21- العدل في التعدد

الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 1445هـ 9-1-2024م

21- العدل في التعدد – pdf

    

 

العدل في التعدد

 

تأليف

أ. د / عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

 

 

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له. وبعد:

قال الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( [سورة النساء، الآية:1].

وقال تعالى: ) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً(. [سورة النساء،الآية:1].

وقال تعالى: ) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ([سورة النساء، الآية:129]. في هذه الآيات شرع الله الزواج، وشرع تعدد الأزواج، وذكر ضوابطه التي ينبغي مراعاتها. ونظراً لأن الكتابات حول التعدد كثيرة، لكن بيان جوانب العدل وضوابط القسم بين الزوجات قليل فيها، لذا آثرت كتابة رسالة موجزة بأسلوب واضح جلي، لتكون تذكرة للأزواج، وتوجيهاً للزوجات.

ومما دعاني لكتابتها ما يأتي:

  • بعض المشكلات الأسرية التي تدخلت في حلها، إذ وقفت على جوانب كثيرة فيها ظلم بيِّن للمرأة الأولى، وفي أحيان قليلة للمرأة الثانية، وفي بعض الأحيان فيها تعنت من المرأة، ومطالبة بأكثر مما يجب عليها.
  • بعض حالات الطلاق التي تبين لي أن سببها عدم توفيق الرجل في معرفة حقوق زوجاته، ومراعاة العدل بينهن، خصوصاً من تزوج لمضارة زوجته، أو التَّكْدير على أبنائه.
  • بعض الأمثلة الرائدة التي وقفت عليها، ممن تزوج من طلاّب العلم، وضربوا أمثلة حية واقعية في العدل بين الزوجات، حتى أصبحت زوجاتهم كالأخوات، بسبب قدرتهم وكفاءتهم، وسياستهم الحكيمة لبيوتهم. 
  • إقدام كثير من الشباب على التعدد مع عدم توافر شروط العل، مما ينتج عنه مشكلات كثيرة تكون سبباً لتشتيت الأسرة، وحدوث قطيعة بين أفرادها، ولو راعى هؤلاء الشباب ما ينبغي قبل الإقدام على هذه الخطوة لما حدث مثل هذا الأمر!!

هذه الأسباب التي دعتني للإسهام في هذا الموضوع المهم، علماً بأنني حذفت مادة علمية كثيرة منه، لئلا يساء فهم المقصود منها، وقد أشار علىّ بذلك بعض الفُضلاء.

وأخيراً أرجو من كل من يطّلع على هذه الرسالة من رجل أو امرأة أن يوافيني بملاحظاته، وتوجيهاته، لتلافي ما يمكن تلافيه في الطبعات اللاحقة، إن شاء الله.

وإني بهذه المناسبة أشكر كل([1]) من أشار علي أو زودني ببعض العناصر لهذه الرسالة، وأسأل الله أن يعينهم، ويسدد خطاهم، وألا يحرموني من ملاحظاتهم بعد اطلاعهم على الرسالة، والله أسأل أن ينفع بها كاتبها، وقارئها، والمطلع عليها، وأن يجعلها في موازيين الأعمال([2])، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، تسليماً كثيراً. ) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ([سورة الصافات، الآية: 182].

                                                                                                          وكتب أبو محمد

                                                                                                 عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                            ظهر الخميس 20/ 3/ 1413هـ الزلفي

 

مخطط الرسالة:

جعلت هذه الرسالة في مقدمة وخمسة وعشرين مبحثاً، وخاتمة تفصيلها كالتالي:

المقدمة:

المبحث الأول: حكم التعدد.

المبحث الثاني: حكمة مشروعية التعدد.

المبحث الثالث: التعدد مشروط في الإسلام.

المبحث الرابع: شروط غير شرعية للتعدد.

المبحث الخامس: في ظلال آيات التعدد.

المبحث السادس: فهم خاطئ لآيات التعدد.

المبحث السابع: بعض الشبه حول التعدد.

المبحث الثامن: حكمة التحديد بأربع.

المبحث التاسع: سلف الأمة وتعدد الزوجات. 

المبحث العاشر: التعدد مشروع وليس بواجب.

المبحث الحادي عشر: للمرأة الثانية الخيار في قبول التعدد ورفضه!!  

المبحث الثاني عشر: أفضلية الزواج بأكثر من واحدة.

المبحث الثالث عشر: هل الأصل في الزواج التعدد أو الواحدة؟

المبحث الرابع عشر: العدل المطلوب.

المبحث الخامس عشر: المؤهلون للعدل.

المبحث السادس عشر: مشكلات تعدد الزوجات.

المبحث السابع عشر: حدوث المشكلات لا يعني منع التعدد.

المبحث الثامن عشر: المحاربون لتعدد الزوجات.

المبحث التاسع عشر: مشكلة الأرامل والمطلقات وحلها في تعدد الزوجات.

المبحث العشرون: أدب التعامل مع الزوجات

المبحث الحادي والعشرون: لا ينبغي إظهار الإسلام بمظهر المتهم.

المبحث الثاني والعشرون: القسم بين الزوجات.

المبحث الثالث والعشرون: منع الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي من التعدد.

المبحث الرابع والعشرون: نماذج رائدة في تعدد الزوجات.

المبحث الخامس والعشرون: نماذج سيئة في تعدد الزوجات.

الخاتمة:

  

المبحث الأول

حكم التعدد

دلَّ الكتابُ والسنةُ وإجماعُ الأمّة على جواز التعدّد، وأن للرجل أن يجمع في عصمته بين أكثر من زوجه.

كما دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن القدر الجائز في ذلك أربع نسوة فقط. وليس للرجل أن يجمع في عصمته أكثر من هذا العدد.

قال العلامة ابن كثير في تفسيره:((فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره)). قال الشافعي: ((وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء))([3]).

وقال القرطبي بعد أن أبطل قول من أجاز أكثر من أربع:(( وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع))([4]).

وقال العلامة ابن العربي: (( قد تَوَهّم قوم من الجهال أن هذه الآية تُبيح للرجل تسع نسوة. وعضّدُوا جهالتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من تسع، وإنما مات وله في النكاح وفي غيره خصائص ليست لأحد))([5]).

 

المبحث الثاني

حكمة مشروعية تعدد الزوجات

الإسلام دين الفطرة، شرعه الله العليم بمصالح العباد، وما يناسبهم في كل شئونهم، ومما شرعه الله لعباده، تعدد الزوجات، لما فيه من المصالح من الذكر والأنثى، أو لأحدهما، أو للمجتمع المسلم، أو لهم جميعاً. ولو أردنا أن نستقصي الحكم التشريعية للتعدد لطال بنا الحديث، ولكننا نوجز أهم هذه الحكم في نظرنا، ونقسمها إلى قسمين:

(1) ما يتعلق بمصلحة الفرد.

(2) ما يتعلق بمصلحة المجتمع.

أولاً: أما مصلحة الفرد التي تتحقق من تعدد الزوجات فتظهر جلية في دوافع الشخص للتعدد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  • عقم الزوجة:

قد يظهر بعد الزواج أن المرأة مصابة بالعقم، أي أنها لا تنجب، وهنا يفوت على الزوج غرض أساسي، ومقصد سام، من مقاصد الزواج، وهو طلب الذرية. وفي هذه الحالة لا خيار من أحد الأمرين: إما أن نقول له: تزوج عليها ثانية وأبقها في عصمتك، ويجب عليك العدل. وإما أن يضطر لطلاقها، ليحقق ما يصبو إليه من الذرية والعقب. ولا يقول عاقل: إن الثاني أنفع وأصلح للمرأة من الأول.

  • وجود الخلاف بين الزوجين:

    كثيراً ما يحصل الخلاف بين الزوجين، وهو يقل ويكثر حسب طبيعة الزوجين، ومن حولهما. فمتى بادروا بالإصلاح وطوقوا المشكلات خفت وتلاشت، وإن تساهلوا وتركوها تكبر وتترعرع، أَوْدَتْ بحياة الأسرة وتشتّتت بعد الاجتماع، وصار نآلها التمزّق والضياع.

    وهنا إذا حدثت الخلافات، ونشبت بين الزوجين احتاج الزوج إلى السكن الذي يأوي إليه، وترتاح نفسه فيه، من عناء العمل، وتعب الحياة. فإما أن يتزوج ثانية ويبقي الأولى مع مراعاة حقوقها، والعدل بينها وبين شريكتها. وإما أن تكون الأخرى وهي الطلاق، فتتشرد هذه المرأة، وتعود إلى أهلها.

  • كثرة السفر:

الرجال بطبيعة أعمالهم كثيرة أسفارهم، وتنقلاتهم ، هنا وهناك، وهذا يضطرهم إلى البعد عن أهليهم، وأولادهم.

ومنهم من تطول غربته، وتمتد، وهنا إما أن ينتقل بأهله وأولاده، وهذا فيه من المشقة ما فيه، عليه وعلى أولاده، وإما أن يتزوج ثانية لتخفف من آلام غربته وتهون عليه بعده عن أهله وأولاده. وفي حالة سفر الأولى تنوب الثانية عنها في البيت، وتقوم على شئونه.

  • توقف الإنجاب عند المرأة:

من المعلوم أن سن المرأة إذا تقدمت وبلغت الخمسين، أو تزيد أنها تتوقف عن الإنجاب، في حين يظل الرجل قادراً على الإنجاب إلى السبعين، والثمانين أو تزيد.

وفي مشروعية التعدد في هذه الحالة حل لمثل هذه المشكلة، إذ تستمر رغبة الرجل في الأولاد، بل إنها تقوى إذا كبر، لإحساسه بالحاجة غلى الخدمة، والقيام على شئونه، ومعلوم أن الأولاد في صغرهم أكثر تعلقاً بأبيهم منهم بعد الكبر. وبنظرة فاحصة لواقع الحياة تتجلى هذه الحقيقة ماثلة للعيان.

  • القوة الجنسية لدى الرجل:

بعض الرجال أعطاهم الله قوة جنسية، لا يمكن بحال من الأحوال أن تسد رغبتهم امرأة واحدة، مع ملاحظة ما يعتريها من حيض، وحمل، ومرض، وغير ذلك؛ من عقبات الاستمتاع، فهؤلاء يحتاجون إلى التعدد لكبح جماح هذه الرغبة وتوظيفها، فيما أباح الله، وفي شرعية التعدد تحقيق مصلحتهم، وسلوكهم طريق الإستقامة والعفة.

  • الحفاظ على شرف المرأة:

قد يستغرب القارئ هذا العنوان، ويقول: كيف يكون التعدد حفاظاً على شرف المرأة وعفتها؟! وأقول: إن الكثير من النساء تبقى حبيسة البيوت، وإذا منعنا التعدد وفاتهن قطار الزواج بقين بدون أزواج. وهنا يعتصر الألم قلوبهن، ويركض عليهن الشيطان بخيله ورجله، وتبدأ الكلاب المسعورة من البشر تغريهن، حتى يقعن في حمأة الرذيلة. وهنا يضيع الشرف، وتهدر العفة، وتفقد المرأة أغلى ما تملك. لكن في شرعية التعدد إنقاذ لهذه السكينة، ووالله إن عيشها مع رجل معه أكثر من واحدة خير لها أضعاف المرات من البقاء وحيدة دون زوج.

  • مرض الزوجة:

قد تصاب المرأة بالمرض، ويسعى الزوج لعلاجها، ويبذل كل وسيلة، ولكن مرضها يستمر لحكمة يريدها الله- سبحانه وتعالى- وهنا يتعذر على الزوج الاستمتاع بها. فإما أن يحبس شهوته ويعاني من ذلك أشد المعاناة.

وإما أن يطلقها وهي في هذه الحالة بحاجة إلى الرعاية والقيام على شئونها.
وإما أن يتزوج عليها، وتبقى في عصمته، يتابع علاجها، ويعدل معها، ولا شك أن المصلحة في بقائها في عصمته.

فإن قيل لماذا تؤمر المرأة بالصبر والإحتساب إذا مرض زوجها ويترك له المجال ليتزوج إذا مرضت؟!

قلنا إن التعدد مشروع في الجملة، لكنه يقوى داعيه وتتأكد حاجته عند مرض الزوجة.

ثم إن المرأة لا يجب عليها الصبر والاحتساب، بل من حقها أن تطلب الفسخ إذا مرض زوجها، وتعذرت الحياة الزوجية معه. ثم إن الزوج غير ملزم- أيضاً- بالزواج حـال كمرض زوجته، فإن صبر واحتسب واستطاع أن يملك إربه فله ذلك.

  • كثرة النساء وزيادتهم على الرجال:

أثبتت بعض الإحصائيات الحديثة أن النساء في بعض المجتمعات أكثر من الرجال. وهنا يأتي تشريع تعدد الزوجات لِيَحْسِمَ هذه الظاهرة، فيأخذ الرجل أكثر من المرأة، لأن اقتصاره على واحدة فيه ظلم لبقية النساء اللواتي لم يتزوجن.

