خطبة بعنوان: (إضاعة الصلاة وبعض أخطاء المصلين) بتاريخ 18-6-1435هـ.
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بالاستجابة لأمره وطاعته، وفرض عليهم الصلاة من فوق سماواته، وكتب الأجر والمثوبة لمن حافظ عليها، وبشرهم برحمته وجنته، وأنذر من فرَّط فيها وضيعها بالويل والثبور، والعذاب الأليم يوم النشور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله الذي أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18 ).
عباد الله:اعلموا بارك الله فيكم أن اللهَ جل وعلا أمر بالمحافظة على هذه الصلوات وإقامتها على الوجه المطلوب، وتوعَّدَ المضيعين لها بالإثمِ والغيِّ والويل، فقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}(مريم:95)،وقال في سورة الماعون: {فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون}. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم حثَّ أمته وأمرهم بالمحافظة عليها في أوقاتها المحددة، فقال صلى الله عليه وسلم:(من حافظَ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ، ومن لم يحافظْ عليها لم تكنْ له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة، وكانَ يومَ القيامةِ مع قارونَ وفرعونَ وهامانَ وأُبيِّ بنِ خلفٍ)(رواه أحمد).
عباد الله: وممّا يحز في النفس ويضيق الصدر ما يحصل من بعض المسلمين من تفريطٍ وتضييع لهذه الصلاةِ العظيمة، فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم المضيع لبعضها، ومنهم من يصلي في البيت ولا يحضر الجماعات.
وإنَّ من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب ترك الصلاة تعمُّدًا وإخراجَها عن وقتها كسَلاً وتهاوُنًا، قال صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقَد كفر)(رواه أحمد)، وقال أيضاً:(بين الرجل والكفر ــ أو الشرك ــ تركُ الصلاة) (رواه مسلم).
وقد ورد عن الزهري أنه قال: دخلتُ على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بدمشقَ وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرفُ شيئًا مما أدركتُ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعت”(رواه البخاري).
ولقد اشتدّ غضبُ الرسول صلى الله عليه وسلم على المتخلِّفين عن صلاة الجماعة، وخاصة صلاة الفجر فقال:(لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثمّ آمر رجلاً يصلِّي بالناس، ثمّ أنطلِق معي برجال معهم حُزَم من حَطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار) (متفق عليه). وجاء التحذير الشديد لمن يتخلف عن صلاة العصر دون عذر، قال صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)(رواه الترمذي).
فيا أيّها المتخلِّفُ في بيته عن أداء الصلاةِ مع الجماعةً، تذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم:(من سمع المناديَ بالصلاة فلم يمنعه من اتِّباعه عذر لم تُقبَل منه الصلاة التي صلّى)، قيل: وما العذرُ يا رسول الله؟ قال:(خوفٌ أو مرض) (رواه أبو داود وغيره).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: (هل تسمع النداء؟) قال: نعم، قال: (فأجب)(رواه مسلم)، وعن ابنُ أمّ مكتوم رضي الله عنه قلت: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: (أتسمع النداء؟) قال: نعم، قال: (ما أجد لك رخصة) (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
فاتقوا الله أيها المسلمون وحافظوا على تلك الصلوات في جماعة المسجد وخصوا بمزيد من الحرص صلاتي الفجر والعصر فهي من أثقل الصلوات في زماننا هذا، وكونوا عوناً لأهليكم وأولادكم على المحافظة عليها، وإشعارهم بأهميتها.
عباد الله: وإن من إضاعةِ الصلاةِ عدمَ إقامتها على الوجه المطلوب شرعاً، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(تلك صلاةُ المنافقِ، يجلس يرقبُ الشمسَ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطانِ قامَ فنقرَها أربعاً، لا يذكرُ اللهَ فيها إلا قليلاً) (رواه مسلم). ومما يلاحظ في زماننا وقوع أخطاء في الصلاة من بعض المصلين، ولذا يحسن التنبيه عليها ليتدارك المسلم ما استطاع ويؤدي الصلاة على الوجه المطلوب كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك:
* الإسراع في المشي إلى المسجد وعند دخوله لإدراك الركوع: وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:(إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)(رواه البخاري).
