خطبة بعنوان: (وأقبلت الإجازة) بتاريخ 28-7-1434هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المتحلي بكريم الشمائل، الهادي إلى جميل المكارم والفضائل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء: 1).
عباد الله: إن من الأمور المسلَّمة عند الناس أن الإنسان يحتاج إلى الراحة بعد الكدّ والتعب، وإلى الهدوء والسكينة بعد الضجيج والقلق، والإسلام بعظمته وشموليته لم يفرض على العباد أن يكون كل كلامهم ذكراً، ولا كل شرودهم فكراً، ولا كل أوقاتهم طاعة وعبادة، بل جعل للنفس شيئاً من الترويح والترفيه المنضبط بالضوابط الشرعية، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث حنظلة بن عامر رضي الله عنه عندما قال: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات).

وقد ذكر ابن عبد البر أن علياً رضي الله عنه قال: (أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملُّ كما تمل الأبدان).

وفي هذه الأيام يكثر الحديث عن كيفية استغلال الإجازة الصيفية، فالبعض يفكر أن يقضيها في بلده بين أسرته وأولاده وأحبابه، والبعض يقرر السفر إلى أهله وأقاربه في غير بلده، والبعض يقرر قضاءها خارج البلاد للسياحة، وآخرون في السفر إلى الأماكن السياحية داخل المملكة، ومن الناس من يقرر قضاءها في إقامة مشروعات مفيدة، وهناك من يقرر قضاءها في حفظ القرآن وحضور مجالس العلم، وآخرون في السفر إلى مكة والمدينة للاعتمار والزيارة، والكل يؤجر حسب نيته وقصده.

وإني في مقامي هذا أوجه ندائي لكل رب أسرة أن يستغل تلك الإجازة فيما يعود عليه وعلى أسرته بالخير والنفع، وأن يعمل على تقوية علاقاته الأسرية، وذلك بوضع برنامج منظم وممتع ومفيد يستفيد منه جميع أفراد الأسرة، ومن ذلك:

* الحرص على تعليم أفراد الأسرة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وغير ذلك من الأدعية والأذكار الواردة.

* تخصيص وقت لحفظ وتلاوة القرآن الكريم ولو كان قليلاً.

* استثمار وقت الإجازة لحفظ المتون العلمية فهي أساس العلم الشرعي .

* تحديد وقت لقراءة بعض الكتب المفيدة “فخير جليس في الزمان كتاب”

* الحرص على طريقة جديدة يتغير معها روتين عادة الأسرة اليومية، كالجلوس لتناول الشاي، ومتابعة البرامج النافعة، والقيام بمسابقات متنوعة.

* زيارة الأهل والأقارب لتقوية أواصر القربى، واستجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)(رواه البخاري ومسلم).

* استغلال المواهب والهوايات التي لدى الأولاد والبنات وتنميتها بالطريقة الصحيحة.

* إلحاق الأولاد بحلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية التي تقيمها الجهات الرسمية، وإلحاق البنات كذلك بدور تحفيظ القرآن الكريم المخصصة لهن.

* إلحاق الأولاد بالدورات التدريبية العملية التي يتعلم عن طريقها حرفاً معينة، كالحاسب الآلي والميكانيكا والكهرباء وغيرها.

* حضور الدروس والمحاضرات والندوات النافعة التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية ومراكز الدعوة على المستوى العام والخاص.

* الذهاب للعمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

* السفر المباح إلى بعض المصايف والمناطق الجميلة للتمتع بمناظرها الجذابة.

* زيارة المعارض والفعاليات المفيدة والهادفة والممتعة التي تقام أثناء فترة الإجازة.

* الخروج إلى المنتزهات التي أقامتها بلادنا ـ حرسها الله ـ والقيام ببعض الأنشطة الترفيهية المتنوعة خلالها.

* الاهتمام بالخادمات والسائقين الذين يعملون لدينا وخاصة المسلمين منهم، وذلك بالإحسان إليهم، وتعليمهم أمور دينهم، وأما غير المسلمين فيمكن تعريفهم بالإسلام عن طريق إحضار الكتب التي تتكلم عن الإسلام، والتي تقوم بطباعتها مراكز الدعوة التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، وأيضاً أن نكون قدوة حسنة في تعاملنا معهم، ولا حرج أن نعطيهم من أموالنا لتأليف قلوبهم وتحبيبهم في دين الإسلام، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم(فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم) (متفق عليه).