  • مشروعية الجهاد في الإسلام:

قد يتساءل القارئ وما دخل مشروعية الجهاد في سبيل الله في تعدد الزوجات؟ فنقول: إن طبيعة الجهاد ومشاركة الرجال فيه، تجعلهم يتعرضون للشهادة، وبالتالي يتناقص عددهم، وتبقى زوجاتهم بلا أزواج، ففي تشريع التعدد وفاء لهؤلاء المجاهدين، وعطف على زوجاتهم، بالإضافة إلى كثرة تعرض الرجال عموماً للأخطار، والوفيات لكثرة أسفارهم، وتنقلاتهم، مما يجعل معدل النمو العددي للنساء يزداد، في حين يقلّ المعدل العددي للرجال. وقد روي أن أبا بكر- رضي الله عنه- تزوج أسماء بنت عميس وفاءً لزوجها جعفر [الطيار]- رضي الله عنه- ثم تزوجها علي- رضي الله عنه- وفاءً لأبي بكر- رضي الله عنه-.

10- أحوال الرجل عامة:

قد تتطلب أحوال بعض الرجال بحكم أعمالهم أو أكرمهم أو مكانتهم أو قُدْرَاتهم أو متطلباتهم الدعوية أو البحثية جمع أكثر من امرأة، ليكنَّ عوناً له في حياته العلمية والعملية. ومن خاض هذه التجارب عرف الحاجة الماسة لمثل هؤلاء.

11- حبّ الرجل لامرأة أو العكس:

مما يؤسف له أن هذا المصطلح أخذ منحى خاطئاً لدى عامة الناس، بسبب ما تغذيه وسائل الإعلام الهابطة التي لا ترعي الشرع ولا العرف، بل ولا الأذواق السليمة، والفطر المستقيمة، والفطر المستقيمة، ومن هنا تعمق هذا المفهوم الخاطيء للحبِّ.

لكن قد يوجد الحب الشريف من الرجل للمرأة أو العكس، ويكون محضنه الزواج، ففي شرعية التعدد لَمّ لهذا الشمل، وبناء لهذه العلاقة المبنية على الصدق والعفة، والنزاهة. ولو سد باب التعدد قد يضطر مثل هذا الشخص لطلاق زوجته ليقدم على الزواج من الأخرى.

12- عودة المطلقة إلى عصمة زوجها السابق:

قد يحدث خلاف بين زوجين، ويتفرقان بالطلاق، غير البائن، ثم يتزوج الرجل، وبعد استقرار حياته الزوجية يتطلع إلى إعادة زوجته الأولى، لأسباب كثيرة أهمها: الأولاد- مثلاً- وتبادله زوجته الشعور- فهنا يأتي تشريع التعدد حلاًّ حاسماً لمثل هذه الحالات الكثيرة في المجتمع.

13- صلة القربى:

قد يكون للشخص قريبة لم يتقدم لها أحد، فتدفعه صلة القربى للزواج منها، رحمة بها، وشفقة عليها، وذلك لون من ألوان صلة القرابة التي حث عليها ديننا الحنيف، ورغّب فيها أيما ترغيب([6]).

 ثانياً: مصلحة المجتمع من تعدد الزوجات:

المجتمع المسلم محتاج إلى تقوية صفوفه، وترابطها، ونماسك لبناته وقوتها، ويوم أن يكثر سواد المجتمع وتقوى روابطه يوم أن يتحقق له الشيء الكثير، والعنصر البشري عامل مهم في بناء الحياة في مختلف مناحيها، فالزراعة، تتطلب الرجال الأكفاء، والصناعة، تتطلب السواعد الشابة، والتجارة، تتطلب الخبرة، والحروب، تتطلب الشجاعة، والعمران، يتطلب الأيدي العاملة، وهكذا وتشريع التعدد يزيد في العنصر البشري بصورة واضحة وجلية.

 

المبحث الثالث

التعدد مشروط في الاسلام:

أباح الإسلام التعدد بنص الكتاب المنزّل:) فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ([سورة النساء، الآية:3].

لكنه قيد ذلك بأربعة شروط لا يجوز أن يًقدم عليه المسلم ما لم تَتَحقّق.

أولها: التعدد:

نظام تعدد الزوجات كان معروفاً قبل الإسلام، لكنه غير محدود بعدد معين، فجاء الإسلام وأدخل عليه إصلاحاً جذرياً، وقيد العدد بأربع نسوة لا يحل بحال من الأحوال الزيادة عليهن. فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبمحمد، صلى الله عليه وسلم، نبياً ورسولاً، أن يجمع في عصمته في وقت واحد أكثر من أربع نسوة، ومستند هذا الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.

ثانيها: النفقة:

يجب أن يكون لدى الرجل الذي يرغب في التعدد القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية، بالإضافة إلى ما هو واجب عليه سلفاً من النفقة على الزوجة الأولى. وتشمل النفقة: الطعام، والشراب، والكسوة، وما يلزم له من أثاث يناسب المرأة، وذلك متروك للعرف، حسب الزمان، والمكان، والأشخاص.

فإن لم يكن الراغب في التعدد مستطيعاً للنفقة فلا يجوز له الإقدام عليه، لأن النفقة على الزوج واجبة بالإجماع المستند إلى كتاب الله- جل وعلا-:) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ([سورة النساء، الآية34].

ثالثهما: العدل بين الزوجات:

هذا الشرط صريح في الآية التي أباحت التعدد: :{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النساء، الآية:3].

والعدل المطلوب هنا هو ما كان المسلم مستطيعاً له، قادراً على تحقيقه، وهو العدل بين الزوجات في المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والمبيت، والمعاملة، أما ما لا يستطيعه المسلم فليس مطالباً به كميل القلب، وما يتبعه، وقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة، ولو يكلفها بما لا تستطيع، لكن ينبغي أن يعلم المسلم أنه يتعامل مع الله، وأنه رقيب عليه، مطّلع على مكنون ضميره، وسّيُحاسبه عن كل شيء، يوم أن تشهد الجوارح، ويختم على الأفواه، وعندها لن يستطيع الإنكار أو الإعتذار!!.

رابعها: أن لا يكون الجمع بين من يحرم الجمع بينهن:

هناك من النساء من يحرم الجمع بينهن، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يجتمعن في عصمة رجل واحد، مثل الأخوات، والجمع بين المرأة وعمتها،والمرأة وخالتها، وهذا محل إجماع عند أهل العلم. فإذا عزم المسلم على الزواج بأكثر من واحدة، وجب ألاّ تكون الثانية، ممن تحرم عليه، كأخت زوجته، وخالتها، وعمتها.

 

المبحث الرابع

شروط غير شرعية للتعدد

هناك صيحات كثيرة في طزل البلاد الإسلامية وعرضها، تُطالب بمنع التعددّ، أو تقييده، والنادون بذلك بعيدون كل البعد عن فهم النصوص وتطبيقها، فياليت عندهم العقل الناضج، والتفكير الصحيح، ليناقشوا القضايا على ضوء الواقع والمصلحة، والظروف الإجتماعية، في ضوء النصوص الشرعية، بل ليتهم إذ لم يفعلوا ذلك أصبحوا منصفين، وتجردوا عن الهوى، والتعصّب، والعاطفة، فلو فعلوا هذا أو ذاك لما قبلوا الحقائق، ولما وقفوا من التعدد موقف الحاقد المتربص. ولما تطاولوا على شريعة الله دون حياء أو خجل. وهؤلاء الذين ينادون بالتضييق على التعدد، يريدون أن يضيفوا إلى النصوص شيئاً جديداً، وكأنها قاصرة عن وضع نظام التعدد بصورة تُناسب كل زمان ومكان.

وخلاصة رأي هؤلاء ما يأتي:

  • لا ينبغي أن يُباح تعدّد الزوجات إلا إذا كان له مبرر.
  • يقدم المبرر للقاضي، ومتى اقتنع به فله وحده الإذن لمثل هذا الشخص بالتعدد.
  • على القاضي أن يتثبت من قدرة من يتقدم بمررات التعدد على العدل، إذ هو شرط أساسي، من شروط التعدد.
  • على القاضي أن يتثبت من قدرة من يتقدم بمبررات التعدد على النفقة على الزوجة الثانية وأولادها. وقد أوغل بعض هؤلاء فقيدوا مبررات التعدد بأمرين، لا ثالث لهما، وهما:

(ا) مرض الزوجة، مرضاً لا يُرجى برؤه.

(ب) عقم الزوجة، بشرط أن يثبت ذلك طيبّاً وأن يمضي عليه ثلاث سنوات فأكثر([7]).

ونحن نقول لهؤلاء: إن هذا التقييد لا أصل له في شرع الله، بل هو من وضع البشر، والويل كل الويل لمن يُحَكِّم هواه ورأيه، ويلزم الناس بذلك، على أننا لو سلمنا جدلاً بوضع ضوابط للتعدد أو قيود عليه لأدى ذلك إلى نتائج عكسية خطيرة، فيقدم الشخص الراغب في التعدد على طلاق امرأته ليتزوج بغيرها. ثم إنه لو تقدم بمبرر إلى القضاء لترتب على ذلك هدم أسر وبيوت لا يعلم عن حالها إلا الله.

ولذا فشرع الله أحكم، لأنه نزل من عند الله، الذي يعلم ما في يصلح للبشر في حالهم ومآلهم، ويكفي صفعة لهؤلاء المنادين بالتقييد أن كثيراً من أسيادهم الغربيين ينادون بالتعدد، كحل ناجع، وحاسم، لمشكلة الأخلاق عندهم.

والتي بدأت تستفحل خصوصاً بعد أن تزايد عدد الأولاد غير الشرعيين بصورة مذهلة.

 

المبحث الخامس

في ظلال آيات التعدد

تشريع التعدد جاء في كتاب الله في آيتين في سورة النساء هما:

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ   النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[سورة النساء،الآية:1].

وقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[سورة النساء، الآية:129].

إن هاتين الآيتين تفيدان بمجموعهما حسب ما فهمه عامة المسلمين من لدن رسول الله  صلى الله عليه وسلم، إلى يومنل هذا الأحكام التالية:

  • إباحة تعدد الزوجات، حتى الأربع. فلفظ {فَانكِحُوا}. وإن كان لفظ أمر إلا أنه هنا للإباحة لا للإيجاب، وعلى ذلك جمهور أهل العلم، وهو ما نص عليه عامة المفسرين.

ولا عبرة بمن ذهب من أهل الأهواء إلى الزيادة على أربع، فليس لهم مستند من كتاب، ولا سنة، بل ولا فهم سليم لبلاغة القرآن، وإدراك صحيح لأساليب البيان العربي.

قال القرطبي في تفسيره بعد أن فند هذه الآراء وأبطلها: (( قال ذلك من بَعُد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة. إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع))([8]).

  • أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، فمن لم يتأكد من قدرته على أن يتزوج بأكثر من واحدة، لكن لو خالف وتزوج فزواجه صحيح، لكنه آثم!!. والعدل المشروط هنا هو العدل المادي؛ في المطعم، والمشرب، والملبس، والمبيت، وكل ما يتعلق بمعاملة الزوجات، مما يمكن فيه العدل.
  • أفادت الآية الأولى- ضمناً- اشتراط القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها، وذلك في قوله- تعالى-:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}، قال القرطبي: ((وقال الشافعي:{أَلاَّ تَعُولُوا}؛ ألا تكثر عيالكم ))([9]).
  • أفادت الآية الثانية، أن العدل في الحب بين النساء غير مستطاع، وأن على الزوج ألا يميل إلى الأولى كل الميل، فيذرها كالمعلقة، لا هي ذات زوج ولا هي مطلقة، بل عليه أن يعاملها بالحسنى، ويتودد إليها لعله بذلك يكسب قلبها، فتصلح حاله معها، وقد ألمح إلى ذلك صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم، حيث اعتذر إلى ربه بأن هذا غاية ما يستطيعه من العدل، وطلب منه- سبحانه- عدم المؤاخذة بما لا يستطيعه البشر. ((اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك))([10]).

 

المبحث السادس

فهم خاطئ لآيات التعدد

زعم بعض من لا علم لهم بالكتاب والسنّة واللّسان العربي، أن القرآن يمنع التعدد في الآيتين ذاتهما اللتين ذكرتا التعدد، وهما الآيتين[3،129] من سورة النساء، قالو: لأن الآية الأولى: {فَإِنْ خِفْتُمْ}. تشترط إباحة التعدد بالعدل بين الزوجات. والآية الثانية:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا}. تقطع باستحاله العدل بين الزوجات، فكأن التعدد مشروط بما يستحيل إمكانه، فهو ممنوع!!

وهذه دعوى ساقطة من أصلها، ويكفي للردّ عليها أن نتبين ما يأتي:

  • أن العدل المشروط في الآية الأولى، هو العدل المادي، في المطعم، والمشرب، والمسكن، والملبس، والمبيت.

والعدل المقطوع بعدم استطاعته في الآية الثانية، هو العدل المعنوي، وهو ميل القلب وما يتبعه، وبهذا يتبين أن العدل في الثانية غير العدل في الأولى، فلابد من العدل في الأولى، وهو العدل المادي. وأما العدل في الثانية فقد رفع الله عن المعدّد الحرج بعد استطاعته.

  • الآية الثانية صريحة في المراد بالعدل، وهو الذي لا يستطيعه المسلم، وهو ميل القلب، من الحبّ وما يتبعه، ولذا قال الله تعالى-: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}.
  • لو كان الأمر كما زعم هؤلاء لما كان لقوله- تعالى- : {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}، معنى، ولا أدى إلى غرض. بل يمنع التعدد من أصله، ولا يُبيحه بشرط.
  • من الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدّد زوجاته، وأذن لمن أسلم وتحته أكثر من أربع أن يبقى أربعاً، ويُفارق الباقي، فهل فعله هذا غير صحيح، وهو المفسر لكتاب الله، المشرع للأمه؟ إن من قال بهذا القول يخشى عليه- والعياذ بالله- يقول السباعي: ((ولا أعتقد عاقلاً يزعم أن الصحابة والتابعين وجماهير المسلمين خلال أربعة عشر قرناً لم يفهموا هاتين الآيتين حق الفهم، وأن الله ادخر هذه الفضيلة لأصحاب هذا الفهم، إن قال أحد مثل هذا فقد حكم بنفسه على عقله))([11]).