* قول بعض الناس نويت أن أصلى صلاة كذا، وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولأن النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
* سبق الإمام في الركوع والسجود: عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال:(أيها الناس إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإني أراكم من أمامي ومن خلفي)(رواه مسلم).
* عدم التراص في الصفوف وترك فراغ كبير بين الأقدام، وعدم سد الفرج .
* تغطية الفم والسدل في الصلاة.
*الإسراع بالصلاة وعدم الطمأنينة فيها: قال صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته). قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال صلى الله عليه وسلم:(لا يتم ركوعها وسجودها)(رواه ابن أبي شيبة والطبراني وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).
* رفع البصر إلى السماء أو التلفت في الصلاة: كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن رفع البصر إلى السماء، ويؤكد على ذلك حتى قال:(لينتهِيَنَّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة؛ أو لا ترجع إليهم)، وفي رواية: (أو لتخطفن أبصارهم)(رواه مسلم وغيره).
* كثرة الحركة والعبث في الصلاة: كتشبيك الأصابع وفرقعتِها، والتحريكِ المستمر للقدمين، وتسويةِ العمامة أو العقال، والنظرِ في الساعة، وربطِ الإزار، وتحريكِ الأنف واللحية،ٍ وفتحِ الجوال أو غلقهٍ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً يعبثون بأيديهم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم (ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس؟! اسكنوا في الصلاة)(رواه مسلم).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 238، 239).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من أخطاء الصلاة أيضاً:
* عدم إقامة الصلب في القيام والجلوس: قال صلى الله عليه وسلم (لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها)(رواه الطبراني بسند صحيح)، وقال أيضاً:(أتموا الركوع والسجود)(رواه البخاري ومسلم].
* عدم الطمأنينة في الركوع والاعتدال منه: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً دخل المسجد فصلى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ارجع فصل فإنك لم تصل)(رواه البخاري).
* انتظار الإمام إن كان ساجداً حتى يرفع أو جالساً حتى يقوم وعدم الدخول معه إلا إذا كان قائماً أو راكعاً: والصواب الدخول مع الإمام على أي حال كان عليه؟ قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو جالساً. عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)(رواه الترمذي).
* قيام المسبوق لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام أو عند ابتداء الإمام في السلام: وهذا لا يحل وعليه أن يمكث حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية، فإن قام قبل انتهاء سلامه ولم يرجع انقلبت صلاته نفلاً ، وعليه إعادتها.
* عدم كظم التثاؤب أثناء الصلاة: قال صلى الله عليه وسلم:(إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل)(رواه مسلم). ويكون ذلك بوضع اليد على الفم أثناء التثاؤب.
* إتيان المسجد بعد أكل الثوم أو البصل أو تناول شيء محرم له رائحة كالدخان: فهذا منهي عنه لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أكل من هذه الشجرة ــ يعني الثوم ــ فلا يقربن مسجدنا)(رواه البخاري).
* المرور بين يدي المصلي: عن أبي الجهيم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه)، قال أبو النضر أحد رواة الحديث: لا أدري أقال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟! (رواه البخاري). فاتقوا الله واعرِفوا قدرَ هذه العبادةِ الجليلةِ، فإن قدرَ الدِّينِ في قلوبِكم بقدرِ ما يقومُ به من تعظيم الصلاةِ والعنايةِ بها، قال الإمام أحمد رحمه الله: (إنما حظَّهم من الإسلامِ على قدرِ حظِّهم من الصلاةِ، ورغبتُهم في الإسلامِ على قدر رغبتِهم في الصلاةِ). فاعرفوا منزلةَ هذه العبادةِ، وحافظوا عليها في أوقاتِها، وأتمُّوا ركوعَها وسجودَها، وصلوها في بيوت الله، فإنها من شعائر الدين التي أمركم الله بها. أسأل الله جل وعلا أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ولعله يتحقق في هذه الحملة المباركة حول الصلاة التي تقوم بها الهيئة النفع العظيم للعباد والبلاد، وقد لمسنا خلال هذا الأسبوع تجاوباً كبيراً من المواطنين والمقيمين تفاعلاً مع هذه الحملة، فمزيداً من عمل الخير، وجزى الله رجال الحسبة خيراً على ما قدموه ويقدمونه من جهود مباركة لخدمة المجتمع.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 18-6-1435هـ