خطبة بعنوان: (من أحكام فريضة الزكاة) بتاريخ 3 / 9 /1434هـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا ببلوغ شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي كان يستقبل شهر رمضان بالفرحة والبشر، والجد والاجتهاد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن تقواه سبيل النجاة من كربات يوم المعاد:{وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(البقرة: 281).

أيها المؤمنون والمؤمنات: ها هو شهر رمضان قد أكرمنا الله به، وبلغنا إياه لكي نتسابق في الخيرات والأعمال الصالحة، فهو شهر الجود والكرم والبذل والعطاء، ينفق فيه الناس إنفاقاً كبيراً في شتى أنواع الإنفاق، من إفطار صائم، وكسوة فقير، وإطعام، ومال، وغير ذلك. وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكثرهم طاعة وإنفاقاً في سبيل الله، وكان يزيد إنفاقه في رمضان أكثر من غيره .

فعن ابن عباس قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”(رواه البخاري، ومسلم).

ومن أفضل صور الإنفاق ما يخرجه المسلمون من زكاة أموالهم في شهر رمضان لما يترتب على ذلك من مضاعفة الأجر والثواب. وقد قرن الله جل وعلا الزكاة بالصلاة في كثير من آيات القرآن، منبهاً على وجوبها وعظيم أجرها وثوابها، ومن ذلك قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ..}(البقرة:43).

وقال صلى الله عليه وسلم:(بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)(متفق عليه). فمن أداها، معتقداً وجوبها، راجياً ثوابها، فليٌبْشر بالبركة والخُلف في ماله، والثواب الجزيل في الآخرة، قال جل وعلا: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ} (سبأ:39).

عباد الله: لقد شرع الله جل وعلا الزكاة لحكم جليلة، ومصالح عظيمة، وعواقب حميدة على المتصدقين والآخذين. فهي تنقي باذلها من الذنوب والآثام، وتطهره من البخل والشح والطمع والجشع، وتصرف عنه المصائب والشداد والكروب وعقوبات الدنيا والآخرة، وتطهر المال من أسباب تلفه وآفات زواله، وذلك من أسباب حلول البركة فيه، وسرعة كثرته ونمائه، وتطهر نفوس الآخذين من الحقد والحسد والبغضاء والضغينة، قال الله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم}(التوبة:103). وقال تعالى:{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}(سبأ:39). وقال صلى الله عليه وسلم:(ما نقصت صدقة من مال)(رواه مسلم).

ويترتب على إخراجها أيضاً حصول المودة والمحبة والوئام بين المسلمين غنيهم وفقيرهم، وتزكية الفقراء والمساكين بصيانة وجوههم عن ذل السؤال، وإعانتهم على طاعة ربهم وأمور حياتهم.

عباد الله: ويجب على كل مسلم أن يعرف أحكام الزكاة وشروطها والأموال التي تزكى، ومن ذلك ما يأتي:
أولاً: الصحيح أن الدّين لا يمنع الزكاة ومنه ديون البنك العقاري والزراعي والتسليف، وأي دّين علـى الشخص لا أثر له في منع الزكاة فلا يسقط من عليه دين مقداره من أمــواله. وأما الدين الذي للشخص على الآخرين فتجب فيه الزكاة، فإن كان الدّين على موسر فيزكيه سنوياً أو إذا قبضه لما مرّ من السنوات، وإن كان على معسر أو مماطل فيزكيه إذا قبضه عن سنة واحدة فقط.
ثانياً: الذين يقسطون السيارات وغيرها عليهم أن يحسبوا ما في ذمم الناس عند حولان الحول ويزكونه، ويضيفون إليه ما عندهم من الأموال الزكوية.

ثالثاً: الأراضي إن كانت معدة لبناء سكن لصاحبها فلا زكاة فيها، وإن كانت معدة للبيع والشراء فتجب فيها الزكاة، وإن كانت غير معروضة للبيع لكن الغالب عند صاحبها بيعها في المستقبل فلا زكاة فيها إلا إذا بيعت فتزكى مرة واحدة، ولو مرّ عليها سنوات.