  

المبحث السابع

بعض الشبه حول التعدد والجواب عنها

الصراع بين الحقّ والباطل قديم جديد!! قديم قدم البشرية، جديد يتجدد في كل زمام ومكان، يقوى ويضعف حسب الأحوال والمقتضيات، ومن مظاهر الصّراع بين الحق والباطل ما يُثيره أعداء الإسلام من شبهات حول تشريعات الإسلام عامة، وحول تعدّد الزوجات بخاصة، وسأعرض هنا لأهم هذه الشّبه، وأُجيب عنها موجزاً ذلك غايه الإيجاز، فأقول:

الشبهة الأولى:

أن التعدد حرام، لا يُقره الإسلام.

قال أصحاب هذه الشُّبهة: إن القرآن حين أباح التعدّد جعله مشروطاً بإمكان العدل، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[سورة النساء، الآية:3]. ونفى إمكان العدل في آية أخرى من السورة نفسها، وهي قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [سورة النساء، الآية: 129].

فكأنه بمجموع النصين قال التعدّد غير جائز، لانتفاء شرطه.

والجواب عن هذه الشبهة ظاهر للعيان، أوضح من الشّمس في رابعة النهار. ولكن عُمْيُ البصيرة لا البصائر يتجاهلون ذلك تماماً، وإلا فالعدل في الآية الأولى غير العدل في الآية الثانية، فالمشروط من العدل هو العدل المادي، في المطعم، والمشرب، والملبس، والمبيت، والعدل المنفي هو الميل القلبي وما يتبعه([12]).

الشبهة الثانية:

التعدد فيه مصالح، لكن- أيضا- مفاسده أكثر، والقاعدة تقول: درء المفاسد مُقدّم على جلب المصالح.

قال هؤلاء ومن مفاسد التعدد ما يأتي:

  • إساءة الأزواج معاملة بعض الزّوجات في حال التعدد، ومنعهن خقوقهن المشروعة.
  • التعدد يُؤدي إلى التناحر والتّباغض بين الزوجات، لاستحالة- وهذا في زعمهم- العدل الطلوب بين الزوجات.
  • تنتقل العداوة من الأمهات إلى الأولاد، فتثور العداوات والأحقاد بين الأخوة، وتتقطع أواصر القرابة، وقد يحصل الأذى من بعضهم لبعض.
  • التعدد يُورث الفقر لكثرة الأولاد، وبالتالي يضيعون ويتشرّدون.
  • التعدد لا يليق بروح العصر، الذي أعطى للمرأة حقوقها كاملة غير منقوصةّ!.

ونقول جواباً على هذه الشبهة:

إن الإحتكام إلى كتاب الله، وسنة رسوله، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، والتأدّب بآداب الإسلام، كل ذلك كفيل – بإذن الله – أن يقضي على هذه الوساوس والأوهام التي لا تعشعش إلا في صدور الذين في قلوبهم مرض. وإلا فما علاقة تشريع الإسلام بأخطاء الناس؟! إن كل شخص يتحمل أخطاءة ولا دخل للتشريع إذا أسيء تطبيقه. ولماذا ننظر من زاوية ونُغفل الزاوية الأخرى؟ وهي النماذج الرائعة من سلف الأمة، ومن بعدهم ممن عدّوا إلى يومنا الحاضر.

الشبهة الثالثة:

التعدد فيه إهدار لكرامة المرأة، واعتداء على شخصيتها، وظلم لها.

هذه دعوى باطلة، وفرية مزعومة، وإلا فالإسلام رفع مكانة المرأة، وبوأها أعلى مكانة، حصلت عليها في تاريخ البشرية، وأنقذها من الحضيض الذي كانت فيه على مدار التاريخ الطويل.

والتعدد حين شرعه الإسلام حفّه بضوابط تحفظ للمرأة حقوقها، وتضمن لها حياة هانئة مطمئنة.

وهل الحياة بدون زوج حياة آمنة، مستقرة؟ إن المرأة تعاني في هذه الفترة من الهموم والهواجس ما تعجز عنه الجبال، لكنها متى انتقلت إلى العيش في ظل الزوج الجديد دبّ إليها الأمل في أن تحيا حياة كريمة، تشعر فيهخا بالمكانة التي تبوأتها في ظل التشريع الإسلامي الخالد، وسواء كانت وحيدة مع زوجها، أو تشاركها غيرها في هذه الحياة الجديدة.

يقول الدكتور نور الدين عتر بعد أن ساق طرفاً من هذه الشُّبه:((مزاعم باطلة تزخرف بتهويلات خبيثة يثيرها أعداء الإسلام وأتباعهم الذين يُحاكونهم في كل شيء بل يسبقونهم))([13]).

  

المبحث الثامن

حكمة التحديد بأربع

أوردت هذا الأمر لأني ألمس إلحاح الكثيرين وسؤالهم، لماذا اقتصر العدد على أربع؟! وكان الأولى ألأ يخوض المسلم في مثل هذه التساؤلات التي لا طائل من ورائها، ولا تقربه نتيجة العلم بها إلى الله- سبحانه وتعالى- وما أحرى المسلم أن يكون مسلماً في مثل هذه القضايا، يقف عند النصوص، فإن علم حكمتها فذلك من فضل الله عليه. وإن كانت الأخرى، قال: سمعنا وأطعنا. ومع ذلك سأذكر طرفتً مما ذكره بعض أهل العلم والمفكرين حول هذا الأمر، فأقول:

  • القاعدة العامة في التحديد العددي أنه مجهول الحكمة، فأمر ذلك إلى الله، أولا ً ولآخراً، وظاهراً، وباطنًاً، فلا نعلم الحكمة من أعداد الصّلوات، والرّكعات والسّجدات، وغير ذلك.
  • قيل: إن التّحديد بأربع نسوة متفق مع فصول السنة الأربعة.
  • وقيل: إن التحديد منسجم مع نسبة عدد الرجال إلى نسبة عدد النساء، وهي في الغالب(4:1).
  • وقيل: إن التحديد يستهدف أصناف النساء، بحيث يكون لدى الرجال كل أنواع النساء الطويلة، والقصيرة، والنحيفة، والبينة. وهكذا بالنسبة للون، وكذا بالنسبة لما ذكر في الحديث: ذات الِّدين، وذات الجمال، وذات المال، وذات الحسب والنسب…الخ.
  • وقال بعضهم: إنّ هذا التحديد يتّفق مع الدورة الشهرية التي تستمر في الغالب أسبوعاً. والشهر أربعة أسابيع.

قال العلامة ابن القيم:((وقصر عدد المنكوحات على أربع، وأباح ملك اليمين بغير حصر. وهذا من تمام نعمته، وكمال شريعته. وموافقتها للحكمة، والرحمة، والمصلحة، فإن النّكاح يراد للوطء، وقضاء الوطر، ثم من الناس من يغلب عليه سلطان هذه الشهوة، فلا تندفع حاجته بواحدة، فأطلق له ثانية، وثالثة، ورابعة، وكان هذا العدد موافقاً لعدد طباعه، وأركانه، وعدد فصول سنته، ولرجوعه إلى الواحدة بعد صبر ثلاث عنها، والثلاث أول مراتب الجمع، وقد علّق الشارع بها عذة أحكام))([14]).

وعلى كل حال فالتسليم المطلق دون بحث في هذه التفصيلات أسلم للمسلم، وأقوى لإيمانه ويقينه.

  

المبحث التاسع

سلف الأمة وتعدد الزوجات

من المعلوم من الدّين بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم، عدد زوجاته، ومات، صلى الله عليه وسلم، عن تسع منهن، وقد عدد الصحابة- رضي الله عنهم- ومنهم الخلفاء الراشدون، والتابعون لهم بإحسان. واستمر عمل الناس على هذا في كل عصر ومصر، يُحسن الرجل إلى المرأة حين يضمها إليه مع زوجته. لأن بقائها بدون زوج خطر عليها من كل جانب، وقد ثبت عن اب عمر والحسين وغيرهما- رضي الله عنهم- أنهم عدّدوا زوجاتهم، ولم تُعرف عن سلف الأمة ظاهرة تأذي الزوجة بزواج الرجل من أخرى. وإنما ظهرت هذه البوادر في عصرنا الحاضر، بعد أن ضعفت هذه العقيدة في النفوس، وجهل الكثير أحكام الإسلام، بل وتأثروا بغيرهم؛ ممن انحرفوا عن جادة الصّواب؛ وظهرت آثار المسلسلات الهابطة، والكتابات الماجنة، والصيّحات الخادعة، والنداءات المزوقة، التي استمرت تنخر في جسم الأمة منذ زمن طويل!! والأمل معقود –بعد الله- على شباب الإسلام وفتياته، بأن يعوا هذا الكيد والدّسّ، ويحبطوا هذه المؤامرة القذرة على عفة المرأة وكرامتها، فهل هم فاعلون؟

 

المبحث العاشر

التعدد مشروع وليس بواجب

الإسلام لم ينشيء نظام تعدد الزوجات، ولم يوجبه. بل أبقى عليه مباحاً مع إدخال الإصلاحات الجذريّة التي تجعله يتمشى مع ما شرعة من أحكام للعلاقة الزوجية، بل للنظام الأسري الكامل.

وحين أدخل الإسلام هذه الإصلاحات قصد الحدَّ من مساويء التعدّد ومضاره، التي كانت موجودة قبل الإسلام، حيث كان بدون عدد، وكرامة اللنساء مُهدرة، وحقوقهن مسلوبة([15]).

 

المبحث الحادي عشر

للمرأة الخيار في قبول التعدد ورفضه

لم يجعل الإسلام نظام التعدّد فرضاً لازماً على الرجل، ولم يوجب على المرأة أو أهلها أن يقبلوا الزواج من رجل ذي زوجة. لكن متى رأت أسرة من الأسر أن المصلحة مُتحقققة في زواج إحدى بناتهم من رجل معه زوجة، وأقدموا على ذلك عن قناعة ورضا، فأين الضرر المزعوم؟! وهل يعقل أن تكون الحياة الزوجية مع امرأة أخرى أسوأ حالاً من البقاء دون زوج؟ أظنّ هذا لا يتصوره عاقل إطلاقاً، لاسيما إذا علمنا أن الإسلام كفل لهذه المرأة حقوقها من النّفقة، والسُّكنى، والمبيت. فلها من الحقوق مثل ما للمرأة الأولى تماماً([16]).

 

المبحث الثاني عشر

أفضلية الزواج بأكثر من واحدة

حث الإسلام على الزواج ورغّب فيه، واعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم، من سنته. فمن رغب عنها فليس منها. قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء، الآية:3].

وثبت  في البخاري وغيره أن سعيد بن جبير، قال: فتزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء))([17]).

قال ابن حجر تعليقاً على الحديث:((قيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره، ممن يتساوى معه فيما عدى ذلك من الفضائل، والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي ، صلى الله عليه وسلم، وبالأمة أخصاء اصحابه، فكأنه أشار إلى أن ترك التزويج مرجوح، إذ لو كان راجحاً ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم، غيره))([18]).

وثبت في صحيح مسلم وغيره عن أنس- رضي الله عنه- أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن عمله في السّرِّ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب هن سنتي فليس مني ))([19]).

فقوله: ((وأتزوج النساء)). تشمل الزوجة الواحدة فأكثر. كيف لا وقد عدّد، صلى الله عليه وسلم، فأصبح هذا من هديه لمن استطاعه بشرطه.

 

المبحث الثالث عشر

هل الأصل في الزواج التعدد أم الواحدة؟

قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[سورة النساء، الآية:3]. اختلف أهل العلم، هل الأصل في الزواج التعدد ام الواحدة، حسب ما فهموه من هذه الآية.

فهناك من يرى أن الأصل في الزواج الواحدة، ويسوغ للشخص عند الحاجة ووجود المبرر، وأمن العدل، أن يتزوج أكثر من واحدة، وهناك من يرى أن التعدد هو الأصل متى تحقق شرطه، لأن هذه الأمة مأمورة بتكثير نسلها، ولأن قدوتها عدد زوجاته، ولا يعمل صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل. وهذا مبسوط في مظانّه.

وبتأملي للآية وإمعان النّظر فيها، لم يتبين لي مأخذ من قال: إن الأصل الواحدة، ولا من قال: إن الأصل التعدد. والذي فهمته من الآية أنها تدل على أن من أمن أنه يعدل بين زوجاته ولم يَخَف الجور كان له أن يتزوج بأكثر من واحدة، إلى أربع زوجات. والله أعلم.

قال ابن قدامة في المغني: ((ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج وبالغ في العدد، وفعل ذلك أصحابه، ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلا بالفضل. ولا تجتمع الصّحابه على ترك الأفضل، والاشتغال بالأدنى))([20]).

