتم من أنفسكم النسيان فاذكروا الله، وأكثروا من الاستغفار؛ فإنه بفضله يفتح لكم جميع المغلقات، وإياكم واليأس! فإن لم تنجحوا في المرة الأولى فكونوا شجعانا وكررا المحاولة.
أسأل الله لكم التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة:86).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن تقواه هي سبيل الرشاد:

أيها الآباء والأمهات: أبشروا وأمّلوا بالخير في أولادكم؛ فقد قمتم بالمسؤولية أحسن قيام، وحملتم أمانة تربيتهم ومتابعتهم ليل نهار، فهذا التعب وهذا الجهد، وهذا السهر والتدريس، وهذا الهم والقلق، وهذه المتابعة السديدة منكم لأبنائكم لن تضيع عليكم أبداً، فعندما ترون صلاح أبنائكم وبرهم وتفوقهم وحسن أخلاقهم وهي نعمة لكم من الله في الدنيا تطيب نفوسكم، وتفرحون وتسعدون.

وأما في الآخرة فترجون رضا الرب الكريم، والجنَّة التي عرضها الأرض والسماوات لا ينفد نعيمها، وهي خير فلاح وفوز لكم، وصدق الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(الطور: 21).

وإنني في مقامي هذا أنبه أولياء أمور الطلاب والطالبات أن يقوموا بتحذير أولادهم من الصحبة السيئة، ومن مروجي المخدرات، وخاصة في أيام الامتحانات، فهم يروجون لها باسم المسكنات والمنشطات، أعاذنا الله وإياكم منهم، وحفظ أبناء المسلمين من كل سوء وبلاء.

وأنتم أيها المعلمون والمعلمات: جزاكم الله عنا وعن أولادنا خير الجزاء، فأنتم من ندين لهم بالفضل بعد الله، فكلماتكم سراج، وتوجيهاتكم نور، وتعليمكم ثمرة جهد كبير، فقد حفظتم بعد الله أولادنا، وربيتم فلذات الأكباد، وتحملتم رسالة كريمة، وأمانة عظيمة، فقد تخرج وتربى على أيديكم أجيال كثيرة انتفع بها الوطن والأمة، نسأل الله أن يأجركم على ذلك في الدنيا والآخرة وأن يعينكم، ويوفقكم دائماً وأبداً، وخاصة في مثل هذه الأيام، التي يكثر فيها جهدكم وبذلكم وعطائكم، فبين أيديكم أوراق الاختبارات، وكشوف الدرجات، والتصحيح والمراقبة، والرصد والمراجعة، وأوصيكم بالتعاون مع أولياء الأمور في هذه الأيام لئلا يتعرض أولادنا لما لا تحمد عقباه.

إن علينا جميعاً أن نتعاون في متابعة هؤلاء الطلاب والطالبات في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم وإيابهم، في أصحابهم وجلسائهم؛ حتى نكون على بصيرة من أمرهم، وعلى يقين من اتجاهاتهم وسيرهم، وحتى يحفظوا بإذن الله من شر كل ذي شرٍ. فهي مسئولية الجميع.

عباد الله: ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الطلاب والطالبات أثناء الاختبارات يرددون بعض الأدعية والأذكار التي لم ترِدْ في السُّنة، وما يشاع بين الطلاب مما يقال في “المذاكرة” وعند “استلام ورقة الامتحانات ” وعند ” تعثر الإجابة ” وعند ” تسليم الورقة ” وغيره، هذا كله مما لا أصل له في السنة, ومن أشاع تلك الأدعية المكذوبة ومثيلاتها وهو يعلم أنها لا تصح نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذب عليه، وإثمه إثم مفتريها وكاذبها . قال صلى الله عليه وسلم:(مَن حدَّث عنِّي بحديثٍ يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)(رواه مسلم).

وأيضاً ما يفعله بعض الطلاب والطالبات إذا انتهوا من اختباراتهم، حيث يلقون كتبهم وأوراقهم، في الطرقات، والأسواق، والمزابل، بل وتداس بالأرجل والنعال؛ غير مبالين بما فيها من كلام الله، أو تفسير لآيات، أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز، ومن يفعل ذلك فهو آثم، فعلينا أن نتعاون جميعاً في علاج هذا الأمر، وأن نعظم ما أوجب الله علينا تعظيمه:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(الحج:32).
أسأل الله تعالى أن يعين الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، وأن ييسر على الطلاب والطالبات، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يأخذ بأيديهم إلى طريق الرشاد.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الجمعة: 7-7-1434هـ