رابعاً: نصاب الذهب سبعون جراماً، ونصاب الفضة أربعمائة وستون جراماً، وقد سألت في يوم عصر الخميس الثاني من رمضان من عام 1434هـ عن سعر جرام الذهب فتبين أن قيمته (5و136) ريالاً، فيكون النصاب للذهب هذا العام (9555 ريالاً).
وسألت عن سعر جرام الفضة فتبين أن قيمته (5و3)، فيكون النصاب للفضة هذا العام (1610) ريالات.
ولا شك أن الأحظ للفقراء هو نصاب الفضة، وعلى ذلك نقول: من كان عنـــده (1610 ريالات) وحال عليها الحول وجبت عليه فيها الزكاة.

خامساً: الوصايا للأموات والأثلاث والأموال المتبرع بها وأموال الجمعيات الخيرية التي ليست ملكاً لأحد معين والأموال في الصناديق الأسرية القائمة على التبرعات وأموال الأوقاف كلها لا زكاة فيها مهما بلغت.

سادساً: الحلي المستعمل لا زكاة فيه في أصح قولي العلماء، وهذا ما عليه جماهير أهل العلم سلفاً وخلفاً.
سابعاً: تجب الزكاة في مال الصغير والمجنون لأنها حق المال، وهذا المال لا تأثير للصغر والجنون على ملكيته، ثم إن حق الفقير ثابت فلا يضيع ومراعاته أولـى

ثامناً: إذا كان عند الإنسان نقود ثم أبدلها بمال آخر فإن كان مما تجب فيه الزكاة فحوله حول المال الأول، وإن كان اشترى به حاجة له كسيارة أو بيت للسكن فلا زكاة فيه.

تاسعاً: زكاة الراتب؛ الأولى أن يجعل المسلم له يوماً محدداً في السنة يزكي فيه، فإذا تم الحول أخرج زكاة ما عنده من المال، وعليه أن يضم معه ماله من الديون عند الناس، ولا يحسم منه الديون التي عليه إلا إذا كانت ديوناً حالّة فيسلمها لأصحابها.

عاشراً: الأشياء المستغلة كالعقارات والدور المؤجرة والمحلات التجارية والمصانع والناقلات والسيارات، وما في حكمها تجب الزكاة في غلتها دون أصولها متى ما حال عليها الحول وتزكى ربع العشر كزكاة النقدين.

الحادي عشر: لابد من التفويض في الزكاة لأنها عبادة، فمن كان عنده مال لأحد أقاربه فلا يزكي إلا إذا أخذ تفويضاً من صاحب المال، وإن كان مالك المال صغيراً أو مجنوناً ناب عنه وليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(التوبة:103).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن تقواه هي طوق النجاة من كربات الدنيا والآخرة، وطريق الفوز بجنات النعيم.
عباد الله: ومن المسائل والأحكام الخاصة بالزكاة أيضاً ما يلي:
الثاني عشر: لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها للفقير بدلاً عن المال، ولكن إذا خاف أن يصرفها أهل هذا البيت في غير حاجاتهم الضرورية، فيجوز له أن يقول لرب البيت: عندي زكاة، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم، فإذا وافقوا كان ذلك تفويضاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها، أما إذا لم يوافق فيعطيهم بقدر حاجتهم، أو يعطيها من أقاربهم من يتصرف فيما فيه مصلحتهم.

الثالث عشر: يُعطى الفقير من الزكاة قدر كفايته لسنة كاملة، وإذا تبين لدافع الزكاة أن المعطى ليس فقيراً لم يلزمه القضاء إذا كان المعطى ظاهره الفقر.

الرابع عشر: الذي يعطى من الزكاة هو الفقير، والمسكين، وذلك لدفع ضرورتهم وحاجتهم، والفرق بين الفقير والمسكين: أن الفقير لا يجد ما يكفيه وعائلته لنصف سنة، والمسكين أعلى حالاً من الفقير؛ لأنه يجد نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية، وهؤلاء يعطون لحاجتهم.

والفقير هو من يحتاج الزكاة لأكل أو شرب أو سكن أو علاج أو سداد دين.
الخامس عشر: من كان عنده نخل في البيت أو الاستراحة ولو كان عدده قليلاً عليه زكاته إذا بلغت ثمرته نصاباً، والنصاب في التمر ستمائة وخمسة وسبعون كيلو جرام، وفيه نصف العشر، أي 5%.

السادس عشر: الصواب وجوب الزكاة في العسل، ونصابه نصاب الحبوب والثمار لقرب الشبه بينهما ويجب فيه العشر.

فاحرصوا بارك الله فيكم على إخراج زكاتهم طيبة بها نفوسكم تفوزوا برضا ربكم، وتنالوا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56)اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة:3 / 9 /1434هـ