وقال ابن حجر: ((والذي يظهر أن مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وسلم وبالأمة أخصاء الصحابه، وكأنه أشار إلى أن ترك الزويج مرجوح، إذ لو كان راجحاً ما آثر النبي صلى الله عليه وسلم، غيره وكان مع كونه أخشى الناس لله، وأعلمهم به، يُكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التي لا يَطّلع عليها الرجال))([21]). وأسوق هنا فتوى علامة العصر، سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، حول هذا الموضوع:

(س) هل الأصل في الزواج التعدّد أم الواحدة؟

(جـ) ((الأصل في ذلك شرعية التعدّد لمن استطاع ذلك، ولم يخف الجور. لما في ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجة، وعفة من يتزوجهن، والإحسان إليهن، ويكثر النسل الذي به تكثر الأمة، وكثير من يعبد الله وحده، ولأنه، صلى الله عليه وسلم، تزوج أكثر من واحدة))([22]).

(س) هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون؟

(جـ) (( تعدد الزوجات مسنون مع القدرة لقوله-تعالى- {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[سورة النساء،الآية:1]. ولفعله، صلى الله عليه وسلم، فإنه قد جمع تسع نسوة، ونفع الله بهن الأمة، وهذا من خصائصه، صلى الله عليه وسلم، أما غيره فليس له أن يجمع أكثر من أربع. ولما في تعدد الزوجات من المصالح العظيمة للرجال والنساء وللأمة الإسلامية جمعاء))([23]).

يقول الشيخ ابن محمود:((إننا لا نشك ولا ننكر أن الاقتناع بزوجة واحدة متى حصل المقصود منها أنها أفضل من التعدد، لأن الله- سبحانه- حينما أباح تعدد الزوجات لم يبحه بطريق التّوسّع فيه على حسب التشهي والتنقل في الملذّات، وتنوع المشتهيات، وإنما أباحه بشرط العدل بين الزوجات))([24]).

 

المبحث الرابع عشر

العدل المطلوب

العدل المطلوب: هو العدل في المعاملة، والنفقة، والمعاشرة، والمباشرة، أما العدل في مشاعر القلوب، وأحاسيس النفوس، فلا يُطالب به المعدِّد لأنه خارج عن إرادته، ولا تكليف فوق المستطاع. وهذا العدل هو الذي نفاه الله- جلّ وعلا- في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [سورة النساء، الآية:129].

فالعدل المطلوب إذن هو ما يملكه الإنسان في الأمور الظاهرة، فلا يُحابي واحدة على حساب الأخرى، أو يُعطيها دون أخرى، أو يسافر بها دون أخرى، وهكذا. وهذا ما كان يفعله أرفع البشرية قدراً، وأعلاها مكاناً، وأعدلها على الإطلاق، مع أن من حوله كانوا يعرفون- ومنهم نساؤه- أنه يحب عائشه- رضي الله عنها- ولها منزله في قلبه لا تشاركها فيها واحدة من نسائه، والقلوب ليست ملكاً لأصحابها، بل هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلبها كيف يشاء، ولهذا ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال ((اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))([25]).

هذا عن العدل بصورة عامة. أما تفصيلات القسم بين الزوجات حضراً وسفراً، فله مبحث خاص.

قال العلامة ابن العربي في بحث نفيس حول الآية: ((فإذا قدر الرجل من ماله ومن بنيته على نكاح أربع فليفعل. وإذا لم يحتمل ماله ولا بنيته في الباءة فليقتصر على ما يقدر عليه. ومعلوم أن كل من كانت عنده واحدة أنه إن نالها فحسنٌ وإن قعد عنها هان ذلك عليها، بخلاف أن تكون عنده أخرى، فإنه إذا أمسك عنها اعتقدت أنه يتوافر للأخرى، فيقع النزاع وتذهب الإِلفة))([26]).

  

المبحث الخامس عشر

المؤهلون للعدل

أوجب الله على من تزوج بأكثر من واحدة أم يعدل في كل الأمور الظاهرة، التي يستطيعها من المأكل، والمشرب، والملبس، والمبيت، والمعامله الحسنة. وتوعّد من خالف ذلك وحاد عن الجادّة بالعقاب الأليم، يوم القيامة، وإذا شعر الشّخص المعدِّد بهذه الرقابة الصَّارمة، وتذكر الوعيد الشديد، دفعه ذلك للعدل حسب استطاعته. وإذا أحست المرأة بهذا الأمر شعرت بأنها تحتل مكانه في نفس زوجها لا تزيحها عنه الزوجة الأخرى.

ومعنى ذلك كله أن الذي يسوّغ له التعدد هو ذلك الرجل الحازم القويّ الإرادة الذي يتمتع إلى جانب مزاياه الشخصيّة بخلق رفيع، ومراقبة الله – عز وجل – ولاشك أن مثله إذا اتقى ربه، وحزم أمره، على أداء ما وجب عليه، يستقيم به أمر الأسرة ويحلّ الوئام والوفاق بين الزوجات، وبين الأولاد. كما أن التعدد لهؤلاء ربح للمجتمع، إذ يزود الأمة بأبناء يرثون تلك الصّفات الممتازة ([27]).

  

المبحث السادس عشر

مشكلات تعدد الزوجات

المشكلات العائلية كثيرة جداً، لأن أسبابها كثيرة، وتعدد الزوجات مثله مثل أيّ أمر في الأسرة، له أسبابه، ونتائجه، وآثاره، بل إن أي وضع في هذه الحياة له جانبان: جانب المحاسن، وجانب المساويء. لكن يُؤخذ بها الأمر أو ذا لغلبه محاسنه على مساوئه، ومشكلات تعدد الزوجات في جملتها نزاع بين الزّوجات والزّوج والأولاد على مطلب من مطالب الحياة في الأسرة؛ من مأكل، أو ملبس، من نوع خاص، أو مسكن أو نفقة، أو نزاع حول مكانة كل من هؤلاء في الأسرة، وبصفة خاصة كل زوجة لها مكانة عند زوجها ومكانة كل ولد عند الأب. ولهذه المنازعات شبيه في الزواج بزوجة واحدة، ففيه يحصل النزاع حول مكانه الزوجة عند زوجها بالنسبة لأمه أو أخته. وكذا يحصل النزاع معه حول المأكل والملبس، والمسكن. وكذا يحصل النزاع بين الأولاد على كثير من الأمور عظيمها وحقيرها، ومن أدار نظره لوضع الكثير من الأسر أحسّ بذلك، ولمسه عن قُرب، وهذه المشكلات لا سبيل إلى حصرها، إذ هي مشكلات كل زواج بل كل أسرة بل عي توجد حيث يوجد الأنسان!!.

أما عن آثار هذه المشكلات فهي ما يجرّ إليه من خصام وتنافر، وتفرّق وتمزّق، أو غير ذلك. وكذا ما يُصاحبه من جدل أو مُحاباة، أو كيد أو نكايةٍ، أو غير ذلك.ولو أردنا أن نحصر ذلك ونوجزه لقلنا:

إنَّ غيره المرأة مدّاً أو جزراً، هي الباعث الأهم للمشكلات الأسرية.

وكذا حماقة الرجل في سياسته لزوجاته وأولاده، فالرجل راع في أسرته، ومسئول هن رعيته. ولو انضبط هذان الأمران: غيرة المرأة، وسياسة الرجل للبيت، لانعدمت تللك المشكلات أو خفَّت كثيراً.

يقول الشيخ علوان: (( وفي تقديري المشكلات العائلية ناتجة عن سببين رئيسيين:

الأول: ناتج عن الرجل، لكونه لم يُحقق جانب العدل المادي في جميع المجالات.

الثاني: ناتج عن المرأة لكونها تنظر إلى الحياة بمنظار الأنانية، وعدم تفهم الواقع ومصلحة المجتمع([28]).

وقد راعى الإسلام هذا الجانب وحرص على إصلاحه، لئلاّ تتفقم هذه المشكلات وتعصف بالأسرة الإسلامية، فكان من إصلاح الإسلام في هذا الأمر أن ربَّى ضمير الزوج المسلم على خوف الله، ومراقبته، ورغبته في ثوابه إن نفذ أوامره، وخشيته من عذابه إن خالفها.

ومثل هذه التربية تجعل التعدد- حين تقتضيه ظروف الإمسان الشخصية أو ظروف المجتمع العامة- قليل المساويء، قليل الأضرار، فلا بيت تنهكه العداوات، ولا أولاد تُفرق بينهم الخصومات، وكلّ ما في الأمر غيرة لابدّ منها، تكبح الزوجة المسلمة جماحها بأدب الإسلام([29]).

يقول الشيخ ابن محمود: ((ثم إن بعض هؤلاء متى استجد أحدهم نكاح المرأة، ووقعت في نفسه موقع الحظوة والرغبة، أقبل عليها بكلّيته ووحدها باتصاله وصلته، وقطع صلته بالأولى، وقطع نفقته عليها وعلى عياله منها، حتى يدعها معلّقه لا هي زوج ولا هي مطلقة، فيتضاعف عليها الضرر من كل الحلات، لعجز الرجل عن القيام بكفاءة المرأتين لا في البيت ولا في المبيت ولا في النفقة. وإنّ مثل هذا يستحق أن لا يُسمح له بالتعدد لعجزه عن القيام بواجبه، وللإخلاله بشرطه))([30]).

 

المبحث السابع عشر

حدوث المشكلات بسبب التعدد لا يعني منعه أو تقييده

كثير من الناس سيضع اللائمة على تشريع التعدد، فكلما رويت له قصة هنا أو هناك أو سمع بمشكلة عائلية نتيجة كون الزوج تزوج بأكثر من واحدة تراه يقول: هذه نتيجة التعدد!! ولهذا يُطالب بتقييد التعدد!!.

ونحن نقول لهؤلاء:

إن دعوى منع التعدد خشية حدوث المشكلات لا يصح الاعتماد عليها في إبطال الأحكام الشرعية أو النيل منها أو المساس بها، ومن سلك هذا المسلك ففي قلبه مرض أو في عقله قصور، أو على الأقل ففهمه قاصر!!

لأن المشكلات إذا حدثت فهي من المتسبب الذي لم يحسن التعامل مع تشريع تعدد الزوجات، وما دخل الإسلام ونظامه في وجود أخطاء بالآخرين؟! إن الإسلام وضع الحدّ للظلم والتّقصير في الحقوق، وشرطَ العدلَ لمن رغب في التعدد، ولا تقع اللائمة عليه إذا أساء الناس في تطبيقه، وقصّروا في أحكامه، وإلا لقيل مثل هذا في زواج الواحدة!! بل في شئون الحياة كلّها، وما أظن عاقلاً يقول بذلك.

إنّ حل هذا الأمر ليس بتقييد التعدد أو النيل منه، بل في إصلاح النفوس وتهذيبها، وتقويم سلوكها، والأخذ بأيدي الناس ليكون التعامل بينهم على أساس من العدل المطلوب، سواء كان بين الزوج وزوجاته أو حتى بين الأب وأبنائه، وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة.

  

المبحث الثامن عشر

المحاربون لتعدد الزوجات

الذين وقفوا من التعدد موقف الرّفض اختلفت مشاربهم، ونتيجة لذلك اختلفت نظراتهم، وما تبعها من نتائج، وهم أصناف كثيرة، وبالتتبع والأستقراء ظهر لي أنهم يُمثلون اتجاهات أربعة.

الأول: رجل حاقد عدوّ للإسلام وأهله، يعلم أن في مشروعية التعدد تكثيراً لسواد المسلمين، وحسماً لقضايا أسرية معقّدة، فرأى- ةالحقد يملأ قلبه- والكيد والدسّ مطيّته- أن يشوه هذا التشريع، ويضع العقبات والعراقيل في طريقه، ويُنفّر الناس منه، وهو بهذا يخدم أعداء الإسلام، ويُحقق على مختلف المستويات ما يعجزون هم بأنفسهم عن تحقيقه.

الثاني: رجل جاهل بالإسلام وتشريعاته، أصابته لوثة الغرب أو الشرق فحمل أفكارهم من حيث لا يشعر، وهو ممن يتكلّم بلغتنا، ومن بني جلدتنا، ولكته أُشرب حبّ كلّ مبدأ، ومال قلبه إلى نِحله، وهؤلاء علاجهم بالعلم الشرعي، والوعي بخطط الأعداء، ومكائدهم، لئلا يكون سلاحاً بأيدي غيرهم من حيث لا يشعرون.

الثالث: رجال من أهل الخير والصلاح لديهم الغيرة على الإسلام وأهله، ولكنهم ذهبوا يدافعون عن تشريع التعدد، ويطالبون بتقييده تبرئه للإسلام، وإظهاراً له بمظهر مواكبه الرقي والحضارة، وما علم هؤلاء أنهم بمطالبهم هذه أساءوا من حيث يريدون الإصلاح، وحاربوا التعدد بلسان من يدافع عنه، وشَرْع الله أحكم وأعدل وأقوم.

الرابع: اتجاه ضعفاء الشخصية الذين يسمعون الناس يقولون شيئاً فيردّدون دون ما يسمعون دون وعي أو إدراك!!.

وهؤلاء على قسمين:

  • ضعفــــاء الشخصية أمام كل جديد، فلهم منه نصيب، ولو كان يُخالف آداب الإسلام وتشريعاته خصوصاً إذا كان له مساس بالتمدّن والرقيّّ على حدّ زعمهم.

