خطبة بعنوان: (وقفات مع اختبارات الطلاب والطالبات) بتاريخ 24-7-1435هـهـ

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنه من يتق الله يجعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً.
عباد الله: بعد غدٍ تبدأ إن شاء الله اختبارات طلابنا وطالباتنا، بعد عام كامل من التحصيل العلمي والمعرفي، وبذل الجهد، وسهر الليالي، في هذه الأيام يبذل الطلاب فيها قصارى جهدهم من أجل الوصول إلى الأمل المنشود في النجاح والتفوق ، وقد قيل: من جد وجد، ومن زرع حصد.
إن الهدف من الدراسة ليس من أجل تحصيل شهادة، أو الافتخار بالدراسة والتفوق، أو الوصول إلى شهادة عالية، أو وظيفة مرموقة، أو منصب نسعى له، بل الأمر أكبر من ذلك، ألا وهو حب التفوق والنجاح لرفع الجهل عن أنفسنا وللوصول ببلادنا الحبيبة إلى دائرة التنافس في العلم والمعرفة والقدرة على التقدم في شتى مجالات الحياة، فحب التفوق والنجاح يعتبر لبنة من لبنات بناء مجد الأمة، ومصدر تفوقها وعزها.
فبلادنا تحتاج إلى الكثير من المهن العلمية والنظرية لشغل الفراغ الذي يملأه غيرهم، في شتى مجالات الحياة، ليعمروها، ويأخذوا بيدها إلى كل خير.
فلابد أن يتربى الطلاب والطالبات على حمل هم دينهم وبلادهم، ليكونوا بناة مجدها، والقوة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي يحمي عرينها من كل عدو متربص بها.
وعليهم أن يجتهدوا ويبذلوا الأسباب المعينة لهم على التفوق والنجاح، فهم يحملون من الطاقات والمواهب والقدرات شيئاً عظيماً لا يمكن الاستهانة به، وإذا جاءت الامتحانات ظهرت طاقاتهم، وثارت هممهم، وبرزت مواهبهم.
أيها الطلاب والطالبات، هذه بعض الوصايا لكم عسى الله جل وعلا أن ينفعكم بها:
أولاً: أوصيكم بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله وقاه، وجعل له من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا.
ثانياً: اعلموا أيها الطلاب والطالبات أنه لا حول لكم ولا قوة إلا بربكم، فلا تعتمدوا على ذكاءكم وحفظكم، ولا على نبوغكم وفهمكم، ولكن علقوا قلوبكم به، وتوكلوا عليه حق التوكل، وفوضوا أمركم له، فهو خير معين لكم، وتذكروا دعاء نبيكم صلى الله عليه وسلم:(يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)(رواه النسائي، وصححه الألباني).
ثالثاً: اعلموا أن التوفيق بيد الله؛ فاطلبوه منه بحسن طاعته ومرضاته وتجنبوا معصيته، وتضرعوا إليه بحبكم له، وانكساركم وذُلَّكم بين يديه، وألحوا عليه بالدعاء فهو أقرب إليكم من حبل الوريد.
رابعاً: اصرفوا عنكم الخوف والوجل والاضطراب، وقووا قلوبكم بذكره ودعائه، وأبشروا بالخير ما دمتم أنكم اجتهدتم وبذلتم وثابرتم.
خامساً: اهتموا باختباركم، وركزوا أذهانكم معه، واقرءوا الأسئلة بهدوء وتمعن، ولا تستعجلوا الإجابة، فإذا رأيتم سؤالاً سهلاً فابدءوا به، ثم تابعوا الإجابة على باقي الأسئلة على حسب صفاء أذهانكم، وركزوا في إجاباتكم، فالعجلة دائماً في إجابة الأسئلة دون تروٍ أو تأني تجعلكم تخطئون كثيراً، ويترتب على ذلك خسارة الكثير من الدرجات.
سادساً: لا تنشغلوا بغيركم، بل انشغلوا بما أنتم فيه، وعليكم إذا ضاق الأمر معكم في سؤالٍ معين أن تكثروا من الاستغفار، فإن الله جل وعلا سوف يفتح عليكم من فضله ما لم تكونوا تحتسبون.
سابعاً: احذورا الغش في الامتحان فهو جريمة كبرى في حق المجتمع، ووبال على صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا)(رواه مسلم).