* اصطحاب الأبناء عند زيارة المستشفيات لرؤية المرضى وأصحاب العاهات لكي يعرفوا نعمة الله عليهم، ولكي يتعودوا على زيارة المرضى واحتساب الأجر في ذلك.

* بعض القرى النائية يغلب عليهم الجهل بأمور الدين، فلو قام بعض الشباب من طلبة العلم بزيارتهم وتعليمهم تحت إشراف أستاذهم ففي ذلك الخير العظيم للأفراد والمجتمع .

عباد الله: هناك محطات علينا أن نتفكر فيها خلال تلك الإجازة، نتذكر من خلالها من رحل من الأحباب والخلان والأعمام والأصحاب، فقد تركوا الدنيا بعدما كانوا يأملون منها ما نأمل ويتمنون ما نتمنى أو أكثر.

ونتذكر من بدأ حياته الزوجية ثم توفته المنية قبل أن يذوق سعادتها.

ونتذكر من تخرج من الدراسة وكان أمله في وظيفة يتعيش من خلالها ولكن المنية سبقته فلم تمهله ما كان يتمناه.

ونتذكر من بدأ إجازته بعمل محرم فتوفاه الله عليه، ومات على سوء الخاتمة ـ عياذًا بالله ـ.
ولا يفوتني أن أوصي بعض الأسر التي تريد السفر إلى خارج البلاد أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي أولادهم، وأن يجنبوهم الفتن من جراء هذه الأسفار التي لا مصلحة فيها إلا ضياع الأولاد في غالب الأحوال.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن تقواه طريق الفوز بالجنات.

عباد الله: إنَّ من المحزن حقاً أن نرى شباباً في عمر الزهور واكتمال القوة لا يبالون في إضاعة أوقاتهم، بل ويقطعونها باللهو والعبث، والأمور الخاطئة والخطرة فتجدهم في غفلة عن المستقبل، منهمكون بنضرة الشباب العارضة، وهكذا تضيع أيامهم ولياليهم من غير مراجعة أو محاسبة.

وإن مما يبعث على الحسرة أن نرى بعض الشباب ألف طول الفراغ، وكثرة المال، وسهر الليالي، والنوم عن الصلوات، وخاصة صلاة الفجر التي هي دليل الإيمان، فإذا قام أحدهم من نومه كان خبيث النفس، ثقيل الخطى، هزيل القوى، لم ينفع نفسه وأهله ومجتمعه وأمته، فليتق الله هؤلاء الشباب، وليحرصوا على وقتهم، وصحتهم، وعمرهم، فآباؤهم وأمهاتهم في حاجة إليهم، ومجتمعهم ينتظر بذلهم، وأمتهم تنتظر عطائهم.

ووصيتي لكل أسرة أن تتذكر أن الإجازة نعمة من الله، وأنها فسحة لها، وأنها مسئولة عن هذه النعمة؛ فلا تصرفها إلا فيما يرضي الله، ومتى شكرنا هذه النعمة وغيرها زادنا الله من فضله، ومن كفر هذه النعمة خسر العاجل والآجل، قال جل وعلا{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: ).

عباد الله: تذكروا أن السنوات تمضي، والأعمار تنقضي، وأنه مهما عمرنا في هذه الدنيا فنحن إلى رحيل، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}(فاطر: 37). {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}(الأعراف: 34).

واعلموا بارك الله فيكم أن الوقت نعمة فحافظوا عليه وأنفقوه فيما ينفعكم، قال صلى الله عليه وسلم:{نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ}(رواه البخاري)، وأننا سوف نسأل عن هذا الوقت، فيما قضيناه، قال صلى الله عليه وسلم:(لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وأن المسارعة إلى العمل الصالح والمداومة عليه تؤدي إلى حفظ الأعمار واغتنام الأوقات، قال صلى الله عليه وسلم:(بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (رواه الترمذي، وضعفه الألباني).

وغير خاف عليكم أنه متى علم كل إنسان منَّا أهمية هذه الإجازة، وأنها جزء من رأس ماله، الذي هو عمره فيلزمه أن يغتنمه فيما يعود عليه بالنفع في العاجل والآجل.

أسأل الله جل وعلا أن يعيننا على استغلال تلك الإجازة على الوجه الذي يرضيه عنا.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56)

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة: 28-7-1434هـ