(ب) من ضعفت شخصيته أمام امرأته، فأصبح يُردد ما تردده بعض النساء الجاهلات من مصائب التعدد ومشكلاته، ويتغنى ويتفكه في كل مجلس يجلس فيه بحادثة الأسرة الفلانية، وقضيه فلان من الناس، حيث كان سبب مشلاتهم التعدد. وليت هذا وأمثاله إذا لم يرغبوا في التعدد أحجموا عن الكلام، ولزموا الصمت، فذلك خير هم في الدارين.

يقول السباعي بعد أن ذكر محاربة بعض الناس للتعدد وهجومهم عليه:((ولكنهم بين فريقين، بين مخلص حسن النيه رأي شدة هجوم الغربيين على نظام التعدد في الإسلام فظن أنه بمثل هذا القول يخلص الإسلام مما يتهمونه به. ومثل هذا ضعيف الإيمان، ضعيف الشخصية، لا يثق بما عنده، وينهزم أمام أعدائه. وبين آخر سيء النية يريد أن يخدع المسلمين في دينهم فيزين لهم التبريّ مما فعله رسولهم وصحابته، وجماهير ملايين المسلمين أربعة عشر قرناً))([31]).

 

المبحث التاسع عشر

مشكلة الأرامل والمطلقات وحلها

من خلال تعدد الزوجات

تعددّ الزوجات وسيلة فعالة للقضاء على مشكلة فئتين كبيرتين من النساء، والأرامل اللاتي توفى عنهن أزواجهن، وكذا المطلقات، وهن كثيرات مع إختلاف الأسباب، وتعددها وتريع التعدد يحل هذه المشكلة إذا صدقت النيات، وصحت العزائم، ووجد الحزم من المرأة نفسها أو من أوليائها، وبيان ذلك كالتالي:

  • قد يُتوفى عن المرأة وهي في عز شبابها، ومعها من الذرية قليل أو كثير، أو ليس معها أحد البتة.
  • قد تُطلق الفتاة وهي صغيرة لسبب من الأسباب، وقد يكون معها أولاد أو لا يكون، وهنا ليس هناك في الغالب حل إلا أن تكون زوجة ثانية، لأن الشباب في الجملة يبحثون عن زوجات في أعمارهم أو قريبات منها، وكون المرأة ترفض من يتقدم لها بحجة تربية أولادها حتى يكبروا غير سديد، لأن هذه المرأة المسكينة، قد تفاجأ بما لم تحسب له حساباً، مثل أن يكبر الأولاد فيتزوجوا، ويتفرقوا هنا وهناك، أو أن تمتدّ لهم يد السوء فتحرفهم عن طريق الاستقامة، فيُودَعون السجون أو يُحرمون البر، ويتوغلون في العقوق، وينسون أمهم أو يتناسونها!! وقد أثبتت التجارب صدق ما نقول. وهنا يكون الأمر عكس ما رتبت له الأم، وتنقلب تضحيتها وبالاً عليها.
  • إذا تقدمت السن بالمرأة عزف الخطاب عنها، وبقيت تصارع الآم الوحدة، وهي ترى أترابها يتمتعن بالعيش الهانيء في ظلال الأزواج، وهنا تبدأ الحسرة والندم على زهرة شبابها الذي ضيعته في رفضها لمن تقدم لها ممن يكون معه إمرأة أخرى.
  • إذا طُلِّقت بعض النساء ومعها أطفال تمسكت به وجر عليها ذلك من المشكلات ما الله به عليم مع زوجها الأول، ولو أنها تركت الأولاد لأبيهم ، واكتفت بمتابعتهم وزيارتهم لها، وتزوجت بآخر وأنجبت منه لكان ذلك أفضل لها بكثير، لأنها مع الزمن تسلو وتنشغل بالذرية التالية من الزوج الجديد.
  • كثيراً ما تتفاقم المشكلات حول المرأة التي معها أولاد، وقد طُلِّقت أو تُوفيّ عنها زوجها، ذلك أن أهلها يستثقلون رعاية أطفالها، وقد يكونون عاجزين عن ذلك، ولو أنها تزوجت وعاشت في كنف زوج لكان أهنأ لعيشتها، وأسلم لتربية أولادها.
  • هناك من تعتبر الزواج الثاني تنكراً للزوج الأول، خصوصاً إذا كان مُتًوفّى، والحياة بينهم كانت مستقرة، والحق أنه من الوفاء للزوج الأول أن تتزوج إمرأته، ولا تبقى أيِّمًا تلوها الألسنة أينما ذهبت، وأنى اتجهت. لقد بلغ من وفاء السلف بعضهم لبعض أن كان الواحد منهم يبادر للزواج من زوجة أخيه؛ إذا استشهد في سبيل الله ، وقد حدث هذا مع أبي بكر رضي الله عنه حين تزوج أسماء بنت عميس بعد جعفر رضي الله عنه وحدث هذا من علي حينما تزوجها بعد أبي بكر، أليست أسماء وفيه لجعفر وأولاده؟! وهم من أفضل من وطيء على الأرض.
  • وعلى العكس مما سبق بعض النساء إذا طلقت أحجمت عن الزواج، وتقول: يكفي ما حصل لي من الزوج الأول، وكأنها بهذا تعترض على قدر الله، وإلا فإن الخير فيما يختاره- سبحانه- وقد يكون الخير كل الخير في زواجها الثاني، ويعوضها عن زواجها الأول، وترفرف على بيتها السعادة. وقد شاهدنا من هذا الشيء الطثير.

وبهذا الإيجاز يتبين لنا أن تشريع تعدد الزوجات حلّ ناجع، وحاسم لمشكله الأرامل والمطلقات، لأن المجتمع يكسب بزواجهن مكاسب كبيرة جداً، منها عفتهن، والمحافظة على أعراضهن، ومنها حلّ مشكلة أزواج آخرين حصل لهم خلل في زواجهم الأول. ومنها تكثير المجتمع وتقويه بنيانه، وتلك والله مكاسب عظيمة- إن هي تحققت- للمجتمع المسلم.

 

المبحث العشرون

أدب التعامل مع الزوجات

إن صمام الأمان في الأسرة هو الزوج، فعلى ققدر حزمه وقدرته على إدارة شئون البيت وعدالته في التعامل مع الزوجات، ومراقبته لله في دلك كله، أقول على قدر ذلك يكون استقرار الأمور وسلامة الأسرة من العواصف المدمرة التي تتناوش الأسر من هنا وهناك.

وإليك- أخي القارئ- جملة من الآداب يحسن بالزوج أن يأخذ بها في تعامله مع زوجاته، لأنها تعينه في طريقه:

  • المساواة التامة بين الزوجات، خصوصاً فيما يملكه من الكلمة الطيبة واللقاء الحسن، والابتسامة الصادقة، واللمسة الحانية والتوجيه الكريم لكل ما يحتاج إلى توجيه من ـمر خاص أو عام.
  • عدم الإفصاح عما يحدث بينه وبين إحدى زوجاته للأخريات؛ لأن هذا من الأسرار التي ائتمنه الله عليها، مهما كانت المبررات والأعذار. فكلما أنه لا يرضى أن تتحدث زوجته بذلك فلا يسوغ له أن يتحدث به.
  • الا يسمح لإحدى زوجاته من أن تنال من غيرها مهما كانت الأسباب؛ لأن هذا مما يُوغر الصدور، ويقلب الموازين، ويجعل الأخرى ترد بالمثل. وهكذا تتأزم الأمور.
  • الا يتحدث عن إحدى زوجاته عند الأخريات، ويمدح الغائبة؛ لأن هذا يُوغِر صدر الحاضرة، بل عليه إذا كان عند إحداهن أن يشرها بأنها زوجته الوحيدة، وكأنه لا زوجة له ثانية، لأن هذا يُديم المودة والصفاء، ويمنع القطيعة والبغضاء، ويوم أن تتربى الزوجات على ذلك، تَخِفُّ حدة الغيرة عندهن، وتنشغل كل واحدة بشئونها، وتترك شئون الأخرى، وهذا من مصلحة الزوج والزوجات.
  • معالجة الأخطاء بالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم تأزيم الأمور وتصعيدها، بل تُحَلُّ المشكلات أولاً بأول، وفي أضيق نطاق ممكن، ومتى صدر خطأ من واحدة أو تعدّت على أخرى وجب على الزوج استيعاب الموقف وتهدئة الأمور، وله أسوة برسول الله، صلى الله عليه وسلم.([32]).
  • التأكيد عل الأولاد باحترام الزوجة الثانية، فيؤكد على كل أولاده باحترام زوجاته، ويشعرهم بأنها بمثابة الأم لهم، ومتى نشأ هذا الشعور عند الأولاد في صغرهم وانتفى ضده من الأم انعدمت مشكلات الأبناء أو خَفَّت إلى أضيق نطاق، وهذا راجع إلى سياسة الرجل وقدرته على توجيه أبنائه، والأخذ بأيديهم.

 

المبحث الحادي والعشرون

لا ينبغي إظهار الاسلام بمظهر المتهم

المتمعن في كثير من الكتابات المعاصرة التي تدافع عن الإسلام، وتبين جوانب الكمال فيه، تظهره في مظهر المتهم!!

فتسوق جمله من التهم والشبه، وتبدأ بالدفاع عنها، والذي نتمناه من المفكّرين والكُّتاب والدعاة والمصلحين أن يتخطوا هذه المرحلة إلى المرحلة الأهم، وهي الهجوم على كل ما يُخالف الإسلام ويُنافيه، لأن الله اختار للناس هذ الدين، وما كان ليختار لهم إلا ما فيه صلاحهم، وفلاحهم في الدنيا والآخرة. إن لوي عنق النصوص لُتساير الواقع أمر مرفوض بتاتاً. والواجب الذي لا خيار فيه لوي الواقع ليساير النصوص، إن الكثيرين مما يدافعون عن الإسلام يضعونه في موضع الريبة والشك، بل يصل الأمر عند البعض إلى أن يؤولوا النصوص، ويقلبوا الحقائق، إبعاداً للإسلام عن التهمة، وتوفيقاً بين المباديء الإسلام وأراجيف الأعداء.

يقول الشيخ عبد الله علوان: ((وهذا من الخطأ الفادح الذي وقع فيه كثير من الكتّاب في هذا العصر، وفي تقديري أنهم يسيئون أكثر مما يُحسنون، ويزيدون التهمة تثبيتاً وتعميقاً أكثر مما يُدافعون، وما كان عليهم لو أنهم وقفوا في ردودهم وكتاباتهم موقف الهجوم لكل من ينال من نظام الإسلام أو يمس رسوله، عليه السلام))([33]).

 

المبحث الثاني والعشرون

القسم بين الزوجات

هذا العنوان يشمل أموراً عديدة ومهمة سنتاولها بإيجاز بالغ، فنقول:

أولاً: حكم القسم بين الزوجات:

أجمع أهل العلم على وجوب القسم بينالزوجات في الأمور المادية، من المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والمبيت، ومستند الإجماع الكتاب والسنة.

فمن الكتاب: قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف}[سورة النساء، الآية 19]. وقوله تعالى:{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [سورة النساء، الآية:129]. وليس مع الميل المعروف.

ومن السنة: ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل))([34]).

قال ابن قدامة: (( لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافاً))([35]).

ثانياً: هل القسم واجب في كل الأحوال؟

القسم واجب في كل الأحوال، يتضح ذلك مما يأتي:

  • إذا كان عند الزوج أكثر من امرأة لم يجز أن يبتديء بواحدة منهن إلا بقرعة، لأن البداءة بها تفضيل لها، والتسويه بينهن واجبة، فوجب المصير كالقرعة كما لو أراد السفر بإحداهن ([36]).
  • يجب القسم على الزوج سواء كان صحيحاً أو مريضاً أو مجبوباً أو عنيناً أو خصياً؛ لأن القسم للأنس، وذلك حاصل مما لا يطأ. وقد قسَّم صلى الله عليه وسلم، وهو مريض فإن شق عليه القسم في هذه الحالة استأذنهن في الجلوس عند إحداهن، كما فعل النبي، صلى الله عليه وسلم، في مرض موته، حيث استأذن زوجاته. بالجلوس عند عائشة لتمرضه.
  • القسم واجب لكل زوجة سواء كانت صحيحة أو مريضة، أو حائضاً أو نفساء، أو صغيرة يمكن وطؤها، لأن المقصود الأنس، وهو حاصل مع هؤلاء النسوة([37]).

ثالثهما: كيفية القسم إذا تزوج بكراً أو ثيباً على غيرها:

قال بعض أهل العلم: إنه لا فضل للجديدة في القسم، فإن أقام عندها قضاه للباقيات. وقال به: الحنفية ومن وافقهم.

وقال آخرون: بل يقيم عند الجديدة، ويقطع القسم فترة محددة، فإن كانت الجديدة بكراً أقام عندها سبعاً. وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً، ولا يقضي هذه المدة للباقيات.

وقال بعض الصحابة والتابعين، وهو رأي الأئمة الثلاثة:

مالك، والشافعي، وأحمد، وذكر النووي أنه قول الجمهور([38]).

رابعاً: الزمن الذي يجب فيه القسم:

الزمن الذي يجب فيه القسم للزوجات هو الليل، لأنه محل السكن، والنوم في الفراش. وهذا عادة عامة الناس. والنهار للتكسب والمعاش، وطلب الرزق، لكن النهار تابع لليل، فإذا جاء النهار بقي حكم الليلة للمرأة حتى غروب الشمس. لكن لو حصل العكس كأن يكون اشخص عمله في الليل وراحته في النهار، كالحراس وبعض الجنود وغيرهم. فالقسم في حق هؤلاء يكون بالنهار، لأنه يأخذ حكم الليل، إذ مبيتهم ونومهم مع أهليهم في النهار. قال ابن قدامة:((فعل هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة وليلة، ويكون في النهار في معاشه وقضاء حقوق الناس، وما شاء مما يبح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحراس، ومن أشبههم، فإنه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره))([39]).