ووصيتي للآباء والأمهات الذين يحرصون على تفوق أبنائهم وحصولهم على أعلى الدرجات والوصول لأرقى المستويات أن يبذلوا الأسباب التي تعينهم على أداء امتحاناتهم بيسر وسهولة من هدوء، وتعامل طيب، وعدم التشديد عليهم، وإدخال السرور عليهم، وإعطائهم فرصة للترويح، فإن النفس تملْ من كثرة الضغط، وكلما كان الوالدان أقرب لأولادهم، وكان تعاملهم معهم حسناً، ويسروا لهم أسباب المذاكرة حصل لأولادهم خيرٌ كثيرٌ في العاجل والآجل.
وأقول لإخواني من المدرسين والمدرسات، والمراقبين والمراقبات؛ إن أمانتكم عظيمة ومسئوليتكم كبيرة، فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن وليتم عليه من الطلاب والطالبات، واعلموا أن الله رقيب عليكم فإياكم بالسماح للطلاب بالغش أو التساهل معهم فيه، وابتعدوا عن المحاباة، وراقبوا الله في درجات طلابكم، وأعطوهم ما يستحقون، واعلموا أن العدل مطلوب في كل شيء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}(الأنفال: 27، 28).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن أولادكم أمانة في أعناقكم، فاحفظوا تلك الأمانة بإعانتهم على الخير ونهيهم عن كل شر.
عباد الله: انتبهوا لأولادكم وبناتكم خلال تلك الأيام، فهي من أصعب أيام السنة على الإطلاق، ففيها يخرج الطلاب والطالبات مبكرين من مدارسهم، وغالب آبائهم مشغولون بالدوام والعمل، فلا تغفلوا عنهم، وتواصلوا مع مدارسهم لمعرفة مواعيد خروجهم، وأخذهم في الوقت المناسب، ولا تتركوا لهم الحبل على الغارب، فكم من طالب خسر حياته بسبب صديق مستهتر يؤذي نفسه وغيره في سيارته بالتفحيط وغيره، وكم من طالب خسر مستقبله بسبب صديق يتعاطى الدخان والمخدرات، فأوقعه فيها دون أن يشعر.
وكم من طالب خسر عرضه بسبب صديق شهواني يبحث عن المتعة المحرمة، فأوقعه فيما لا يحمد عقباه في غفلة من عين الرقيب.
وأوصي أحبابي الطلاب والطالبات أن يتقوا الله فيما بين أيديهم من الكتب الدراسية التي تحتوي على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، حيث نرى إهمال البعض وسوء سلوكهم في التعامل معها.
والدليل على ذلك ما نراه عند أبواب بعض المدارس وعند حاويات النفايات من تمزيق الطلاب لكتبهم، وإلقاءها بالشوارع، وعدم احترام ما فيها، وهذا فيه امتهان لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ذنب عظيم يأثم من يقع فيه.
وقد تم تداول مقطع فيديو يظهر عدداً من الطلاب في إحدى المدارس الابتدائية في غير هذه المحافظة وهم يمزقون كتباً مدرسية ويرمونها على الأرض، وذلك بعد نهاية اليوم الدراسي وخارج أسوار المدرسة. ولم يحترموا ما احتوته من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، ومواد علمية قيمة، وهو ما يخالف آداب وقيم مجتمعنا المسلم. فعلينا أن نقوم بتوعية طلابنا وطالباتنا بخطورة هذا الأمر، ووضع البرامج التربوية والتوعوية المناسبة لمعالجة هذا السلوك المشين.
وقد روي أن عبد الملك بن مروان وقع منه فلس في بئر قذرة، فاكترى عليه ــ أي استأجر ــ 13 ديناراً حتى أخرجه، فقيل له في ذلك، فقال: كان عليه اسم الله تعالى ذِكْرُه (شعب الإيمان). وهذا قد وقع منه بغير قصد، فكيف بمن لا يحفظ كتبه الدينية والمدرسية والجرائد التي فيها اسمه تعالى مع قدرته ولا يكلفه ذلك شيئاً سوى دفنه في مكان طاهر أو إحراقه أو تمزيقه من خلال آلة بحيث لا تبقى صورة الحروف، فتذكر أيها الطالب يوم حسابك بين يدي ربك قبل أن ترمي كتابك، وبادر بتسليم كتبك إلى إدارة مدرستك أو احفظها عندك لتبرأ ذمتك، وتخلي ساحتك من الوقوع في الإثم.
أسأل الله جل وعلا أن يوفق أبناءنا وبناتنا لكل خير، وأن يعينهم في اختباراتهم، وأن يمن عليهم بالنجاح والتوفيق في الدنيا والآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة:24-7-1435هـ