خامساً: هل يجب القسم بين الزوجات في الوطء؟

لا سبيل إلى إيجاب التسوية بين الزوجات في الوطء، لأن الجماع ناتج عن الشهوة وميل القلب، ولا سبيل إلى التحكم في ذلك. وهذا ما نفاه الله – سبحانه وتعالى- في قوله:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[سورة النساء، الآية:129].

وكذا لا يلزمه القسم بينهن فيما دون الجماع، كاللمس، والقبلة، والضم والمباشرة، دون الفرج، لأنه إذا لم يجب القسم في الجماع ففي غيره أولى. فإن قسم في الوطء وما دونه فهذا أكمل وأفضل. لكن هذا شروط كله فيما إذا لم يقصج الضرر بواحدة منهن أو أكثر، كأن يحصل له داعي الجناع عند إحداهن في ليلتها، ويمنع نفسه منه توفيراً للأخرى، فهذا لا يجوز لأنه في هذه الحالة يملك هذا الأمر، ويجب عليه العدل فيه([40]).

قال ابن حجر: ((فإذا وفّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة))([41]).

سادساً: كيفية القسم بين الزوجات:

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

الأول: أنه يقسم لكل واحدة ليلة ليلة، فإذا أحب الزيادة استأذنهن، فإن رضين وإلا فلا، ومستند هذ فعله، صلى الله عليه وسلم، في قسمه بين نسائه.

الثاني: أنه يقسم ليلتين ليلتين، وثلاثاً ثلاثاً، ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن.

سابعاً: القرعة بين الزوجات حال السفر:

من المعلوم أن الزوج إذا كان عنده أكثر من امرأة ورغب السفر فإن أحبّ أن يُسافر بهن كلهن أو يتركهن كلهن فهذا لا إشكال فيه. ولا يحتاج إلى قرعة، لكن لو رغب السفر ببعضهن، فهل له أن يختار أم تجب عيه القرعة؟ قولان لأهل العلم؛ أصحهما أنه تلزمة القرعة؛ لأن هذا هو هدي الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع زوجاته حال سفره([42]).

قال النووي بعد أن ذكر طرفاً من أحكام القسم السابقة: ((ومذهبنا أنه إذا أراد القسم له أن يبتديء بواحدة منهن إلا بقرعة،ويجوز أن يقسم ليلة ليلة، وليلتين ليلتين، وثلاثاً ثلاثاً، ولا يجوز أقل من ليلة، ولا يجوز الزيادة على الثلاثة إلا برضاهن. هذا هو الصحيح في مذهبنا. وإذا قسم كان لها اليوم الذي بعد ليلتها، ويقسم للمريضة والحائض والنفساء، لأنه يحصل لها الأنس بها بغير الوطء من قبلة، ونظر، ولمس، وغير ذلك.

قال أصحابنا وإذا قسم لا يلزمه الوطء ولا التسوية فيه، بل له لأن يبيت عندهم ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض، لكن يستحب ألا يعطلهن وأن يسوي بينهن في ذلك))([43]).

ثامناً: هل يلزم الرجل زوجاته بالسكنى في منزل واحد؟:

لا ينبغي للرجل أن يجمع زوجتيه أو زوجاته في مسكن واحد، ومن حقهن عليه أن يجعل لكل واحدة مسكناً خاصاً إلا إذا رضين بذلك، لكن إن لم ترض الزوجات فلا يسوغ له جمعهن، لأن من ضمن شروط الثانية قدره على النفقة. ومنها إيجاد المسكن الخاص للثانية.

قال ابن قدامة:((وليس للرجل أن يجمع بين إمرأتين في مسكن واحد يغير رضاهما صغيراً كان أم كبيراً لأن عليهما ضرراً، لم بينها من العداوة والغيرة، واجتماعهما، يُثير المخاصمة والمقاتلة، ونسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى، أو ترى ذلك، فإن رضيا بذلك جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه))([44]).

تاسعاً: إذا اشترى لواحدة شيئاً فهل يلزمه الشراء للأخرى:

العدل في النفقة والمسكن والمبيت واجب بين الزوجات، لكن لو اشترى لواحدة لازماً من لوازم البيت ينقص بيتها وهو موجود عند الأخرى أو تلفت حاجة في البيت كالغسالة والثلاجة، وغير ذلك فله إصلاحها أو شراء غيرها، ولا يلزمه الشراء للأخرى مثلها.

قال ابن قدامة:((وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن. قال أحمد: في الرجل له امرأتان له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسي، إذا كانت الأخرى في كفاية،. وهذا لأن التسوية في هذا كله تشق، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقط وجوبه كالتسوية في الوطء))([45]).

وقال بن حجر:((فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بحفة))([46]).

عاشراً: إذا خرج من عند امرأته في ليلتها هل يقضي لها؟:

إذا خرج من عند امرأته في ليلتها ولم يَعُدْ لَهَا، فإن كان خروجه في زمن يسير يتسامح فيه عادة فلا قضاء عليه. وإن كان الزمن كثيراً لزمه القضاء، سواء كان خروجه لعذر من حبس أو غيره، أو لغير عذر إلا إذا خرج من عند غيرها مثل خروجه من عندها وسوىّ بين ذلك. أما الخروج للصلاة والكسب فلا حرج عليه فيه.

قال ابن قدامة:((وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها، لأنه لا فائدة في قضاء ذلك. وإن أقام قضاه لها سواء كانت إقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر، لأن حقها قد فات بغيبته عنها، وإن أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الأخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لأن التسوية تحصل بذلك))([47]).

أحد عشر: إذا دخل على إحداهما في ليلة الأخرى أو يومها:

الدخول على الضرة في يوم غيرها وليلتها لا ينبغي، لأنه خلاف العدل الواجب شرعاً، فإن دخل على إحداهما في ليلة الأخرى قضاه لها، إلا إن كان لضرورة ملجئة، وإن دخل عليها نهاراً فعليه القضاء إلا إذا كان لحاجة من دفع نفقة أو متابعة أولاد أو تعليم أو غير ذلك. والرجل مؤتمن على هذا الوقت لأن العدل واجب علي. قال ابن قدامة: ((وأما الدخول على ضرتها في زمنها فإن كان ليلاً لم يجز إلا ضرورة مثل أن يكون منزولاً بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه، فإن فعل ذك ولم يلبث أن خرج ولم يقض. وإن دخل عليها فجامعها في زمن يسير ففيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه قضاؤه.

والثاني: لا يلزمه أن يقضيه. وأما الدخول فب النهار إلى المرأة في يوم غيرها فيجوز للحاجة من دع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته))([48]).

 

المبحث الثالث والعشرون

منع الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي من التعدد!!

يُثير بعض المحاربين للتعدد شبهة حسب فهمهم يشوهون بها قضية التعدد، ويفهمون النصوص على غير وجهها الصحيح، بل ويلبسون على الناس بقلب الحقائق، وكأنهم يخدعون أنفسهم في مخادعتهم للآخرين. وكم جرّت هذه الشبهة على الآخرين وتلقّفها الذين انتكست فطرهم، وساءت نواياهم، فردّدوها عن قصد وسوء نية، وأخذها عنهم غيرهم ممن حسنت نواياهم، ولكنهم لم يفهموا أبعاد القضية.

هذه الشبهة هي منع الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب من الزواج ببنت أبي جهل، ولكي تتضح الصورة للقايء أسوق الحديث كاملاً، كما ثبت في البخاري ومسلم، ثم أذكر طرفاً من كلام أهل العلم عليه.

روى البخاري ومسلم وغيرهما عن المسور بن مخرمة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر وهو يقول:((إن بني هشام بن المغيرة استأذوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني نا رابها، ويؤذيني ما آذاها)). وفي رواية: ((إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها)).

وفي رواية: ((وإني لست أُحرّم حلالاً ولا أحلّ حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً))([49]).

هذا الحديث المتفق عليه، فهمه. أقوام على غير معناه، مع أنه واضح وصريح والمنع فيه معلل بعلة ظاهرية منصوصة، وهي أذية رسول الله، وأذيته حرام باتفاق الأمة، ثم إنه صرح صلى الله عليه وسلم، أنه لا يُحرم حلالاً ولا يُحلّ حراماً، إنما يتكلّم بالوحي من عند الله. وقد أفاض شراح الحديث ببيان ما فيه، وتكلّموا على ما ظنه كثيراً من الناس إشكالاً، وأجابوا عنه. وأجتزيء للاختصار من كلام العلامتين النووي وابن حجر بعض الإشارات لتمام الفائدة.

قال النووي: ((قال العلماء في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، بكل حال، وعلى كل وجه، وإن تولد الإيذاء مما كان أصله مباحاً وهو حي.

وهذا بخلاف غيره، قالوا: وقد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لست أحرّم حلالاً)). ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين:

أحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة، فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه وسلم، فيهلك من آذاه. فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة.

والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، وقيل ليس المراد به النهي عن جمعهما بل معناه أعلم من فضل الله أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النضر: والله لا تكسر ثنية الربيع، ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما ويكون معنى لا أُحرم حلالاً أي لا أقول شيئاً يُخالف حكم الله. فإذا أحل شيئاً لم أحرمه، وإذا حرّمه لم أحلّه.

ولم أسكت عن تحريمه لأن سكوتي تحليل له. ويكون من جملة مُحرّمات النكاح بين بنت نبي الله وبنت عدوّ الله))([50]).

وقال ابن حجر:((قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، حرّم على علي أن يجمع بين ابنتيه وبين ابنة أبي جهل، لأنه علل ذلك بأنه علل ذلك بأنه يؤذيه، وأذيته حرام بالاتفاق. ومعنى قوله: ((لا أحرم حلالاً)) أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة. وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم، لتأذي فاطمة به فلا. وزعم غيره أن السياق يشعر بأم ذلك مباح لعلي لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم، رعاية لخاطر فاطمة، وقيل هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي يظهر لي: أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي، ألا يتزوج على بناته، ويحتمل أن يون ذلك خاصّاً بفاطمة، عليها السلام.

ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يمنع علي من التزويج بها أو بغيرها. وفيه حجة لمن يقول بسد الذريعة، لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل))([51]). ثم ساق ابن حجر إشكالين وأجاب عنهما، أحدهما: كيف راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جانب فاطمة في أمر التعدد مع أنه قد عدد، وما يخاف على فاطمة يوجد مثله وأشد في حق أمهات المؤمنين. حيث أن الغيرة عليه صلى الله عليه وسلم. وأجاب عنه بأن فاطمة قد فقدت من تركن إليه ويؤنسها عن أم وأخت، بخلاف أمهات المؤمنين. اللاتي يركن إلى أهليهن وإلى زوجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يسليهن ويلاطفهن.

والإشكال الثاني إعلانه صلى الله عليه وسلم، العتب على علي. وأجيب بأن ذلك مبالغة في رضاء فاطمة التي أصيبت بأمها وأخوتها، وهذا العتب يسليها ويُخّف عنها. وعلى كل حال فالحديث صريح في إباحة التعدد. وهل منعه صلى الله عليه وسلم، لعلي مراعاة لأمر فاطمة؟ وأن هذا من خصائصة، صلى الله عليه وسلم، أم أن المرأة المخطوبة بنت عدو الله والجمع بين بنت النبي وبنت عدو الله محرّم! كل ذلك يحتمله الحديث وغيره، والله أعلم.

 

المبحث الرابع والعشرون

نماذج رائدة في تعدد الزوجات

لا يدري الباحث من أين يبدأ في مثل هذا الموضوع المهم. هل يشير إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، مع زوجاته أم أن هذا لا مجال للحديث عنه. لأنه معروف للناس، مقطوع به، لا يتطرق إليه شك، أو شبهة. أم يبدأ الباحث من النماذج الرائدة لسلف الأمة الذين ضربوا أروع الأمثلة في شتى المجالات، ومنها تعدد الزوجات، حيث طبقوا النصوص بحذافيرها، وقاموا بحقوق نسائهم وعدلوا بينهن مما كان له أثر كبير في تكثير سواد الأمة، وتربية جيلها على مباديء القرآن والسنة. أم أن هذا- أيضاً- مألوف عند الناس ويعرفونه، فلا حاجة للحديث عنه. إنما ينبغي الحديث عن نماذج رائدة يعاويشها الناس، ويحسون بها لتكون حية بينهم، تربطهم بماضيهم المسَّلم لهم، وتشعرهم بأن حاضرهم ينبغي أن يكون مثل ماضيهم أو يُشبهه.

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم   ***   إن التشبـه بالكـرام فلاح

وهذا ما رأيت أن أكتب حوله ذاكراً بعض النماذج التي وقفت عليها بنفسي، ورأيتها ماثلة للعيان، بل وتعاملت مع بعض أطرافها عن قرب، ولن أذكر الأسماء لأنها لا أثر لها في الموضوع. وقد يكون في ذكرها إحراج للآخرين. ولن أكثر من الأمثلة لأنها لا حصر لها، بل سأكتفي بأمثلة يسيرة تُعطي صورة صادقة عما أشرت إليه.

أولاً: شخص عنده زوجة قائمة بأمره، وجاء أولاد منها، وكانت حياتهم مستقرة، ولما تقدمت بها السن تزوج بامرأة أخرى، كانت قمة الجمال والأخلاق، وحميد الخصال. ومع ذلك قسم بينهما بالسوية، وعدل في كل شيء، زأعطى للأولى من الحبّ والعطف والميل ما أعطاه للثانية، وذات يوم رأت الزوجة الأولى فارق السن بينها وبين الثانية، وأحست أن من تمام صفو علاقتها بزوجها أن تتنازل له عن ليلتها، وأحبت أن تكون صاحبة الفضل عليه في التنازل عن حقها لزوجته الجديدة. فطلبت منه أن يقبل تنازلها عن ليلتها لضرتها، وبحث الزوج عن الأسباب فوجدها عاديه، وأنه لا دخل للثانية بذلك، وإنما هو فضل ومعروف من الأولى من أجل راحته هو، فقرّر منحها مكافأة مجزية على ذلك، فقامت بدورها عن طريق أكبر أولادها بعمارة مسجد كبير، وبيتين معه للإمام والمؤذن. ولما فرغ منها قالت المرأة لزوجها إني نويت الأجر لي ووالدي ولك ووالديك، وبهذا سبقت زوجها في الفضل وصنع الجميل، فهل تتكرر هذه الفضليات في مجتمعنا؟! وإذا لم تتنازل الواحدة عن ليلتها فلا أقل من أن تغلق باب المشكلات، وتتعامل مع الضرة على أنها أختها؛ وكما تحب هي أن تعاملها به. فهذا مبدأ الإسلام الخالد الذي لو أخذ به الجميع لسعدوا في الدنيا والآخرة.

ثانياً: أحد طلاب العلم تزوج زوجة ثانية، وسنه صغير لم يصل إلى الثلاثين، ومع ذلك استعد لهذا الزواج، ويسر سبل العدل في بيته، فجعل الأولى في الدور الأرضي، والثانية في الدور العلوي، وعنده مكتبة كبيرة خارج الفلة فجعل لها بابين الأول يدخل على الدور الأرضي، والثاني على الدور العلوي. وأصبح يقضي ليلته ويومه عند إحداهما، وإذا خرج لصلاة المغرب وصلى بدأ الليلة الثانية للزوجة الثامية. واستمر على هذا الحال وله ما يزيد على خمس سنوات. ويقسم لي أنه إذا كان عند إحداهما لا تحس أن لها شريكة معها في زوجها، بل يقول: إنني علمتهما ألا تتكلما إحداهما في الأخرى نهائياً. وقد رغبتا أن تجتمعا في بيت واحد، ورفضت لأني أعلم أن المصلحة تقتضي بُعْدُ كل واحدة عن الأخرى، مع سهوله الإشراف على البيت ومتابعته، يقول: وإذا كان عندي مناسبة ساعدت إحداهما الأخرى حسب رغبتي، وما أحدده أنا. وإذا غبت عن البلد اجتمعا للأنس، وأنا في حياة سعيدة. ولله الحمد. بل أشعر- وهذا من فضل الله عليَّ- أن زوجتي من أسعد الزوجات، بالرغم من أنهما ضرتان.

ثالثهما: شخص عنده زوجات أربع، وقد أفر لكل واحدة مسكناً خاصَّاً، وعدل بينهن في كل شيء، حتى أنه إذا سافر في يوم واحدة منهن عوضها عن المدة التي اقتطعها منها أو استأذنها عن هذه المدة، وإذا اشترى لواحدة شيئاً اشترى للباقيات مثلها، حتى ولو لم يحتجن إليه. وإذا طلبت إحداهن زيارة أهلها أو الذهاب إلى حفلة زواج حرص أن يسوي بينهن. وحياته مستقرة تماماً حتى أن من لا يعرف حالته يظن أنه ليس له إلا زوجة واحدة. وقد مضى على زواجه الأول ثلاثون عاماً أو يزيد، ومضى على زواجه الرابع ست سنوات.

رابعاً: شخص عنده زوجتان كل واحدة في مكان مستقل، بينهما مسافة خمسة عشر(15) كيلومتر تقريباً. ومع ذلك اجتهد في العدل بينهما قدر استطاعته، فقسم لهذه ليلة بيومها، وللثانية مثلها، حتى أنه يغيب عن أولاده يوماً وليلة دون متابعة حرصاً منه على العدل وبراءة ذمته، بل وصل الحال به إبان حياة والدته أنه كان لا يأتيها في يوم زوجته الثانية، لأن الأولى عندها في البيت. وقد رضيت الزوجتان تمام الرضا عن عدل زوجهما، وشكرتا له حسن صنيعه.

وقالتا عنه: لو كان الأزواج بهذه المعاملة ما نفرت النساء من تعدد الزوجات.

  

المبحث الخامس والعشرون

نماذج سيئة في تعدد الزوجات

هناك نماذج سيئة للغاية في تعدد الزوجات، إذ فهموا تشريع التعدّد على أنه إشباع للرّغبات الجنسيّة غير المضبوطة بالضوابط الشرعية، فراحوا يتزوجون ويطلقون، بصورة أنفسهم غير راضين عنها. ولكن الهوى يعمّ ويصمّ، وطيتهم في ذلك ثروتهم الطائلة التي سخّروها لخدمة شهواتهم. وأرجو ألا يعترض معترض ويقول: إن هؤلاء خير ممن يقع في الحرام. أقول هذا أمر مسلّم به، لكن من يقع في الحرام يعلم ويعلم الآخرون أنه اقترف جرماً يُحاسب عليه في الدنيا والآخرة. أما أولئك فعملهم على مرآى ومسمع من الناس، وحديثي ينّصب على فئة معينة معروفة لدى عامة الناس لو أحصيت زوجاتهم المطلقات لوجدتهنّ بالعشرات.

فهل شرع التعدد لهذا؟! ثم إن من يتزوج زواجاً شرعياً وفي نيته أن تدوم العشرة مع الزوجة لكن يحدث غير هذا لسبب خارج عن إرادته فلا حرج عليه إطلاقاً. أما أنيتزوج فلانة لأنها ذُكرت له، وهي تتسم بالجمال والأخلاق والنعومة و…..وفي يقينه أنه سيبقى معها أياما ًثم يودعها إلى أخرى، فهذا ما لم يشرع التعدد له، ولا يرضاه هذا الشخص لأخته وبنته، فكيف يرضاه للأخريات. وهذه النماذج السيئة كثيرة، وسأذكر أمثلة يسيرة مما وقفت عليه بنفسي أو رواه لي الثقات، فأقول:

أولاً: شخص تزوج امرأة، ولم تستقر حياتهما، وبعد بحث الأسباب تبيّن أنها ممنه، حيث ضيّق على امرأته وأسامها سوء العذاب، لأنه فيما يظهر لا يُحبّها، ولكنه طمع في مهره الذي دفعه لها، فلم يبين لها شيئاً، وبدأ بالتضييق عليها من أجل أن تطلب الخلْع، فيطالب بحقه كاملاً. ولكن المرأة وأهلها تحمّلوا كل أذى منه، وقابلوا الإساءة بالإحسان، فلما رأى الوقت يمضي خطب امرأة ثانية، وطلق زوجته الأولى طلقة واحدة، وأشاع عند الناس أنه طلقها إلى غير رجعة، وأخبر أهل المخطوبة أنه طلق الأولى، ثم تزوج الثانية. وبعد أن استقرت حياة الثانية عنده راجع الأولى، وأشعرها بانه سيغير معاملته معها، وأنه ندم على ما مضى منه، فصدقت المسكينة ورجعت معه معاملة قاسية، وأصبح لا يَقْسم لها، بل لا ينفق عليها. وقد حدثني أخوها أنهم يبعثون الخبز وغيره من الطعام لها، لأنه لا يعطيها شيئاً. ويقسم أخوها أن زوجها مكث أربعة أشهر لم يدخل عليها، بل ولم يكلمها نهائياً. وأخيراً طلب أهلها فسخ نكاحها، وشرط عليهم أن يعيدوا له خمسين ألف ريال إجمالي ما دفعه لها، وهكذا يضرب هذا الشخص وأمثاله بأحكام الإسلام وآدابه عرض الحائط. ويسيئون التعامل مع زوجاتهم، مما يترتب عليه كراهيه المرأة للتعدد وبغضه والنفور منه، وتنفير الأخريات منه.

لكننا نعود ونقول: إن هؤلاء مسئولون عن تصرفاتهم، ولا دخل لتشريع الإسلام في هذا التصرف الأهوج!! فإلى الله المشتكى من ضمائر ميتة، وقلوب حاقدة على الإسلام وآدابه.

ثانياً: شخص تزوج على امرأته ثاننية من غير هذه البلاد. وقد أساء عشرة الأولى، وبلغ به الحال أن تركها في بيت أهلها، وبعد اتصالات متلاحقة من المرأة الأولى حضر عندها ووعدها ومنَّاها، ولكن دون جدوى، وبعد توسط بعض الأطراف من الأقارب وأهل الخير نقلها إلى بيت المزرعة وجلست شهرين فقط ثم أعادها إلى أهلها، وفضّل الثانية عليها، إلى درجة أنه جعل غرفة نومها للثانية، وسألت أهل العلم هل عليها من حرج إن هي طلبت الفراق، ثم أعادها، ومكثت عنده وعاد لفعلته الأولى بالرغم من أن الثانية كانت تعظه وترشده، ولكنها لم تفلح في نصيحتها، وتأزمت الامور حتى انتهت إلى الفراق عن طريق المحكمة الشرعية.

ثالثاً: شخص عنده ثلاث زوجات، وقد جمعهن في بيت واحد، بالرغم من رفضهن الشديد، ومطالبتهن ببيوت مستقلة. ولكنه رفض ذلك وأخذ يعذب الأخيرة منهن، وهي أصغرهن لأن محبتها أقل من سابقتيها إلى درجة ـنه في ليلتها يذهب لها لمدة ساعة أو نصف ساعة. ثم يخرج من عندها إلى إحدى زوجتيه السابقتين، وحين نصحته إحداهما أخذ يذهب للأخرى باستمرار في ليلة الثالثة. وبالرغم من أن هذا الشخص من أهل الخير، ويعرف الحكم الشرعي، إلا أنه يتعلل بأنه يريد تأديبها! وهل التأديب بالظلم وعدم العدل، والميل بالقسم الذي يستطيعه كل شخص؟! ونظراً لأن هذه المرأة ضعيفة صغيرة ليس لها أبوان، فقد لجأت بعد الله إلى بعض طلاب العلم، وطلبت تدخلهم، ولكن دون جدوى، مما جعله تهرب منه إلى بلادها وترفع قضيه عليه، بطلب تعويضات عن النفقة وغيرها، ولا تزال القضية قائمة حتى كتابة هذه الأسطر.

رابعاً: شخص عنده امرأتان، ويمتاز بضعف الشخصية. مما جعل الأولى تسومه الذل والهوان، وتضيق على الثانية حتى فصلهما، وجعل لكل واحدة بيتاً مستقلاً. لكن أذية الأولى امتدت بحيث واصلت الاتصال على الأولى ومتابعة الزوج إذا ذهب إليها، وبعث أولادها إلى الثانية في ليلتها، مما يجعل الأب يتضايق، ويتكدر صفو العيش لديه.

وإذا تأكدت من نوم الزوج عند الثانية خصوصاً في القيلولة أرسلت الأولاد زاعمة أن فلاناً أو فلانة من الأولاد مريض. وأنه بحاجة إلى المستشفى، فإذا جاء الزوج وجد الأمر خلاف الواقع، وحرصاً منه على أولادها نصحها، وذكرها وهددها، وتوعدها، ولكن دون جدوى. وهو الآن يعيش مريرة بسبب غطرسة الأولىلا وتعنتها. وقد يكون الاولاد ضحية هذه التصرفات الرعناء.

خامساً: شخص عنده امرأتان. وقد مال مع الثانية ميلاً شديداً، مما جعل الاولى تبقى معلقة فلا هي ذات حقوق ولا هي مطلقة، وقد هجر بيتها هجراناً كاملاً، إلا أنه يدخل على الأولاد مرة في اليوم يسأل عن حالهم. أما أمهم فكأنها ليست زوجه له! بل إنه رفض النفقة عليها، ودفع أجرة البيت الذي تسكنه هي وأولادها. وقد طلب منه الولد الكبير أن ينصف أمه، فنهره وهدده بطلاقها. وقال العبارة المأثورة: ((إن كان يصلح لها ذلك وإلا طلقتها)). فأين العدل من هذا وأمثاله؟! ألا يعرف أنه سيقف مع زوجته أمام حكم عَدْلٍ يوم تشهد عليه الجوارح، وتنطق بما حصل منها. ويومئذ سيندم ولا ينفع الندم

سادساً: شخص عنده زوجتان، إحداهما بقيت معه أكثر من عشرين سنة، والثانية لها في عصمته سنتان. ولكنه بعد مضي سنة ونصف بدأ يسيء معاملة الأولى، ويحرمها من حقوقها الواجبة. وهي المبيت والنفقة، حيث يتعذر بسوء عشرتها، وكثرة كلامها، وسوء أخلاقها، وبعد تدخل بعض الأطراف ومتابعتهم لحالة الزوجين، تبين أنه يظلمها ظلماً بيِّناً ويسء معاملتها، بل ويضيق عليها، ويلحُّ عليها أن تتنازل عن ليلتها، وإذا لم تفعل فسيطلقها، وقد لمّ شملهما من تدخل للإصلاح، وكتب بينهما وثيقة صلح شهدها أهل الزوج وأهل الزوجة، ولكن لم يمض أسبوع حتى عاد الزوج إلى ما كان عليه وأساء للمرأة، ولا تزال الحال على ما ذكرت، عسى الله أن يهدي قلبه، وأن يصلح شأنه مع زوجته، لئلا تتفرق الأسرة بعد اجتماع، وتشتت بعد ائتلاف.

 

الخاتمة

خير زوجة

حسن التعامل بين الزوجين أساس في باء الأسرة، وقوة لبناتها، ومتى كانت المفاهمة سائدة بين الزوجين والعلاقة قوية والتوجيه صادقاً والرعاية كريمة، فإن الوئام يُرفرف على الأسرة، وتخرج رجالاً صالحين يؤدون دورهم في المجتمع المسلم على أتم وجه وأكمله.

وقد رأيت أن أسوق قصة رائعة لتكون عظة وعبرة للأزواج والزوجات.

وهذه القصة ذكرها كثير من الباحثين وعنونوا لها بـ ((خير زوجة)) وعن الهيثم بن عدي الطائي، قال: حدثنا مجالد عن الشعبي، قال: قال لي شريح: يا شعبي عليك بنساء بني تميم فإني رأيت لهن عقولاً، قال: وما رأيت من عقولهن؟ قال: أقبلت من جنازة ظهراً فمررت بدورهم فإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جنبها جارية كأحسن ما رأيت ن الجواري فعدلت فاستسقيت وما بي عطش، فقالت أي الشراب أحب إليك؟ فقلت ما تيسر. قالت: ويحك يا جارية إئتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريباً. قلت: من هذه الجارية؟

قالت: هذه زينب ابنة جرير، إحدى نساء حنظلة. قلت: فارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة. قلت: زوجينيها. قالت: إن كنت لها كفئاً. – ولم تقل كفواً، وهي لغة تميم- فمضيت إلى المنزل فذهبت لأقيل فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بأيدي إخواني من القراء الأشراف علقمة والأسود، والمسيب وموسى بن عرفطة، ومضيت أريد عمها، فاستقبل فقال: يا أبا أمية حاجتك؟ قلت: زينب بنت أخيك. قال: ما بها رغبة عنك، فأنكحيها. فلما صارت في حبالي ندمت، وقلت: أي شيء صنعت بنساء بني  تميم، وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت: أطلقها! ثم قلت: لا! ولكن أضمها إلى، فإن رأيت ما أحب وإلا كان كذلك، فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينا حتى أدخلت علي، فيصلي ركعتين، فيسأل الله من خيرها، ويعوذ من شرها، فصليت وسلمت، فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي، وألبسنني ملحفة قد صبغت في عكر العصفر، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها فقالت على رسلك أبا أمية، كما أنت. ثم قالت: الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب، فآتيه وما تكره فاذدجر عنه! وقالت: إنه قد كان لك في قومك منكح، وفي قومي مثل ذلك. ولكن إذا قضى الله أمراً كان. وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به:) فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ([سورة البقرة، الآية: 229]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.

قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع. فقلت: الحمد لله، أحمده، وأستعينه، وأصلي على النبي وآله، وأسلم. وبعد فإنك قد قلت كلاماً إن تثبتي عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك. أحب كذا، وأكره كذا، ونحن جميع فلا تفرقي، وما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت سيئة فاستريها. وقالت: شيئاً لم أذكره كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملَّني أصهاري. قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن لهم، ومن تكرهه أكرهه. قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء. قال: فبت يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً لا أرى إلا ما أحب. فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بعجوز تأمر وتنهى في الدار، فقلت: من هذه؟ قالوا: فلانة ختنك، فسري عني ما كنت أجد. فلما جلست أقبلت. فقالت: السلام عليك أبا أمية. قلت: وعليك السلام، من أنت؟ قالت أنا فلانة ختنك. قلت: قربك الله. قالت كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة. فقالت لي: أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ منها في حالتين، إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك ريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة. قلت: أما والله لقد أدبت فأحسنت الأدب. ورضت فأحسنت الرياضة. قالت: تحب أن يزورك ختنك؟ قلت: متى شاءوا. قال: فكانت تأتيني في رأس كل حول توصيني تلك الوصية. فمكثت معي عشرين سنة لم أعتب عليها في شيء إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالماً. أخذ المؤذن في الإقامة بعدما صليت ركعتي الفجر، وكنت إمام الحي، فإذا بعقرب تدب فأخذت الإناء فأكفأته عليها. ثم قلت: يا زينب لا تتحركي حتى آتي، فلو شهدتني يا شعبي وقد صليت ورجعن، فإذا أنا بالعقرب قد ضربتها فدعوت بالسكت والملح، فجعلت أمغث أصبعها وأقرأ عليها بالحمد والمعوذتين([52]).

 فهرس الموضوعات

المقدمة الصفحة
مخطط الرسالة  
المبحث الأول: حكم التعدد
المبحث الثاني: حكمة مشروعية تعدد الزوجات
أولاً:
1ـ عقم الزوجة
2ـ وجود الخلاف بين الزوجين
3ـ كثرة السفر
4ـ توقف الإنجاب عند المرأة
5ـ القوة الجنسية لدى الرجل
6ـ الحفاظ على شرف المرأة
7ـ مرض الزوجة
8ـ كثرة النساء وزيادتهن على الرجال
9ـ مشروعية الجهاد في الإسلام
10ـ أحوال الرجل عامة
11ـ حب الرجل لامرأة أو العكس
12ـ عودة المطلقة إلى عصمة زوجها السابق
13ـ صلة القربى
ثانياً: مصلحة المجتمع من تعدد الزوجات:
المبحث الثالث: التعدد مشروط في الإسلام  
أولها: العدد
ثانيها: النفقة
ثالثهما: العدل بين الزوجات
رابعها: أن لا يكون الجمع بين من يحرم الجمع بينهن
المبحث الرابع: شروط غير شرعية للتعدد  
وخلاصة رأي هؤلاء ما يأتي:
المبحث الخامس: في ظلال آيات التعدد  
المبحث السادس: فهم خاطئ لآيات التعدد  
المبحث السابع: بعض الشبه حول التعدد والجواب عنها  
الشبهة الأولى:
الشبهة الثانية:
الشبهة الثالثة:
المبحث الثامن: حكمه التحديد بأربع  
المبحث التاسع: سلف الأمة وتعدد الزوجات  
المبحث العاشر: التعدد مشروع وليس بواجب  
المبحث الحادي عشر: للمرأة الخيار في قبول التعدد ورفضه  
المبحث الثاني عشر: أفضلية الزواج بأكثر من واحدة  
المبحث الثالث عشر: هل الأصل في الزواج التعدد أم الواحدة؟  
المبحث الرابع عشر: العدل المطلوب  
المبحث الخامس عشر: المؤهلون للعدل  
المبحث السادس عشر: مشكلات تعدد الزوجات  
المبحث السابع عشر: حدوث المشكلات بسبب التعدد لا يعني منعه أو تقييده  
المبحث الثامن عشر: المحاربون لتعدد الزوجات  
المبحث التاسع عشر: مشكلة الأرامل والمطلقات وحلها من خلال تعدد الزوجات  
المبحث العشرون: أدب التعامل مع الزوجات  
المبحث الحادي والعشرون: لا ينبغي إظهار الإسلام بمظهر المتهم  
المبحث الثاني والعشرون: القسم بين الزوجات  
أولاً: حكم القسم بين الزوجات:
ثانياً: هل القسم واجب في كل الأحوال؟
ثالثاً: كيفية القسم إذا تزوج بكراً أو ثيباً على غيرها
رابعاً: الزمن الذي يجب فيه القسم
خامساً: هل يجب القسم بين الزوجات في الوطء؟
سادساً: كيفية القسم بين الزوجات
سابعاً: القرعة بين الزوجات حال السفر
ثامناً: هل يلزم الرجل زوجاته بالسكنى في منزل واحد؟
تاسعاً: إذا اشترى لواحدة شيئا فهل يلزمه الشراء للأخرى؟
عاشراً: إذا خرج من عند امرأته في ليلتها هل يقضي لها؟
أحد عشر: إذا دخل على إحداهما في ليلة الأخرى أو يومها
المبحث الثالث والعشرون: منع الرسول صلى الله عليه وسلم، لعلي من التعدد !!  
المبحث الرابع والعشرون: نماذج رائدة في تعدد الزوجات  
المبحث الخامس والعشرون: نماذج سيئة في تعدد الزوجات  
الخاتمة: خير زوجة  
فهرس الموضوعات  

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])أخص بالذكر الأستاذ عبد اللطيف اللحيدان الذي زودني ببعض العناصر المهمة.

([2])موازين الحسنات.

([3])  تفسير ابن كثير، جـ1، ص450.

([4])  تفسير القرطبي، جـ5،ص17.

([5])  أحكام القرآن لابن العربي، ص312.

([6])  انظر: تفسير القرطبي، ص5 و ص11، وفي ظلال القرآن، جـ2، ص246، وتعدد الزوجات للعطار، ص28.

([7])  تعدد الزوجات، عبد الناصر، ص279.

([8])  تفسير القرطبي، جـ5، ص17.

([9])  تفسير القرطبي، جـ5، ص21.

([10])  رواه أبو داود، انظر: سنن أبي داود، جـ1، ص333.والترمذي، انظر: جامع الترمذي، جـ3، 304. وقال ابن حجر في فتح الباري جـ9، ص313: [رواه الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم].

([11])  المرأة بين الفقه والقانون، ص101.

([12])  لهذه المسألة مزيد تفصيل في غير هذا الموضع.

([13])  ماذا عن المرأة ص144، وانظر لتفصيل أكثر تنظيم الأسرة لمحمد أبو زهرة ص64، وإتحاف الخلان بحقوق الزوجين في الإسلام د. فيحان المطيري، ص323 وما بعدها.

([14])  إعلام الموقعين، جـ2، ص103. وانظر: للإستفادة تعدد الزوجات للعطار، ص187. ونظرات في تعدد الزوجات د. محمد الزهراني ص54.

([15])  انظر: للتوسع، حقوق المرأة في الإسلام د. ممد عرفة ص94.

([16])  انظر: ماذا عن المرأة، ص145.

([17])  رواه البخاري، انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري، جـ9، ص113.

([18])  فتح الباري، جـ9، ص114.

([19])  رواه مسلم، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي جـ9، ص176.

([20])  المغني، جـ6، ص447.

([21])  فتح الباري، جـ9، ص114.

([22])  مجله البلاغ العدد 1015 تاريخ 19/3/1410هــ ، وانظر: الفتاوي لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز 169.

([23])  مجلة البلاغ العدد 1028، تاريخ 1/7/1410هـ ، وانظر الفتاوي ص169.

([24])  حكم إباحة تعدد الزوجات، ص25.

([25])  رواه أبو داود. انظر: سنن أبي داود جـ1، ص333 والترمذي، انظر: جامع الترمذي جـ 3، ص304. وقال ابن حجر في فتح الباري جـ9، ص313 رواه الأربعة وصححه ابن حبان والحاكم.

([26])  أحكام القرآن، جـ1، ص313.

([27])  ماذا عن المرأة، ص145.

([28])  تعدد الزوجات، ص49، وانظر: تعدد الزوجات للعطار، ص50.

([29])  المرأة بين الفقه والقانون، ص103.

([30])  حكم إباحة تعدد الزوجات، ص30.

([31])  المرأه بين الفقه والقانون، ص101.

([32])  نظرات في تعدد الزوجات، ص63.

([33])  تعدد الزوجات، ص11.

([34])  رواه أحمد، انظر: المسند جـ2، ص347، والترمذي، انظر: جامع الترمذي جـ2، ص304.

 ([35]) المغني، جـ7، ص27.

([36])  المغني، جـ7، ص27.

([37])  انظر: بدائع الصنائع، جـ2، ص333، والمغني، جـ7، ص28.

([38])  صحيح مسلم بشرح النووي، جـ10، ص44، والمغني، جـ7، ص44.

([39])  المغني، جـ8، ص32.

([40])  المغني، جـ7، ص35.

([41])  فتح الباري، جـ9، ص313.

([42])  انظر: فتح القدير، ج3، ص435، ومغني المحتاج، جـ3، ص257، والمغني جـ7، ص40.

([43])  صحيح مسلم بشرح النووي جـ10، ص46.

([44])  المغني، جـ7 ، ص26.

([45])  المغني، جـ7، ص32.

([46])  فتح الباري، جـ9، ص313.

([47])  المغني، جـ7، ص33.

([48])  المغني، جـ7، ص34.

([49])  رواه البخاري ومسلم، وغيرهما واللفظ لمسلم. انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري، جـ9، ص327، وصحيح مسلم بشرح النووي، ج16، ص2.

([50])  صحيح مسلم بشرح النووي، جـ16، ص3.

([51])  فتح الباري، جـ9، ص329.

([52])  طبائع النساء، تحقيق محمد سليم، ص44 وما بعدها.